الهوية الوطنية ضحية العنف وعبادة الشخصية
27.06.2022 :: العربي الجديد
حاولتُ أن أبيّن في المقالة السابقة كيف أن غياب الوطنية السورية لا يكمن، كما جرى القول عند أكثر الباحثين الكسالى، في فسيفساء المجتمع السوري وتنوع نسيجه، والذي لا يشبه إلا كثيرا ما هو قائم في جميع البلدان من دون استثناء، وإنما في الخيارات السياسية والاجتماعية والاستراتيجية للنخب التي احتلت مواقع السلطة، وفي نوعية المصالح التي بلورتها، والتحالفات التي ارتكزت عليها من أجل البقاء والاستمرار، وفي الأفكار أو الاعتقادات التي وجّهت ممارستها، بما في ذلك أسلوب توظيفها التعدّدية الثقافية والإثنية. هكذا كان إجهاض الوطنية السورية الشرط الضروري لصعود الأسدية، بوصفها سلطة مطلقة خارجية وقائمة فوق المجتمع وقاهرة له، تختلط فيها عناصر البونابرتية كما أشار بعضهم، أو السلطانية، أو الفاشية، أو القبلية أيضا. وجوهر هذه الاستراتيجية انتزاع ملكية الدولة من أصحابها والقضاء على استقلال المجتمع وكل ما يساعد على انسجامه وتفاعله وتواصل أفراده. ولا نحتاج لإدراك ذلك إلى أن نرجع بعيدا في تاريخ أجدادنا وثقافاتنا وأخلاقنا الأهلية، ولا إلى فحص ضمير طوائفنا وقومياتنا وقبائلنا. يكفي أن ننظر إلى ما شهده السوريون خلال نصف القرن الماضي، وما تأسّست عليه نظمهم وحياتهم الجماعية، وما شكّل وعيهم ووسم علاقاتهم فيما بينهم أفرادا وجماعات، وعلاقاتهم الفردية والجمعية مع الدولة أو السلطة السياسية، وأن نتأمل في طبيعة هذه الدولة ونوعية مؤسّساتها، والتحالفات التي اعتمدت عليها في بقائها، الداخلية والدولية، وإلى الثقافة التي نشرتها وعمّمتها، وسلوك رجالاتها من النخب السياسية والثقافية في تدبير الشؤون العمومية، والدور الذي أوكلته لأجهزتها العسكرية والأمنية في تنظيم الحياة الاجتماعية وضبط سلوك الأفراد وتقييد حقوقهم وحرياتهم الطبيعية. 1 - من السياسة الى دين عبادة الشخصية ولد نظام الأسد من انقلاب عسكري ختم سلسلة طويلة من الانقلابات التي ...