كان انعقاد الهيئة العامة للائتلاف الوطني الذي يمثل التحالف الأوسع للمعارضة السورية، في اسطنبول الأسبوع الجاري، مناسبةً لاستعراض انتقاداتٍ، لا تعكس الشعور بضعف أداء المعارضة في صفوف الرأي العام، أو في نظر المقاتلين، أو أَنصارهم من العرب، فحسب. وإنما العجز الرهيب أمام مواجهة الواقع المأساوي الذي يعيشه السوريون في كل الميادين وعلى جميع المستويات: في ميدان الإغاثة الإنسانية التي أصبحت همَّ السوريين الأول، بعد موجات الإبادة الجماعية والتشرد والنزوح في كل الاتجاهات، أَو في ميدان دعم الكتائب المقاتلة بالمال والسلاح والغذاء، أَو تحقيق نتائج واضحة في التوصل إلى حلٍّ للعداون الواقع على الشعب السوري منذ ثلاث سنوات متتالية، لم تتوقف فيها، يوماً، آلة القتل الوحشية الانتقامية، العاملة، ليلاً نهاراً، في جبهات المواجهة العسكرية، وفي السجون التي يُمارس فيها التعذيب حتى الموت على نطاق واسع، وفي المدن والأحياء التي تتعرض للقصف العشوائي، بالبراميل المتفجرة التي لا تهدف إلا إلى قتل أكبر عدد من أبناء سوريا، وترويع مجتمعها، وفرط عقده في كل الاتجاهات. أداء المعارضة السورية مثير للشفقة والاحباط حتى عند أعضائها. ونقد هذا الأداء والتقصير ضروري ولازم، من أجل الدفع في اتجاه كسر العطالة والجمود، وتطويق الأجندات الخاصة، وإعادة تأهيل منظماتها، وتنظيم شؤونها وتفعيلها. لكن كثيراً مما يحمَّل للمعارضة ليس من صنعها، بل يمكن القول، إنها ضحيته أيضا، مثل الشعب الذي تريد أن تمثله. فمن هو القادر على وضع حدٍّ لهذه الاستقالة المطلقة للمجتمع الدولي، ومجلس الأمن، والعالمين العربي والإسلامي، أمام تحدّي آلة القتل والدمار الاستثنائية التي يملكها نظام تربّى وترعرع في حضن الجميع، وكان الطفل المدلل للعالم كله، على حساب الشعب السوري عقوداً طويلة. ومن يستطيع أن يفي بالتزاماته تجاه كارثةٍ على حجم بلد كامل، حصدت أرواح مئات الألوف، ولا تزال ترمي كل يوم في المقابر والمشافي والمنافي وطرق التشرد والنزوح مئات، بل آلاف، المنكوبين الهائمين.
لجميع هؤلاء، الذين تخلوا عن مسؤولياتهم مصلحة في أَن يوجهوا التهمة للمعارضة، ويجعلوا منها كبش فداء يستخدمونه للتكفير عن ذنوبهم، والتغطية على فشلهم وتقصيرهم، وعلى استقالتهم الأخلاقية والسياسية التي تركت السوريين جميعاً، قادة عسكريين، وسياسيين، وقادة مدنيين، ورجال دين، ورجال أعمال، وكتاباً، ومثقفينن وناشطين، وغيرهم، في وضع مستحيل.
لا يبشر مثل هذا النمط من توجيه اللوم على المعارضة، والتي هي ضحية، مثل الشعب السوري كله، لنذالة المؤسسات والمسؤولين الدوليين وتخاذلهم، بتغيير. ولا يفتح أي نافذة جديدة للأمل، لكنه يهددنا بالغرق في مزيد من الضياع والفشل والفوضى. وبدل أَن يدفعنا إلى التفكير في الأسباب الحقيقية لعجزنا، يحرف نظرنا عن الوقائع الفعلية، ويوجهنا نحو الاقتتال في ما بيننا، ويحرمنا، بالتالي، من أي فرصةٍ لبلورة حلول وخيارات جديدة.
سياسة كبش الفداء هي الأبسط والأسهل، والأسوأ أخلاقيا في الوقت نفسه، لأنها بدل أن تضع المسؤولين أمام مسؤولياتهم، ليقوموا بما ينبغي أن يعملوه لإصلاح الأوضاع، تمكّنهم من التهرب منها، ورميها على ضحيةٍ يختارونها، لدفع النظر عنهم، وبأبخس الأثمان.
ما لم نجد الطريق لوقف الجريمة المرتكبة ضد شعب كامل، بتواطؤ العالم كله، وليس هذا في مقدرة المعارضة، أو الائتلاف، وإنما هو في يد من يملك القرار الدولي، والقدرة على لي ذراع القاتل أو كسرها، فلن نستطيع الخروج من المحنة، وسنجد أنفسنا، كل يومٍ، أمام الحاجة لتقديم كبش فداء جديدٍ، لرمي مسؤولية فشلنا، أو عجزنا، عليه.