حذار من الجري وراء سراب أوسلو جديدة
2013-02-06:: الحوار المتمدّن،
أثارت مبادرة رئيس الائتلاف السوري حول استعداد المعارضة للحوار مع النظام للتوصل إلى حل سياسي يوقف شلال الدم حماس العديد من الأوساط، داخل المعارضة والرأي العام السوري، وفي وسط الدول المعنية بالقضية السورية معا، وإن لم يكن للأسباب ذاتها. فالذي دفع السوريين هو الأمل باحتمال وقف جدار النار المتواصل الذي يواجه به النظام الشعب الذي يعتقد أنه تآمر عليه مع الدول الأجنبية وإسرائيل منذ سنتين متواليتين، أو على الأقل الحصول على تهدئة تسمح بالتقاط الانفاس وتدبير شؤون الأسر التي فقدت أبناءها ومساكنها وموارد رزقها وشردت في أكثر من مكان. أما بالنسبة للدول المختلفة، بما فيها الصديقة، فقد جاءت بادرة حوار المعارضة السورية مع النظام كمنقذ لها من الأحراج الاخلاقي والقانوي والسياسي والعاطفي الذي يضعها فيه استمرار القتل المنظم اليومي لعشرات المدنيين السوريين من دون أن تحرك ساكنا، مع أنها لاتكف عن تأكيدها على ضرورة تنحي الأسد وتصويتها على قرارات دولية تؤكد صراحة مسؤولية النظام الرئيسية في العنف القائم وتطالبه.
من فضائل إطلاق هذه المبادرة أنها حركت المياة الراكدة وأعادت إلى الصفحات الأولى القضية السورية بعد أن كانت قد تراجعت إلى المركز الثاني والثالث، وعززت موقع الائتلاف لدى الدول التي كانت تخشىى تصلب المجلس الوطني، كما أنها أحرجت النظام وأنصاره وأصدقائه الروس الذين طالما رددوا أنهم ليسوا متمسكين بالأسد ولكنهم مع حوار سوري سوري من دون تدخل أجنبي.
في هذه الحدود تبقى المبادرة مفيدة. لكنها يمكن أن تفتح أبوابا غير سارة إذا حملت أكثر مما تحتمل وتحولت إلى مبادرة تقوم على الحوار بين المعارضة والنظام ، بشكل مباشر ومن دون الاستناد إلى أي مرجعية سياسية أو قانونية. وأكثر ما يخيف في الاستمرار في تسويقها من قبل وسائل الإعلام والدول الصديقة وغير الصديقة، الراغبة في التخلي عن مسؤولياتها تجاه حماية الشعب السوري وحقوقه، هو أن تتحول من حوار مع النظام على رحيله كما هو معلن اليوم، وهو ما يستبعد أن يتحقق مع معرفتنا بطبيعة النظام السوري ونوايا أصحابه ونوازعهم الأكثر من شريرة، إلى حوار للمعارضة مع النظام حول ما يسمونه مخرجا من الأزمة، أي في الواقع حول تسوية بين المعارضة والنظام ، لا يمكن إلا أن تكون على حساب الثورة ومن أجل إجهاضها. وسيكون هذا هو الاحتمال الأكبر إذا جرت هذه المفاوضات من دون وسيط دولي ولا مرجعية قانونية ولا ضمانات دولية كتلك التي تقدمها قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة التي صدرت جميعها للتشديد على نهاية النظام وتأكيد حقوق السوريين التي لا تناقش في وقف المجازر والانتقال نحو حكومة ديمقراطية مدنية تعددية منتخبة.
