سؤال المصير، قرنان من صراع العرب من اجل السيادة والحرية

"سؤال المصير" هو عنوان الكتاب الأخير للمفكر السوري برهان غليون، الذي صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وهو يتناول السؤال الذي طرحه المثقفون العرب المعاصرون وأسلافهم حول سبب تقدم العالم وتأخر بلدانهم. ويشرح الكاتب في مقدمة طويلة تصل إلى حدود العشرين صفحة، المهمة التي يأخذها الكتاب على عاتقه، من خلال إعادة قراءة الوقائع التاريخية ونقد المفاهيم التي تحولت إلى بديهيات، ويتوقف عند فكرة الاستثناء العربي الذي يحيل مسألة تأخر العالم العربي، أي إخفاقه المستمر في الارتقاء بتنظيماته إلى مستوى المؤسسات الحديثة السياسية والاجتماعية والثقافية، إلى خصائص ذاتية متعلقة بطبيعة الدين أو العصبيات الطائفية أو القبلية وإلى مقاومتها الحداثة وقيمها.

ويرى غليون ضرورة قلب معنى الاستثناء رأساً على عقب، وبدلاً من أن يكون التخلف ثمرة إرادة الشعوب في البقاء على هامش الحداثة أو خارجها، بسبب تعلقهاً بتراثها أو تقاليدها، يصبح مرتبطاً باستثناء الدول الصناعية المركزية، التي تتحكمً في عوامل الحداثة المادية والتقنية والعلمية وصناعة الأيديولوجيا أيضاً، لهذه المجتمعات المتأخرة من التقدم، سواء كان ذلك من أجل احتفاظها بالسيطرة على الأسواق والموارد والمواقع الاستراتيجية، التي تزيد من فرصها في التقدم، أو للحد من خطر ظهور قوى جديدة اقتصادية واستراتيجية منافسة.

يشكل الكتاب محاولة للبحث عن جذور هذه الإعاقة على خطين متقابلينً ومتقاطعين معاً: سياسات الدول الكبرى واستراتيجياتها، وما أدت إليه من استقطاب عالمي بنيوي بين المجتمعات المركزية المتقدمة والمجتمعات الطرفية المتخلفة. وعلى الخط الثاني، يركز على الخيارات السياسية والاستراتيجية للنخب التي سيطرت ولاتزال على السلطة، وأدارت عمليات التنمية وبالأحرى إعاقة التنمية في البلدان المتخلفة. وهذا يعني أن مسألة التقدّم والتخلف ليست مكتوبة في نسيج أي عقيدة أو ديانة، وإنما هي ظاهرة تاريخية مرتبطة بشروط سياسية وجيوسياسية وثقافية واعية وخيارات استراتيجية لقوى مسيطرة. فهي ليست حتمية، وأبدية، وليس هناك ما يمكن أن يحول دون تجاوزها.

ويرى غليون أن الحداثة، بإعادة توزيعها فرص النمو والسيطرة والقرار لمصلحة المركز الأوروبي ثم الغربي، قلَبت تاريخ العالم ومجتمعاته رأسا على عقب. وبمقدار ما ركزت القرار والقوة والعقل والعلم والمعرفة والحياة والسعادة في الغرب حولته إلى قلب العالم، وخلقت حوله الأطراف، أي المجتمعات المتأخرة العاجزة والمتخبطة.
 
ويخلص في المقدمة المكثفة والغنية إلى أن الحداثة ليست نموذجاً جاهزاً، يكفي لتحقيقها السير على منوال ما عرفته المجتمعات الأوروبية في القرنين الماضيين، وتقليدها، بل هي معركة تاريخية يخوضها كل مجتمع لتغيير شروط اندراجه القسري في منظومة الحداثة. وفي هذه الحالة لا يعبر صعود الأصولية الإسلامية في العقود الماضية عن عودة الماضي وبعث أوهامه، كما درج على ترداده معظم الباحثين، بل يمثل بالعكس قطيعة مع التقليد الاسلامي الكلاسيكي، تحول فيها الدين عن هدفه وأصبح يستخدم كرأسمال سياسي في ميدان الصراع الدنيوي الأكثر فجاجة.

النسخه الاكترونية

تحميل

تعريف بالكتاب

.

.