مؤتمر سوتشي أو عندما تقرر روسيا مصير السوريين

2018-01-23:: موقع د.برهان غليون

مؤتمر سوتشي هو الصيغة التي اختارتها موسكو للتفاوض بين السوريين بديلا عن مؤتمر جنيف، لتحقيق ثلاثة اهداف، الأول إلغاء مطلب الانتقال السياسي الذي يعني تغيير النظام القائم وإقامة نظام ديمقراطي مدني لا طائفي مكانه، وتثبيت النظام القائم، بما في ذلك بقاء المسؤول الأول عن دمار سورية وخرابها في منصب الرئاسة، مع الوعد بإصلاحت دستورية وانتخابات قادمة، والثاني تعطيل مرجعية القرارات الدولية التي تنص على هذا الانتقال آلية ضرورية للتقدم في اتجاهه، وعلى وقف النار وإطلاق سراح المعتقلين وفك حصار التجويع عن المدن المحاصرة، واستبدالها بإجماع سوري مزعوم قوامه تفاهم السوريين من خلال قائمة من مئات الأسماء أعدتها الدول المحتلة وعلى رأسها النظام وايران، كما أعدت جدول اعمال المؤتمر ووثائقه الرئيسية ومخرجاته سلفا. والهدف الثالث والأهم هو  التوصل إلى اتفاقات دولية تضمن للدول المشرفة الثلاثة على المؤتمر، روسيا وايران وتركيا مصالحها الاستراتيجية ومناطق نفوذها في البلاد، واستخدام  التسوية السياسية السورية بين النظام والمعارضة كقناع لشرعنة الاحتلال وتثبيته.

إن الامر يتعلق إذن بفرض موسكو وشركائها إطار لقيادة عملية التسوية يقوم على تحييد الأمم المتحدة والشرعية الدولية، والاستفراد بالحل، وتصنيع تسوية معلبة سلفا ومملاة بالقوة العسكرية المحضة، ليس للسوريين أي دور في الإعداد لشروطها ولا لجدول أعمالها ولا لوثائقها ولا لمخرجاتها. والمستفيد الوحيد منها هي الدول التي تعرف أن الانتقال لحكم ديمقراطي شعبي في سورية يهدد المكاسب الاستراتيجية الكبيرة وغير المسبوقة التي حققتها من خلال مشاركتها في الحرب على السوريين والقضاء على ثورتهم التحررية.

إن مختصر مؤتمر سوتشي هو مصادرة إرادة السوريين، وحرمانهم من تقرير مصيرهم بأنفسهم، وتجديد حكم الوصاية والتبعية المنهار، وطي صفحة الثورة السورية بما مثلته من آمال وتطلعات نحو الكرامة والحرية والسيادة والانعتاق.

لا يعني ذلك أن موسكو ستنجح في مخططها هذا، فليس هناك اتفاق يمكن أن يمر إذا رفضه الشعب وقواه الفاعلة والنشيطة، ولست متأكدا من أن جميع الدول الراعية له متفقة على تقاسم الكعكة السورية بما في ذلك روسيا وايران. كما ان هناك دول عديدة معنية بأن لا تترك رعاته يصادرون ثمار الحرب الطويلة التي شاركوا فيها. 

لكن الرد الحقيقي للسوريين لا يمكن ان يقتصر على رفض الحلول التصفوية وإنما العمل على تغيير الظروف التي سمحت لموسكو وغيرها بمصادرة إرادة الشعب السوري، وبدء الخطوة الآولى على طريق إعادة بناء الإجماع الوطني والحوار الحقيقي المطلوب لتحقيقه.