يطرح هذا الكتاب الأسئلة الصعبة التي تؤرق المجتمعات العربية والاسلامية منذ أكثر من قرن، والتي تتعلق بدور الاسلام في مسار التحولات الاجتماعية والسياسية العميقة التي تشهدها هذه المجتمعات منذ أكثر من قرن، وديناميات الصراع والالتقاء بين الدين والدولة، وتعاونهما لبناء مستقبل المسلمين : ما حقيقة وجود أو عدم وجود صورة لنظام حكم سياسي في الإسلام؟ ما طبيعة النزاع القائم بين المفكرين الإسلاميين حول طبيعة أنموذج الحكم السياسي؟ وهل يقضي الإسلام بإتباع نموذج محدد للحكم؟ أيمكن للمسلمين أن يتبعوا أي أنموذج للحكم يعتقدونه الأصلح؟ وكيف عالج النظام الإسلامي مسائل العلاقة بين الدين والدولة، والقيم السياسية والتعددية، والعمل السياسي للمرأة، ووضع غير المسلمين في الدولة الإسلامية، وعلاقة الدولة الإسلامية بالدول الأخرى.
وفي ما وراء ذلك، يسعى هذا الكتاب إلى الكشف عن فرص التفاهم والتعاون وتجاوز النزاع المعطل لمسار التحول العربي والاسلامي بين من يعتقد أن في الإسلام نظاماً سياسياً للحكم، محدداً يتحتم اتباعه، قائماً على أحكام الشريعة الإسلامية، يشمل الدين والدنيا معاً، يضل من خالفه، وبين من يرى الأخذ بأي نموذج للحكم السياسي يعتقد صلاحه من الوجهة العقلية. كما يطمح إلى تحليل أسباب هذا النزاع داخل الفكر الإسلامي نفسه وخارجه، ويشرح مفهوم النظام السياسي. ويبحث في الإسلام ديناً وحضارة، وفي تراث الإسلام السياسي، أي الطابع التاريخي لأدبيات السياسة والدولة، وأصل الأتوقراطية السياسية في الحضارة الإسلامية، وجدلية الصراع السياسي، وحقيقة الخلاف والتوافق بين مباديء الاسلام والمباديء الديمقراطية الحديثة، واحتمالات نشوء ديمقراطية إسلامية كما نشأت من قبل في حضن المسيحية الديمقراطية المسيحية التي حكمت معظم أقطار أوروبا الغربية لعقود طويلة بعد الحرب العالمية الثانية، بالرغم من أن الكنيسة البابوية وقفت بقوة ضد التيارات الديمقراطية والانسانية في البداية، ولا يزال قسم منها متمسك بهذا الموقف أيضا.
وفي سياق البحث عن الطريق السالك لبناء المستقبل، يتناول الكتاب في بعض فصوله الفكر الاسلامي، من زاوية علاقته بالدين والدولة، والقيم الإنسانية والاجتماعية، ومكانة التعددية السياسية فيه، وقضية المرأة ودورها في العمل السياسي والعام، وشمول رسالة الإسلام، ومكانة الوحي والنبوة من التفكير العقلي والعلمي. كما يحث على تجديد النظر في وظيفة الدين في الدولة والمجتمع، وأهمية تحرير الاسلام من تراث الدولة السلطانية والامبرطورية، وإعادة تحرير تراثه السياسي على ضوء مكتسبات العصر والدولة الوطنية الحديثة، كما يبحث في وضع غير المسلمين في الدولة الإسلامية المعاصرة، ومسألة العلاقة بين الدولة الإسلامية والدول غير الإسلامية.
يطرح هذا الكتاب الأسئلة الصعبة التي تؤرق المجتمعات العربية والاسلامية منذ أكثر من قرن، والتي تتعلق بدور الاسلام في مسار التحولات الاجتماعية والسياسية العميقة التي تشهدها هذه المجتمعات منذ أكثر من قرن، وديناميات الصراع والالتقاء بين الدين والدولة، وتعاونهما لبناء مستقبل المسلمين : ما حقيقة وجود أو عدم وجود صورة لنظام حكم سياسي في الإسلام؟ ما طبيعة النزاع القائم بين المفكرين الإسلاميين حول طبيعة أنموذج الحكم السياسي؟ وهل يقضي الإسلام بإتباع نموذج محدد للحكم؟ أيمكن للمسلمين أن يتبعوا أي أنموذج للحكم يعتقدونه الأصلح؟ وكيف عالج النظام الإسلامي مسائل العلاقة بين الدين والدولة، والقيم السياسية والتعددية، والعمل السياسي للمرأة، ووضع غير المسلمين في الدولة الإسلامية، وعلاقة الدولة الإسلامية بالدول الأخرى.
