حول المثقفين والديمقراطية وفشل الثورات العربية

2017-03-26 :: الدستور المصري

حوار حنان عقيل

 

- انطلاقًا مما قلته من قبل في كتابك "الوعي الذاتي" بأنه لا يمكن لممارسة جديدة أن تنشأ اليوم مالم تستوعب دروس الماضي. يعيش الفكر العربي منذ عدة عقود في صراع مع أيدولوجيات تشكل خطوطًا متوازية لا يكتب لها اللقاء، ما بين العلمانية والأصولية والاشتراكية وغيره، ما الذي جنته الدول العربية على مدار تاريخها من هذا التنافر الفكري؟ ثم كيف ننظر الآن لكل تلك الأيدولوجيات المتصارعة؟

- هذا التنافر هو جزء من الصراع الفكري والايديولوجي الذي هو جزء من الصراع الاجتماعي والسياسي. وأقصد أن هذا واقع تاريخي تكون عبر حقب طويلة ولعبت في تكوينه عوامل كثيرة أيضا، وأهمها الأزمة التي تعيشها المجتمعات العربية منذ نهاية عصر الهيمنة العثمانية والسلطانية عموما وبزوغ شمس الحداثة وما اطلقته من أفكار ونمته من قيم تحررية، بالمقارنة مع الاستقرار الفكري والسياسي الطويل الذي واكب نشوء الامبرطوريات التقليدية. وهو شكل من أشكال الفوضى الفكرية والسياسية التي نعيشها. وتغييره يستدعي فهمه، حتى تخرج النخب بخلاصة وقيم ومعايير وأفكار مشتركة ومناهج واضحة للتعامل مع الاختلافات وإدارتها في مناخ من السلام والقبول المتبادل.

 

-إن كثيراً من القيادات الفكرية تدعو للدوران في فلك الغرب كسبيل للتقدم والنجاة. هل ترى من ضرورة للتخلص من تلك الفكرة؟ وما السبيل في ظل الأوضاع البائسة للعالم العربي والسعي نحو التغريب كسبيل للنجاة؟

- كنا مستلبين للغرب بمقدار ما كنا نفتقر لتجربة عميقة ذاتية وكانت افكارنا التحررية مرتبطة بالفعل بالتجربة الغربية ومحيلة دائما إليها. ثورات الربيع العربي أخرجتنا من هذه الاشكالية. الصراع من أجل الحرية لم يعد ثقافة غربية، لقد أصبح حقيقة عربية. والوصول إلى نظام الحرية هو اليوم التحدي الأكبر للنخب المثقفة والسياسية في مجتمعاتنا، سواء حققت ثورات الربيع العربي بعض أهدافها أو فشلت فيها في الجولة الأولى من هذه المعركة التاريخية.

 

-بعد ست سنوات من الربيع العربي ومع وجود الأسئلة الفكرية ذاتها على الساحة العربية.. هل ترى أن الحل لا زال كامنًا في الكفاح من أجل الحرية؟ وما هي سبله الراهنة؟ وإلى أي مدى ساهم غياب الأيدولوجية الفكرية في تعثر هذه الثورات عن تحقيق أهدافها؟

-نحن اليوم في مناخ وسياق مختلفين تماما. الشعوب نفسها رمت بنفسها في المعركة من اجل الحرية والخلاص من الاستلابات الفكرية والسياسية. ونحن جميعا اليوم منخرطين فيها، بعضنا مع الشعب وبعضنا ضده من أجل مصالح خاصة احتكارية. وما ساهم في تعثر الثورات الديمقراطية ليس غياب الايديولوجية الفكرية ولكن مصالح النخب الحاكمة والسائدة. هناك نخب تريد الحرية لها وحدها، وترفض ان تفتح النظام على الجمهور الواسع ، اما لأنها لا تثق به أو لأنها تستهين بحقوقه ومقدراته.

 

-هل تعتقد بأن هناك ضرورة راهنة لتجديد الفكر القومي العربي؟ وما هي أبرز المسائل التي يحتاج هذا الفكر لتجديدها؟

- نحن "نوصي" على تجديد الفكر كما نوصي على طبق "فلافل "في مطعم. الفكر يتجدد في الصراع الفكري والاجتماعي، تتبلور المفاهيم وتتنقح وتنضج الاشكاليات وتتحدد المناهج وتتعرف المجتمعات على الاهداف والغايات أو توحدها. فالتجديد جار منذ عقود، وهو الذي انتج الثورات، لكن لا يستطيع أن يلحظ ذلك إ لا المشاركين في المعارك الفكرية والسياسية. من يعيش خارج الصراع لا يرى إلا ثباتا وجمودا دائما.

