صنم المقاومة
2013-06-10:: المدن
10/06/2013
عندما كان الصحافيون يسألونني وأنا رئيس للمجلس الوطني عن موقفنا من حزب الله، كنت اجيب انه ليس لدى الثورة السورية أي أجندة، لا في لبنان ولا في ايران ولا في أي بلد آخر. أجندتنا الوحيدة هي التخلص من نظام هدر حقوق السوريين جميعا، وعاملهم خلال نصف قرن كسلطة احتلال وحرمهم من أي شعور بالمواطنة أو الانتماء، ونحن نريد أن نبقى أصدقاء للجميع وعلى مسافة واحدة من الجميع.
وفي ردي على سؤال "وول ستريت جورنال" الشهير كيف سيكون موقفنا من حزب الله بعد انتصار الثورة قلت إن حزب الله بعد انتصار الثورة لن يكون كما كان قبل الثورة، أي أنني واثق من أنه سيتكيف بسرعة مع الوضع الجديد ويتعاون مع الحكم الديمقراطي ليحفظ مصالحه ووجوده. وفي أكثر من صحيفة كنت أقول إن أي حكم سوري قادم لن يسمح بالتضحية بقوة عربية مقاتلة في الوقت الذي لا تزال أراضينا محتلة من قبل إسرائيل وحقوق الفلسطينيين مهدورة. وكما هو معروف تم تزوير هذا الجواب بالكامل من قبل إعلام الحزب والنظام وفسر على أنه تهديد بقطع السلاح عنه، وواضح اليوم السبب في هذا الهوس والخوف .
حزب الله هذا الذي لم نلفظ كلمة واحدة سلبية بحقه خلال عامين كاملين، وهو لم يوفر وسيلة إعلامية تشوه صورة الثورة وتدعم النظام الجائر، والذي لم يكن ليوجد أصلا، بالرغم من كل الدعم الايراني، لولا سورية، لم يعد لديه منذ سنتين أجندة أخرى، لا في إسرائيل ولا في لبنان، سوى القتال في سورية. فهو يرى في ثورة شعبها من أجل الحرية، كما يقول نائب أمينه العام، تهديدا لظهره، ولا يهمه قتل أبنائها وتدمير بنيانها والتضحية بشعبها إذا كان ذلك ثمنا لحماية هذا الظهر الذي يسميه المقاومة، بل إن هذا القتل يصبح واجبا جهاديا مقدسا. لاقيمة لسورية ولا دور، وطنا وشعبا، سوى حماية ظهر المقاومة، التي هي متجسدة حصرا في حزب الله، الذي هو قبس من نور الولي الفقيه السابق واللاحق والمنتظر.
بعد ان أباح لنفسه استملاك تراث المسلمين في سورية، ملكا حصريا، من مقام السيدة زينب إلى مقام كل من ينتمي إلى أهل البيت أو صحابتهم، ليبرر انخراطه في القتال إلى جانب الاسد،كما لو أن المسلمين السنة أعداء لأهل البيت، هاهو حزب الله يحول المقاومة إلى صنم إسمه حزب الله، ويطلب من الجميع عبادته إلى الابد، على مثال بيت الأسد. بصرف النظر عن أفعاله وصفاته. يستطيع الحزب أن يقاتل إلى جانب اسرائيل ويدافع عن أكبر نظام حمى اسرائيل، باعتراف الاسرائيليين أنفسهم، وأن يدمر البلد الوحيد القادر على أن يقف في وجه اسرائيل، ثم يستمر بالمطالبة بحقه في احتكار ريع المقاومة واسمها، وبجعلها ماركة مسجلة له ولايران الخمينية وأتباعها من بعدها.
لسوء حظ الحزب وقادته أن شعار الثورة السورية المجيدة وهدفها، وهو تحطيم الأصنام، هو أيضا جوهر الاسلام الذي قضى على عبودية الولاء والانتماء ليؤسس لدين الايمان والعدل والمساواة والمبادىء السامية التي تتجلى، من دون أقنعة، في ضمير كل فرد، وتصله بمصدر كل مبدأ ومعنى، دون وسيط من بشر أو حجر.
ومع ذلك، وبالرغم من كل ما حصل، نكرر أن ليس للسوريين الثائرين على جور الاسد وزبانيته وأزلامه وأنصاره، داخل سورية وخارجها، أي أجندة خارجية، ولا مصلحة لهم باستهداف أحد، لا دولة ولا شعبا ولا طائفة، ما لم يتدخل هو نفسه في شؤونهم ويعلن مشاركته في معركة إخضاعهم وتطويعهم لنظام الرق والعبودية الهالك.
إن ما يحصل من تجنيد لشبان عرب في العراق ولبنان ومناطق أخرى للحرب ضد شعب عربي قرر أن يتخلص من نظام العبودية، وتحت رايات وشعارات مذهبية، ليس مسألة بسيطة ولا تخص سورية وحدها. إنه يشكل منعطفا خطيرا في تطور المنطقة واتجاه سيرها وتحولها، لا أحد يستطيع أن يتنبأ بعواقبه.
وأن يقبل شباب عرب عاشوا تجربة الكفاح العربي المشترك ضد الاستعمار والنفوذ الأجنبي، واختلط دمهم بدم أخوتهم العرب والفلسطينيين، في أن يعملوا لصالح أجندات أجنبية، هذا يعني أننا أمام اكتساح كامل لتراث الوطنية العربية، بل لتراث الحداثة السياسية العربية كلها، منذ أكثر من قرن، وعودة نحو عقلية القرون الوسطى التي لا تعرف حدودوا سياسية سوى الحدود المذهبية والدينية والطائفية.
إنه تحطيم لكل آمال العرب بالخروج من إرث الماضي السلبي والدخول، جماعات وأفرادا، في عصر الحرية والعدالة والمساواة وحكم القانون، وفي ما وراء ذلك عصر احترام الفرد والاعتراف بالآخر وتثمين قيم العمل والكفاءة والابداع والمسؤولية التي لا أوطان ولا شعوب من دونها.
https://www.almodon.com/opinion/2013/6/10/%D8%B5%D9%86%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%85%D8%A9