وفي ما وراء ذلك، يسعى هذا الكتاب إلى الكشف عن فرص التفاهم والتعاون وتجاوز النزاع المعطل لمسار التحول العربي والاسلامي بين من يعتقد أن في الإسلام نظاماً سياسياً للحكم، محدداً يتحتم اتباعه، قائماً على أحكام الشريعة الإسلامية، يشمل الدين والدنيا معاً، يضل من خالفه، وبين من يرى الأخذ بأي نموذج للحكم السياسي يعتقد صلاحه من الوجهة العقلية. كما يطمح إلى تحليل أسباب هذا النزاع داخل الفكر الإسلامي نفسه وخارجه، ويشرح مفهوم النظام السياسي. ويبحث في الإسلام ديناً وحضارة، وفي تراث الإسلام السياسي، أي الطابع التاريخي لأدبيات السياسة والدولة، وأصل الأتوقراطية السياسية في الحضارة الإسلامية، وجدلية الصراع السياسي، وحقيقة الخلاف والتوافق بين مباديء الاسلام والمباديء الديمقراطية الحديثة، واحتمالات نشوء ديمقراطية إسلامية كما نشأت من قبل في حضن المسيحية الديمقراطية المسيحية التي حكمت معظم أقطار أوروبا الغربية لعقود طويلة بعد الحرب العالمية الثانية، بالرغم من أن الكنيسة البابوية وقفت بقوة ضد التيارات الديمقراطية والانسانية في البداية، ولا يزال قسم منها متمسك بهذا الموقف أيضا.
وفي سياق البحث عن الطريق السالك لبناء المستقبل، يتناول الكتاب في بعض فصوله الفكر الاسلامي، من زاوية علاقته بالدين والدولة، والقيم الإنسانية والاجتماعية، ومكانة التعددية السياسية فيه، وقضية المرأة ودورها في العمل السياسي والعام، وشمول رسالة الإسلام، ومكانة الوحي والنبوة من التفكير العقلي والعلمي. كما يحث على تجديد النظر في وظيفة الدين في الدولة والمجتمع، وأهمية تحرير الاسلام من تراث الدولة السلطانية والامبرطورية، وإعادة تحرير تراثه السياسي على ضوء مكتسبات العصر والدولة الوطنية الحديثة، كما يبحث في وضع غير المسلمين في الدولة الإسلامية المعاصرة، ومسألة العلاقة بين الدولة الإسلامية والدول غير الإسلامية.
تعليق على كتاب النظام السياسي في الاسلام لرضوان زيادة
الدولة في الفكر الإسلامي الدولة الإسلامية.. حقيقة شرعية أم وهم؟
د. رضوان زيادة
مع صعود مد حركات الإسلام السياسي الموصوفة بـ"الإحيائية" لدى مناصريها و"الأصولية" لدى منتقديها، برز مصطلح أخذ رواجا منقطع النظير، إنه مفهوم "الدولة الإسلامية". لقد بدا هذا المفهوم للإسلاميين وكأنه يحقق لهم طموحا أو أملا افتقدوه منذ عقود ولا سيما مع إلغاء الخلافة الإسلامية عام 1924م على يد أتاتورك. لقد بقي هذا المفهوم أشبه بالنموذج المثال الذي يُحدد بالسلب أكثر من تحديده بإحداثياته الخاصة؛ فالنظام الاقتصادي في الدولة الإسلامية -على سبيل المثال- لا يعتمد النموذج الاشتراكي في توسيع القطاع العام وسيطرة الدولة على وسائل الإنتاج، ولا هو كالنموذج الرأسمالي في إطلاق حرية اقتصاد السوق وانفتاح الأسواق على بعضها، إنه لا هذا ولا ذاك، إنه نموذج خاص بالدولة الإسلامية، لكننا ما نزال -إلى الآن- نفتقد أسسه وفلسفته التي يقوم عليها.
