غادر عالمنا أمس رياض الترك احد الرموز الكبرى لنضال السوريين من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية. كرس عمره لمواجهة الاستبداد المتوحش الذي عرفته سورية خلال نصف القرن الماضي من حكم أسرة طاغية. ونحن اذ ننعى غيابه في هذه الظروف القاسية التي تعيشها سورية ورحيله قبل انبلاج فجر الحرية للشعب السوري الذي نذر رياض الترك حياته دفاعا عن حقوقه، نتقدم بأحر التعازي لأهل الفقيد وللشعب السوري الذي أحب رياض الترك كما احبه رياض وافنى حياته في سبيل تقدمه وتحرر ابنائه. وبهذه المناسبة اعيد نشر بعض ما جاء عن سيرته وشخصه في كتاب "عطب الذات، وقائع ثورة لم تكتمل" (2019).
"كان رياض الترك ابن مدينة حمص، وقائد الانشقاق الشهير والجريىء في السبعينيات من القرن الماضي، داخل الحزب الشيوعي السوري المقرب من الاتحاد السوفييتي، ضد زعيمه التاريخي خالد بكداش، صاحب شخصية فريدة تجمع بين التواضع والبساطة الشعبية والصلابة السياسية. وكان رجل مباديء، أفنى حياته في سبيل قضيته، وتبنى، بعد خروجه من السجن الطويل، بالرغم من شيوعيته، قضية الديمقراطية، او بالأحرى أطروحة إسقاط النظام الطاغية بأي ثمن. وكان عدا عن ذلك رجلا شجاعا لا يخشى شيئا، ولا يهاب المغامرة، يعيش جل وقته تحت الأرض، لكنه لا يخاف التحليق في الفضاءات الشاهقة، جاهزا دائما للعراك والسير على حافة الهاوية. رجل رديكالي في دمه، وعدو لا يضاهى لنظام الأسد، الذي أودعه الزنزانة المنفردة سنوات طويلة، من دون محاكمة ولا سؤال. وقد اطلق عليه انصاره اسم مانديلا سورية لما تمتع به من صلابة مبدئية، وما قضاه من سنوات طويلة في السجون السورية.
منذ خروجه من سجنه الطويل عام 1998 رفع رياض الترك سقف المعارضة أعلى ما يمكن عندما اطلق عبارته الشهيرة "مات الديكتاتور" التي وقعت كالهزة الأرضية على نظام اعتاد الناس ان يتحدثوا عنه بصوت منخفض، حتى عندما لا يريدون انتقاده، خوفا من التاويل المغرض لكلامهم. كان ذلك التصريح بمثابة شعار المرحلة، وإشارة إلى إطلاق معركة الحريات العامة"، وهي المعركة التي كانت التمهيد للثورة الشعبية الكبرى لعام 2011 والتي كرس رياض الترك وقته وجهده كاملين لانتصارها.