ينبغي من أجل ان نوقف مخاطر الانزلاق السريع إلى ما يشبه خيار أوسلو الفلسطيني الذي لم يستطع الفلسطينيون حتى الآن أن يتخلصوا من عواقبه أن نعيد الكرة إلى مسارها الطبيعي إذا كنا نريد بالفعل جس امكانية المفاوضات. والمسار الطبيعي هو الشرعية الدولية وقراراتها التي تنص على وقف العنف فورا وسحب الأسلحة الثقيلة من المدن وإعادة القوات العسكرية لثكناتها والإفراج عن المعتقلين والتحقيق في جرائم القتل اليومية قبل بدء حوار وطني وتشكيل حكومة انتقالية تحضر لنقل البلاد إلى نظام ديمقراطي يسمح للشعب أن يقرر مصيره فيه بحرية. وهذا يعني أن علينا، بعد أن حركنا الأجواء لصالحنا وأحرجنا الخصم، ينبغي أن نعود بالحوار إذا كانت هناك فرصة حقيقية للحوار، وهي معدومة حتى الآن، إلى أرضيته الطبيعية، وأن ندخله مسلحين أولا بقرارات الشرعية الدولية وبدعم الدول العربية والصديقة وضماناتها. ولا مصلحة لنا أبدا في الدخول في حوار مباشر مع النظام. مفاوضاتنا ينبغي أن تكون أولا من خلال الأطر الدولية وبوجود الدول العربية والصديقة وراءنا ودعمها لنا. وثانيا اعتمادا على مرجعية واضحة هي قرارات الشرعية الدولية وآخرها جنيف مع تعديلاته المطلوبة للتاكد من صيانة حقوق الشعب الأساسية. وثالثا العودة بأسرع وقت إلى نقاش خطواتنا جميعا في حضن الإئتلاف لإنضاج الموقف وتوحيد الصفوف ورصها من جديد، والتشاور مع قواتنا المقاتلة وتطمينهم على خطواتنا، ومع أشقائنا الآخرين في المعارضة، ممن لم يضمهم الإئتلاف أيضا.
وهذا يعني أنه لم يعد من المفيد الاستمرار في التركيز على مبادرة فردية ومحاورة شخصية ومباشرة عبر وسائل الإعلام أو غيرها، وإلا سنجد أنفسنا وحيدين أمام نظام مارق احترف المماطلة والكذب والرياء وكسب الوقت، وربما تعرضنا، إذا لم نكن على مستوى المسؤولية، للعواقب ذاتها التي تعرضت لها الحركة الوطنية الفلسطينية من انقسامات داخلية وتفتت للموقف الوطني وإحباط، نتيجة التخلي عن الإطار القانوني والسياسي الشرعي للمفاوضات المؤطرة عربيا ودوليا تحت إغراء الدروب المتعرجة والصعبة للمسارات السرية والشخصية التي عبر عنها خيار أوسلو السيء الحظ، والذي دفعت إليه الدول التي كانت تعتبر نفسها صديقة للفلسطينيين أيضا، لكن رافضة لمساعدتهم، ومتحمسة إلى أن ترمي مسؤولية وأعباء تعثر الوصول إلى الدولة الفلسطينية الموعودة، على الشعب الفلسطيني وحده.
نعم للمبادرات السياسية التكتيكية، على شرط أن لا تنقلب إلى مسارات جانبية استراتيجية تهدد وحدة العمل الوطني وتؤخر تحقيق الأهداف المنشودة، في الوقت الذي تعتقد فيه أنها تكسب الوقت. احراج الخصوم نعم، لكن الاصرار وتقديم التنازلات لتجاوز الفشل وكسب المزيد من تأييد الدول الفارغ، مع أمل إبليس بالجنة أن تكون هناك نتائج فعلية لمثل هذه المناورات أو المبادرات، لن يكون سوى جري وراء سراب حلول سياسية ليس لها أي أساس في الواقع. فلن يقبل النظام بالرحيل وقادته بالخروج ما لم يشعروا أن قذائف المقاتلين الثوار على بعد قوسين أو أدنى منهم. هذه هي الحقيقة التي ينبغي أن تبقى راسخة في ذهننا في مواجهة هذا النظام. وإذا بقيت فليس هناك خوف من أي مبادرة تكتيكية، شخصية أو جمعية.