الحركات الإسلامية مدعوة لإعادة النظر في مفهوم "الدولة الإسلامية"
ومع دخول حركات الإسلام السياسي في خصام أو في دوامة العنف مع معظم الأنظمة السياسية في العالم العربي، أو في دخولها في إطار التعددية الحزبية القائمة في بعض الأقطار مثل الأردن والمغرب وغيرهما، بدا أن هذه الحركات مدعوة لإعادة النظر في الكثير من مفاهيمها التي بنت عليها خطابها، وأسُّ هذه المفاهيم هو مفهوم "الدولة الإسلامية" الذي حاول الكثير من المفكرين والمثقفين العرب النظر إليه وفق تاريخيته الزمنية وأصوله المرجعية.
لذلك يحاول برهان غليون في حواره مع محمد سليم العوا حول "النظام السياسي في الإسلام" أن يميز بين ما يسمى بالنظام السياسي في الإسلام ومفهوم "الدولة الإسلامية"؛ فالنظام السياسي يشير إلى مجموعة القواعد والمبادئ والأهداف التي تحدد نمط ممارسة السلطة العامة في المجتمع، سلطة الحكم، أي أسلوب استثمار الموارد المادية والمعنوية التي ينطوي عليها حقل سياسي معين. أما مصطلح الدولة الإسلامية فإنه مصطلح مبتدعٌ حيث يعبر عن تأثر الفكر الإسلامي المعاصر الشديد بالفكر القومي الحديث السائد، ذلك أن هذا الفكر هو الذي يُعطي للدولة هذه الأهمية الاستثنائية والخاصة التي تجعل منها المعبود الحقيقي للمجتمع؛ لأنه يُطابق فيها بين هوية هذا المجتمع وقيمه ونظامه وغاياته، وهكذا فلم تكن للدولة في الإسلام الأول قيمة إيجابية، ولم يكن لها في الإسلام التاريخي نفسه القيمة التي نميل إلى إعطائها لها اليوم، والتي جاءت بالضبط من السعي إلى التقليل من أهمية الدين، بل تهميشه وخلق بديل عنه.
ولذلك فالصراع اليوم بين الحركات الإسلامية وأعدائها ليس على تعيين حقيقة الإسلام أو على معرفة جوهر رسالته، وإنما يرتبط نزاعهم النظري بالصراع على السلطة الذي يتمحور حول مسألتين رئيسيتين هما: تداول السلطة وعلاقة الدولة ومؤسساتها بالمجتمع.
فالحركات الإسلامية تجد في الدين مصدرا مقابلا لشرعية فرض التداول على السلطة، وإزاحة النخب الحاكمة عن مواقعها، وبنفس الوقت فإن مرجعية الدين ودوره في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية يشكل أيضا مصدر خلاف حقيقيا بين أنصار الحركات الإسلامية والأحزاب السياسية المنافسة لها.
لكن وبالرغم من الأصول الشرعية والفقهية التي تبني الحركات الإسلامية عليها خطابها، فإن ذلك لا يمنع من نشوء حركة إسلامية ديمقراطية بالمعنى العميق للكلمة كما يرى غليون؛ إذ من شأن هذه الحركة أن تعكس هموم قطاع كبير من الرأي العام العربي الحريص على القيم الدينية، والمتمسك بها، وتعمل مع الحركات الاجتماعية والسياسية الأخرى على أسس ديمقراطية في التوصل إلى الحلول المطلوبة، لإقامة نظام مجتمعي يضمن المساواة والعدالة، والحريات الفردية لجميع المواطنين.
وإذا كان الكثير من الباحثين يعتقدون بأن الديمقراطية ينبغي أن تكتفي بمصدر الشرعية الشعبية وتنأى بنفسها عن أي علاقة مع الدين، فإن غليون يرى العكس؛ فمحاولات دمقرطة الفكر السياسي الإسلامي يمكن أن تمنح المساعي القائمة لتعزيز فرص التحول الديمقراطي في البلاد العربية: مشروعية إضافية تُساهم في تدعيمها.
