من العقيدة إلى السياسة،نحو حوار مفتوح بين النخب العربية

 

الحوار أو الحرب

كتب هذا النص عام ١٩٩٠ كمساهمة في مؤتمر الحوار القومي الاسلامي الذي عقد في العاصمة الجزئرية قبل أشهر معدودة من انفجار الأزمة الوطنية والحرب التي أعقبتها بين الحكومة والنظام الجزائريين وجبهة الإنقاذ الاسلامية. وقد حضره وشارك فيه أبرز قادة الحركات الاسلامية ورجال دين متنورين ومثقفين ومفكرين تحرريين، في وقت كانت النظم الاستبدادية قد استنفدت اخر أوراقها ولم تعد تملك ذريعة واحدة تبرر بقاءها. وكان إفلاسها مدويا في جميع المعارك التي قادتها، من الاستقلال ألى التنمية إلى التصنيع إلى العدالة الاجتماعية وبناء الحد الادنى من التوافقات الوطنية والاستقرار الاجتماعي. كان الهدف من المؤتمر إطلاق حوار جدي وبناء بين النخب العربية و التيارات الفكرية، الاسلامية وغير الاسلامية، اليسارية والقومية والليبرالية، في سبيل تجنب الصدام الذي كان يلوح في الأفق، ومن أجل التوافق على قواعد عمل سياسية ومعايير أخلاقية تمهد لانتقالات ديمقراطية لم يكن أمام الشعوب العربية خيار آخر غيرها لتفكيك القنبلةً الاجتماعية السياسية قبل انفجارها وتمهيد الجو لتأسيس قواعد عمل وطنية جديدة ودائمة وقطع الطريق على الحرب.                                   

كانت سماء العالم العربي ملبدة بالغيًوم السوداء من أقصى المغرب الى العراق.وكنت متأكدا من ان الإصرار على التمسك بمعايير السلوك الاقصائي والانفرادي التي أخذت تفرض نفسها وتشق المجتمع والنخبة السياسية الفكرية بين قطبين لا يمكن التواصل بينهما بأي شكل، اسلاميين وعلمانيين، سوف يقود لامحالة الى كارثة، ويغلق الطريق على اي أمل بالإصلاح. وكنت أعتقد أن غاية الحوار أن يستبدل الاستقطاب العقائدي والهوياتي السائد، الذي لايمكن ان يكون له اي حل سوى المواجهة الحدية، باستقطاب سياسي يعيد توزيع القوى بشكل مختلف ويفتح بابا للخروج من المواجهة الحتمية، يميز بين جبهتين، جبهة ديمقراطية تضم جميع القوى المؤمنة بالحوار والتعاون لبناء دولة تمثل الشعب وتتفاعل مع تطلعاته ولديها الرؤية والقدرة على تحقيقها، وجبهة القوى المؤيدة للاستبداد والمرتبطة به، دينيا كان أم سياسيا، على أمل أن ينجح هذا الفرز في جذب القسم الأكبر من قوى الاحتجاج الاجتماعي المطالب بالتغيير وأن يجعل هذا التغيير ذا منحى ديمقراطيا يمهد لبناء عقد اجتماعي يضع المباديء وقواعد التنافس الديمقراطي بديلا عن التصفية المتبادلة والانتحار الذي خبرته في مابعد العديد من المجتمعات العربية. وكان الهدف ايضا تشجيع الإسلاميين على تبني خيار الديمقراطية مقابل الحصول على الشرعية والاعتراف كطرف مؤسس أو مشارك في تأسيس عهد الحرية الجديد.

الطبعة الأولى : مركزدراسات المستقبل الإسلامي

الطبعة الثانية : 2017

الناشر : الموقع الرسمي للدكتور برهان غليون

 

تعريف بالكتاب

 

  

 

                         

من العقيدة إلى السياسة