يجمع هذا الكتاب بين أبحاث متعددة، يربط بينها موضوع واحد: مراجعة الوعي العربي نفسه في ميدان محدد هو ميدان الفكر والثقافة. ولكن نقد الفكر، كما يظهر من خلال هذه الأبحاث، لا يشكل إلا لحظة من لحظات النقد الاجتماعي ولا يتحقق إلا به.
تحاول هذه الأبحاث الكشف من جهة أولى عن بعض مبادرات إطلاق ديناميات التحرر التي قادها مفكرون كبار، كما ترصد من جهة ثانية بعض مظاهر الاستلاب الروحي والفكري التي أدى إليها فشل الاصلاح، وانتهت إلى إفراز العديد من الرضوض والانقسامات في الوعي والواقع معا، ومن الثنائيات التي تميز بنية الفكر العربي الشعبي والمثقف. وهي تكشف عن نهاية حقبة طويلة من الصراع الفكري، بما استندت إليه من تسويات وتوازنات ومفاهيم ومسبقات وأوهام أيضا، وما عملت عليه من مشاريع. وتحاول أن تسلط الضوء على بعض المآزق التي قادت إليها خطط التحرر هذه والتي عملت على إخفاقها.
وعي هذه المآزق وإدراك الانسدادات التي واجهتها مسيرة التحرر الفكري في العالم العربي، على مستوى الفرد والجماعة معا، هما خطوة لا بد منها لتحرير الطاقات الكامنة وفتح آفاق جديدة وإحياء آمال التقدم والانعتاق. فالتاريخ ليس حتمية عمياء، وإنما هو مجال مفتوح على فعل الوعي والارادة، وبالتالي على الابداع والاكتشاف. وهو مصهر لتبديل الوقائع وإعادة صوغ الأفكار والمفاهيم وتعبيد الطرق الجديدة للانطلاق والتغيير. وتجديد الوعي وشحذ الإرادة يستدعي الايمان بمباديء والتمسك بمثل أخلاقية لا يمكن لأي مبادرة أن تكون جدية ومسؤولة من دون الانطلاق منها والرجوع إليها.