عن مبادرة جنوب افريقيا الجريئة لوقف الابادة الجماعية في فلسطين

2024-01-11:: مدونة

يشكل دفع جنوب أفريقيا ملف الابادة الجماعية الاسرائيلية الى محكمة العدل الدولية اليوم حدثا تاريخيا سيكون له تأثير بعيد المدى ليس على المسألة الفلسطينية ومصير الشعب الفلسطيني فحسب وانما على مصير الشرق الأوسط والوضع الإقليمي بأكمله مع تفكيك قنبلة الاستثناء الاسرائيلي الذي جعل من حياة المنطقة حربا دائمة ونزاعات ومؤامرات لا تنتهي وحرمتها من اي استقرار او سلام. وفي ما وراء ذلك وتأثير لا يقل أثرا على المنظومة الدولية التي كان لتجنيب اسرائيل اي مساءلة وتحصينها ضد اي محاسبة أو عقاب الدور الأكبر في تعليق حكم القانون الدولي والتساهل مع الانتهاكات الخطيرة في العلاقات الدولية واستسهال استخدام حق النقض من قبل الدول الكبرى وتعطيل مجلس الأمن.  

بالتأكيد لن تستطيع محكمة العدل الدولية معاقبة اسرائيل ولا ادانة من يقف وراءها من الدول التي لا تزال تراهن عليها للحفاظ على مصالح لا شرعية في المنطقة والعالم، وهذه المعاقبة ليست من اختصاصاتها. ما نتوقعه ونطلبه من المحكمة الدولية هو إدانة اسرائيل وإبراز جوهر سياستها العنصرية ووضع حكومات العالم امام مسؤولياتها ايضا ووقف حرب الابادة الجارية واعادة الاعتبار للقانون الدولي الذي فقد اي اعتبار.

وبالتاكيد لن تتخلى الدول الغربية الداعمة لاسرائيل عنها وعن دورها الأساسي في تقويض السلام الاقليمي وابتزاز الدول والحكومات لانتزاع اكثر ما يمكنها انتزاعه من مكاسب لاشرعية. لكن حكومات عديدة أخرى وقطاعات واسعة من الرأي العام العالمي سوف تستيقظ أمام تمادي العنصرية وتنحاز للقانون الدولي ووقف الانتهاكات الخطيرة للحقوق الانسانية. هذه معركة أخلاقية وسياسية لا تقل أهمية من الحروب العسكرية. 

نزع الوضع الاستثنائي الذي جعل من اسرائيل دولة فوق القانون وشجعها على تبني سياسات عنصرية من دون عقاب لن يعالج نزوعها البنيوي للعنف والابادة ضد الفلسطينيين وإنما انزالها من السماء الى الارض وتسهيل محاسبتها كدولة وليس كأسطورة، وإجبارها وحماتها على التراجع عن خياراتهم العدوانية وإعادة الاعتبار للقانون الدولي الذي كانت حماية تمدد الاستيطان الاسرائيلي خلال نصف القرن الماضي احد اكبر الاسباب في تعليقه والتشجيع على خرقه وتعميم قاعدة الكيل بمكيالين ومعها بث الفوضى واشعال النزاعات في مختلف بقاع العالم.