برهان غليون: أربعون عاماً من الانتاج الثقافي والفكري

2017-03-30 :: رصد سورية

أنس الخطيب

 

أطلق المفكر العربي “برهان غليون” قبل أيام موقعه على الشبكة العنكبوتية والذي يحوي جزءاً مهماً من نتاجه الفكري والثقافي على مدار 40 عاماً، وذلك في الذكرة السنوية السادسة لإنطلاق الثورة السورية ودخولها عامها السابع.
 وقف “غليون” الذي يعد أحد أبرز وجوه المعارضة والثورة السورية ضد النظام الأسد السياسي في سوريا منذ عقود حيث تظهر معارضته للنظام في عدد من المقالات أقدمها على الموقع مقالة بالفرنسية عنوانها “ اللغز السوري” نشرت عام 1974 تبعها مقال بعنوان “تدمير سورية: الأسد يقوم بالمهمة” نشرت عام ١٩٨٠ في مجلة “سؤال” التي كان يصدرها القيادي الجزائري في جبهة التحرير “محمد حربي”.

ويعرض الموقع الكتب والمقالات والدراسات والمقابلات المرئية والمكتوبة والأفكار والمواقف للدكتور “غليون” بأسلوب عرض سهل البحث وشيق للمتابعة والملاحظ في أعماله النظرية أنه جمع بين نقد الثقافة ونقد السياسة ونقد المجتمع ونقد العولمة ونظام الهيمنة الدولية.
 ومن الواضح أن “غليون” طمح في تلك الأعمال إلى وضع أسس منهج نقد اجتماعي تاريخي يساهم في إعادة طرح الأسئلة وصوغ الإشكاليات ومعالجة المشاكل الكبرى التي تواجهها المجتمعات النامية، والعربية منها بشكل خاص، منذ بداية القرن الماضي.
كما يجدد رؤيتنا للعديد من المسائل التي شغلت باحثي عصره حول حقيقة التحولات الجارية في هذه المجتمعات.
 فبخلاف ما كان سائدا من طروحات تربط مصير المجتمعات بماهية ثقافية ثابتة أو بنظم وتقاليد جامدة، وتنظر إليها كما لو كانت عوالم منفصلة عن بعضها، وركز “غليون” في تحليلاته للواقع العربي على ثلاثة عوامل:
 الأول: أنه لا توجد مجتمعات تعيش في حلقة مغلقة معزولة عن غيرها وقائمة بذاتها، تتحرك خارج نظام من العلاقات والتبادلات والتفاعلات الاقليمية والعالمية،
 والثاني: أن المجتمعات لا تعيش في تواريخ منفصلة ومتوازية وإنما تتفاعل فيما بينها في إطار زمني يزداد تشابكا وانصهارا باضطراد. ولهذا السبب لا توجد مجتمعات ساكنة وجامدة لا تتغير أو تعيد إنتاج نفسها ونظمها الثقافية والسياسية والاجتماعية وتبقى حبيستها إلى الأبد، وإنما، بالعكس، تشكل تطلعات الجماعات والشعوب إلى اللحاق بركب الحضارة القائمة، والاندراج بالعصر وتمثل قيمه، المنبع العميق لإرادة التحرر والانعتاق بمقدار ما تعزز الشعور بالسيطرة على المصير لدى الأفراد والجماعات.
 والثالث: أن هذا التفاعل الثقافي والتاريخي معا، سلبا وايجابا، بين المجتمعات والجماعات، والتداخل بين الأزمنة الخاصة والزمان العالمي، يشكل محور تاريخ الانسانية، والمدخل لفهم وحدة الحضارة وتقارب تطلعات الإنسان ووحدتها والنزوع الانساني الدائم، فيما وراء الحروب والنزاعات والكوارث، إلى التضامن والوحدة.
 ولا تنفصل مسيرة “غليون” السياسية عن هذه المسيرة العلمية. وقد بدأ منذ السبعينيات بالانخراط إلى جانب حركات المقاومة الفلسطينية، وبمشاركته في النشاطات الفكرية والسياسية ضد الديكتاتورية الدموية التي اكتسحت العالم العربي، وبسبب ذلك صدر ضده ورفاقه عام ١٩٧٥ حكم غيابي بالسجن، وسحبت السلطات السورية جواز سفره.
واضطر إلى طلب اللجوء السياسي في فرنسا، ومنها تابع نشاطه السياسي وساهم عام ١٩٨٣٣ مع مثقفين واكاديميين عرب في تأسيس “المنظمة العربية لحقوق الانسان ” التي اتخذت من القاهرة مقرا لها.  كما ساهم في تنشيط منتديات ربيع دمشق الذي انطلق بداية عام ٢٠٠١ وشارك في تشكيل تجمع إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي، عام ٢٠٠٥، الذي هدف إلى تأسيس جبهة واسعة لقوى المعارضة الديمقراطية السورية.
ولد “برهان غليون” في حمص سورية في ٣ أيار/مايو ١٩٤٥٥ وتلقى فيها دراساته الابتدائية والاعدادية ثم انتقل إلى دمشق، لمتابعة دراساته في دار المعلمين وبعدها في جامعة دمشق، التي تخرج منها عام ١٩٦٩ بإجازة في الفلسفة والعلوم الاجتماعية ودبلوم في التربية العامة.
 وانتقل إلى فرنسا منذ نهاية العام ذاته لمتابعة دراساته العليا، وحصل على شهادة دكتوراه الحلقة الثالثة في علم الاجتماع السياسي ١٩٧٤ من جامعة باريس الثامنة على رسالة حول الدولة والصراع الطبقي في سورية ١٩٤٥-١٩٧٠، تحت إشراف نيكوس بولانتزاس.
وبعد محاولة فاشلة للتدريس في جامعة دمشق ١٩٧٤٤، عاد إلى باريس لإعداد دكتوراه الدولة في الفلسفة والعلوم الانسانية التي حصل عليها عام ١٩٨٢ عن رسالة حول أزمة الحداثة في المجتمعات العربية بعنوان : خطاب التقدم خطاب السلطة، فكرة الحداثة في الفكر العربي الحديث، تحت إشراف فرنسوا شاتليه.
 وخلال إعداده دكتوراه الدولة عمل في جامعة الجزائر كأستاذ محاضر في معهد العلوم الاجتماعية في العاصمة الجزائرية قبل أن يعود للاستقرار في باريس منذ عام ١٩٧٨، حيث عمل مستشارا في المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو، وتعاون مع العديد من مراكز البحث العالمية والعربية.
في عام ١٩٩٠٠ بدأ مسيرته الجامعية كمدرس ومدير للأبحاث في جامعة السوربون الجديدة، ثم شغل كرسي استاذ الاجتماع السياسي في الجامعة نفسها منذ عام ١٩٩٦ كما أدار مركز دراسات الشرق المعاصر التابع لها. وخلال مسيرته الجامعية شارك برهان غليون في الكثير من المؤتمرات العلمية وحلقات النقاش والندوات الفكرية والثقافية، في العالم العربي والعالم، ونشر العديد من المؤلفات والأبحاث والدراسات والكتب والمقالات الصحفية باللغة العربية واللغات الاجنبية، كما أشرف على العشرات من الرسائل الجامعية، وهو الآن بصدد تحرير كتابه القادم عن الثورة السورية الذي ينتظره قراؤه بفارغ الصبر.