مثقفون سوريون ولبنانيون يعتصمون اليوم في باريس احتجاجاً على الاعتقالات في دمشق

2006-05-23:: المستقبل

يقظان التقي

 

ينفذ المثقفون السوريون واللبنانيون والعرب اعتصاماً أمام معهد العالم العربي في باريس دفاعاً عن ربيع دمشق واستنكاراً لحملة الاعتقالات الموجهة التي ينفذها النظام السوري بحق المثقفين المعارضين الذين كسروا حواجز الخوف، ووقعوا إعلان بيروت ـ دمشق. وتأتي هذه الخطوة، كموقف يقاوم قمع النظام للمعارضة والمثقفين، تثبيتاً لسلطة الرأي الواحد، و"العقل" الواحد، والاستبداد الواحد، بعيداً عن إرادة المجتمع السوري الحي، بشرائحه، وتعدده، وأفكاره، ومنطلقاته، فكأن "زمن سوق الناس كالقطيع أو كالعبيد، تحت ظل الطاعة والامتثال والذل والقمع والقتل والنفي، بدأ ينتهي في انتظار أن يهل "ربيع دمشق" بعد "ربيع بيروت" بتباشير الحرية والديموقراطية.

وفي هذا السياق، ينخرط المفكر السوري برهان غليون، وفايز ملص، في هذه المواقف المضادة لسلطة القمع والاستغلال والبوليس والمخابرات والطوارئ.

 

فايز ملص

الكاتب السوري فايز ملص قال: النظام السوري قلق جداً على ما ستأتي به الأيام وبدأ يمارس لعبة الهروب الى الأمام ويستنفد كل الامكانيات والضغوط تزداد عليه. هذه المرة ما أزعج النظام أن الأصوات بدأت تخرج من دمشق نفسها، والناس بدأوا يكسرون حاجز الخوف الذي كانوا محكومين به، وأعتقد أن النظام يعرف أن سوريا ستزداد مجابهة لعنصر الخوف، والذي لم يعد يخيفها الى الحد الذي يرضي جماعات المخابرات والأمن في حملة اعتقالهم للمثقفين السوريين.

ثم ان الاعتقالات في سوريا هي رسالة موجهة الى الداخل أكثر مما هي موجهة في المجال الدولي.

في المجال الدولي هناك وزير يتكلم عن الشيء ونقيضه خلال نصف ساعة من دون أن يزعجه ذلك. لكن بالنسبة لسوريا بدأ النظام يخاف من الأصوات وخاصة صوت ميشال كيلو الذي ارتكب برأي الأمنيين ذنبين:

أولاً لأنه فتح الباب لقراءة سياسية معمقة لمدينته اللاذقية وأرانا فيها كيف يعيش الناس، وكيف أن هناك مجتمعين منفصلين تماماً في مدينة واحدة، واستنتج الخطر الذي يحيط بسوريا والانفصام الذي يمكن أن تعاني منه.

وثانياً ان ميشال كيلو وأنور البني وآخرين وقعوا على بيان دمشق ـ بيروت، وهو واحد من المحاولات الأخيرة للوصول الى حل سوري ـ لبناني يرضي رغبة اللبنانيين بالاستقلال وهي رغبة مشروعة جداً، من أجل أن يبقى لبنان وسوريا شعباً واحداً وبلداً واحداً في إطار استقلال وسيادة كل بلد. وكل ما عبر عنه المثقفون السوريون التمسك بالديموقراطية وبالمصلحة المشتركة بين السوريين في الحفاظ على أفضل علاقات الود والاحترام مع أشقائهم اللبنانيين، والنتيجة اعتقالات عشوائية لا ندري إذا كان اعتقالهم مؤقتاً أو مدى الحياة.

 

برهان غليون

المفكر السوري برهان غليون وعشية التظاهرة الاعتصام قال بدوره انه ليس في بيان دمشق ـ بيروت أي جديد لا على مستوى السلطة ولا على مستوى المثقفين، وهو يأتي تثبيتاً لبعض المبادئ الرئيسية التي لا يمكن أن يختلف عليها انسان اليوم بعدما حدث في لبنان، وحتى ولو لم يحصل ذلك.

واضح ان السلطة استخدمت هذا البيان ذريعة من أجل توجيه ضربة قاضية للمعارضة السورية التي تقلص حجمها من معارضة سياسية الى معارضة ثقافية. وأصبح المثقفون هم الوحيدون بما يملكون من قدرة على الحركة بحرية بسبب الكتابة في الصحف اللبنانية والعربية والأجنبية على الأنترنت.

المثقفون السوريون تحولوا الى رمز المعارضة وقوتها الرئيسية والسلطة تعتقد أنها تستطيع الآن إذا قضت على هذه النخبة الثقافية النقدية، وهي لا تمثل معارضة بالمعنى المنظم للكلمة أن تعيد المجتمع السوري الى ما كان عليه قبل العام 2000، أي خلال عقد التسعينات، حيث لم يكن هناك أي حركة مطالبة، أو أي تنظيم سياسي أو حتى أي اعتراض على ما كانت تقوم به السلطة واعتادت الأخيرة على هذا الوضع وتعمل فيه من دون شروط، وتحكم فيه من دون شروط ولا تقبل بأقل من خضوع المجتمع ككل من مثقفين ومن سياسيين الى ما يقرره الرئيس أو الحزب الحاكم، أو الرئيس الملهم، أو القائد الفذ.

تريد السلطة في سوريا أن تعود الى هذا الوضع الذي يريحها لا أكثر، خاصة وأنها تتعرض اليوم الى ضغوط، وتتوقع أن تثور العاصفة حولها قريباً، أو تثور عاصفة قوية قريباً وسيكون من الصعب عليها أن تعالجها أو تهرب منها، أو تغطي عليها مع وجود نخبة من المثقفين التقدميين حين يلاحقونها بالكتابة والتحليل، وحين يلاحقون أخطاءها بالتحليل والنقد.

واضح أن النظام السوري يضع نفسه من دون فرض حصار عليه، يضع نفسه في حالة حصار، ويحضر نفسه لحالة حصار، ويعد أدوات المقاومة لهذا الحصار سواء في خارج الحدود السورية، أو داخل الحدود السورية. يعني نحن دخلنا في المنطق الذي دخل فيه النظام العراقي قبل الحرب وقبل التدخل الخارجي أيام التهديد والحصار.

بمعنى أن النظام السوري أدار ظهره الى الحائط، وإما قاتل أو مقتول، وليس أمامه خيار آخر، إما أن يكون القاتل، وإما أن يكون مقتولاً. وأن هذا يبيح له أن يتخذ جميع الاجراءات التي تسمح له بأن يكون هو القاتل وليس المقتول، وهو السجان، بمعنى تحدي كل القوى الأخرى، وهو موقف سياسي غير عقلاني.

لكن النظام السوري حالياً لا يفكر كنظام مسؤول عن إدارة البلاد وتطورها وحماية مصالح الشعب، بقدر ما يتصرف الآن كنظام مهدد وأصحابه مهددون، وعليه أن يستخدم البلاد والشعب والمجتمع والموارد القائمة للدفاع عن هؤلاء الأفراد وحمايتهم وإنقاذهم من مصيرهم وربما كان مصيراً سيئاً.