 

-في كتابه "صراع الحضارات" يؤكد المفكر الأميركي صمويل هنتجون أن الإرهاب نتج عن حروب بين المسلمين قد تتطور إلى صدام كبير للحضارات بين الإسلام والغرب، أو بين الإسلام وبقية العالم.. إلى أى مدى تعتقد بأن هذا الطرح يُمثِل الواقع الراهن؟ وهل تتوقع مثل هذا الصدام خصوصا مع تصاعد موجات الإسلاموفبيا.

-لا علاقة للاسلاموفوبيا بصراع الحضارات. االخوف من الأجنبي والعنصرية كانا موجودين في اكثر المجتمعات حتى لا نقول كلها، وفي كل العصور. الذي اختلف في مجتمعاتنا هو اننا اصبحنا نفكر بشكل أوسع، ونرى المجتمعات في ضوء ثقافة أو حضارة إنسانية واحدة، ونرفض في أخلاقنا مفاهيم العنصرية والتمييز بين البشر لأننا نتبنى لا شعوريا عقيدة المساواة والمشاركة في انسانية واحدة. ولا توجد اليوم قوى منظمة يمكن ان تجمع أبناء حضارة واحدة، ولم يعد أبناء اي حضارة أو ثقافة يعيشون بشكل واحد وفي إطار ثقافي وجيوسياسي وسياسي واحد. العالم أعقد من ذلك بكثير. داخل الدوائر الحضارية توجيد ثقافات ومجتمعات وشعوب متميزة ومنظمة بصورة مستقلة ومتعددة، وتعيش نزاعات سياسية وفكرية وقومية داخلها وفي ما بينها تؤثر في مصير الدول أكثر مما تفعله مشاعر انتمائها للاسلام أو المسيحية، التي تحولت بالفعل انتماءات رمزية. الحسابات الاقتصادية والجيوسياسية والاستراتيجية هي اليوم بالنسبة لجميع الدول والمجتمعات ذات الأثر الأكبر في حسابات الحرب والسلام.

 

-يطرح بوبي س سيد في كتابه "الخوف الأصولي: المركزية الأوروبية وبروز الإسلام" أسئلة عن الخطاب الإسلامي الذي يعاني من الجمود راهنًا وهل يستقي تراجعه من مؤثرات النظام الرأسمالي العالمي الذي عزز عقدة الإسلاموفوبيا.. كيف تنظر إلى تلك المسألة؟ وهل تعتقد بأن الأيدولوجيات الإسلامية تستطيع التأسيس لتفكيك الخطاب الغربي؟

- ليتها تستطيع أن تؤسس لنفسها. هي ذاتها في أزمة عميقة وخانقة. ولا أدري ما المقصود بالخطاب الاسلامي؟ هناك عشرات الخطابات الاسلامية، والمسلمون لم يكونوا في أي وقت سابق متباعدين في التفكير كما هم اليوم. وهذا وجه من وجوه الأزمة الحضارية التي لا يزال يعيشها جزء كبير من مجتمعات المسلمين، والعرب بشكل خاص، لكن ليس جميعهم.

 

-كيف يمكن التأسيس لمشروع نهضوي تنويري عربي؟ وما تقييمك لحال الثقافة العربية اليوم، هل يمكن الحديث عن ثقافة عربية مؤسسة في ظل التحولات الكبرى التي فرضتها العولمة؟

- أفنى المثقفون العرب أجيالهم في التأسيس لمشاريع نهضوية تنويرية وغير تنويرية ولم يجنوا أي فائدة من ذلك. التأسيس للتنوير والحرية والنهضة يتم مع الشعب وبه وبالعمل ضمن صفوفه. في الواقع كل ما قام به المثقفون أو أكثر ما قاموا به كان بدافع الاستقلال عن الشعب والخوف منه وبعضهم العداء له والسعي إلى تحييده وتكبيله وكسر إرادته ووضعه في الاقفاص والقيود. هذا هو اصل المشكلة الفكرية والثقافية العربية. مثقفون مخصيون لأنهم مقطوعين عن شعوبهم ولا قاعدة حقيقية لهم، يحلمون بجنة موعودة تأتي من خارج الشعب والمجتمع وعلى أنقاضهما. النتيجة هي مجتمع معادي للنخب وللثقافة وبعضه للحياة نفسها.