فغليون إذن يرفض مفهوم الدولة الإسلامية لاعتبارين: الأول هو عدم مشروعيتها داخل الإسلام كدين، والثاني: أنها شكل من أشكال الدولة الدينية التي تجاوزها الجميع باتجاه الدولة الديمقراطية التي تكفل قيام الحق والقانون، وترسخ مبدأ المواطنية كأساس للتعامل بين الجميع.
وما يمنع العرب من إنجاز دولتهم الديمقراطية، ليس طبيعة التراث الفكري الديني أو العقلي في الحضارة الإسلامية، وإنما يتعلق الأمر بقوانين عمل الديناميكيات الجيوتاريخية السياسية والاقتصادية، ولا سيما إجهاض الثورة الصناعية ومحركها التراكم الرأسمالي في العالم العربي.
نموذج الدولة الإسلامية ليس فيه نص قرآني صريح لا يحتمل في تأويله الاختلاف، ولا نص سنة صحيح الورود قطعي الدلالة.
أما محمد سليم العوا فإنه يقرُّ بداية بأن نموذج الدولة الإسلامية ليس فيه نص قرآني صريح لا يحتمل في تأويله الاختلاف، ولا نص سنة صحيح الورود قطعي الدلالة؛ ولذلك فإن لعلماء المسلمين أن يجتهدوا في شأن هذه الدولة في كل عصر بما يحقق مصلحتهم في عصرهم، ولا يغلق الباب أمام من يأتي بعدهم ليجتهد كما اجتهدوا.
والدولة لدى العوا مرادفة لكلمة الشريعة، التي أثبتتها نصوص صريحة قطعية الورود والدلالة، وأكثرها ظني فيهما أو في أحدهما، وعليه فيكون الفقه المبني على النوعين معا هو الاجتهاد البشري في فهم النصوص القرآنية والنبوية.
لكن قبول العوا هنا لمصطلح "الدولة الإسلامية"، ثم بناء نصه عليه، عبر اجتهاده في قبول التعددية الحزبية وتشريعه لوضع غير المسلمين في الدولة الإسلامية وغير ذلك يدلنا على أن مصطلح "الدولة الإسلامية" ليس قائما بذاته معينا ومحدد المعالم والقسمات، إذ يمكن -وفقا لذلك- قبول البرلمان، عندها تكون الدولة الإسلامية أشبه بالنظام التداولي، وهكذا يحتفظ العوا بالتسمية لكنه ينفتح باتجاه قبول كل الاجتهادات، بيد أنه من الأفضل له بداية أن مصطلح الدولة الإسلامية ليس تعبديا، وإنما النظام الذي يدعو إليه الإسلام وفق نصوصه المقاصدية يهدف إلى تحقيق المثل أو الغايات العليا وعلى رأسها العمل، ولذلك على المسلمين أن يتوسلوا بأي نظام يحقق هذه المثل، وعندها لن تكون هذه الدولة إسلامية بالمعنى الذي يطلق على الدولة الدينية أو الثيوقراطية، وإنما دولة مدنية تحترم الإسلام في قوانينها وتشريعاتها وتحقق مثله وأهدافه العليا في مبادئها وأطرها العامة.
ويبدو النقد ذاته منطبقا على مفهوم العوا عن التعددية الحزبية؛ إذ يعتبر أنه "لا تثريب اليوم على دولة إسلامية إن هي سمحت بتعدد الأحزاب. وأنها يجوز لها، بل يجب عليها، أن تشترط على هذه الأحزاب الالتزام بقيم الإسلام وأحكامه، ثم تدعها بعد ذلك وما تدعو إليه من برامج سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها".
يبدو عندها مفهوم التعددية ملغيا تماما، ولا يصح إلا على شبيهنا، كما يقول لسان حال العوا، وهذه الحال أشبه بالنظم الشمولية التي تدعي التعددية الحزبية لكنها تربط هذه التعددية بالأحزاب التي تماثلها فكرا وسياسة وعقيدة، وعندها تكون التعددية أشبه بشهادة الزور منها إلى التعددية الحقيقية؛ لذلك يبدو مفهوم التعددية بمثابة المحك الرئيسي الذي يكشف مدى قبول الدولة الإسلامية بالآخر، والاعتراف بالاختلاف المتساوي مع جميع الفرقاء.