 

-ما توقعاتك للسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط في عهد ترامب؟ كيف سيتغير الموقف الأميركي من فصائل الإسلام السياسي؟ وكيف تنظر إلى تلك المواقف مقارنة بموقف أوباما ودعمه السابق للإسلام السياسي؟

-لا أعرف ولا أعتقد أن أحدا يعرف بعد ما هي أو ما ستكون عليه سياسة الإدارة الترامبية، وربما لا يزال ترامب نفسه يبحث عن هويته السياسية. إنما لا شك أنها ستكون في جزء مهم منها رد فعل على سياسة اوباما، أي أكثر قومية واكثر عدوانية وأكثر عنصرية وأكثر رجعية وتقلبا من سياسة سلفه.

 

-إلى أي مدى تعتقد بأن الصبغة الطائفية صارت محركة لأزمات المنطقة العربية؟ وكيف يمكن التغلب على ذلك؟

-لا أعتقد ذلك. الطائفية أداة من أدوات الصراع السياسي وبشكل خاص الجيوسياسي في المنطقة اليوم، وليست محركه. المحرك هي مصالح دنيوية محضة. طهران فجرت الصراع السني الشيعي لتستفيد من تعبئة الأقليات الشيعية العربية وتحويلها إلى مقاتلين في خدمة مشروعها الامبرطوري التوسعي في المشرق. طائفية السنة، في هذه المعركة القائمة، دفاعية محضة. وليست دوافع الحركات السلفية الجهادية المتطرفة بالأساس طائفية ولكنها سياسية وقومية مقنعة : العداء للغرب وللولايات المتحدة بشكل خاص. واكثر فأكثر ستصبح معادية لروسيا أيضا بعد تدخلها في قمع التطلعات العربية.

 

- متى يمكن التأسيس لديمقراطية حقيقية في العالم العربي في ظل استبداد سياسي وآخر ديني ملازمان للعرب؟

- لم يبدأ العد بعد لولادة الديمقراطية العربية. يبدأ العد في اللحظة التي تستلم السلطة فيها نخب تعترف بالشعب وتعتبره أمانة في رقبتها وتعتبر ان واجبها هو خدمته وتطوير شروط حياة الفرد وتحسين وضع البلاد. نحن لا نزال بعيدين جدا عن هذا. لا تزال النخب تتصرف كما لو كان عدوها الأول هو الشعب لأن ثقافته ليست نسخة طبق الأصل لثقافتها وقيمها واعتباراتها، العلمانية تعتبره متدينا أكثر من اللزوم، والاسلامية تعتبره فاسد الدين يحتاج إلى أسلمة وتأهيل ديني جديد.

 

-هل تعتقد بأن الخليج في مأمن من تداعيات تفاقم أزمات المنطقة؟ وما هي التداعيات الحالية والمستقبلية للصراع الخليجي (السعودي تحديدًا) الإيراني على المنطقة؟

-لا أحد في مأمن من الأزمة، لان نظمنا العربية جميعها تسبح في ازماتها. الفرق بين أزمة متفجرة وأزمة تنتظر. والصراع في المنطقة ليس سعوديا ايرانيا، كما يوحي السؤال، ولكنه صراع ايران الخامنئية، أي ذات النزعة الامبرطورية والتوسعية، ضد العرب، في سورية والعراق ولبنان واليمن والسعودية والخليج عموما. وإذا لم نفهم حقيقة الصراع هذا لن نستطيع أن نرد عليه. السعودية كبقية عرب المشرق في موقف دفاعي وضعيف أيضا لا في منطق هجومي وتوسعي. التوسعية هي سياسة ايران لا العرب.ولا توجد أي ميليشيا عربية في اراضي ايران، ولا حتى في الاراضي العربية التي تتعرض للهجوم الاستراتيجي الهمجي الخامنئي.

 

-كيف تنظر إلى تنامي ظاهرة الجماعات المتطرفة ومنها داعش، ما العوامل التي دفعت ببزوغها وتمددها؟ وما السبيل نحو التخلص منها برأيك؟

- داعش والتطرف والارهاب في العالم العربي وغير العربي هو رد فعل خاطيء على السياسات الخاطئة التي اتبعتها الدول العربية ولكن، بشكل أكبر، السياسات الغربية والولايات المتحدة، ثم الآن الروسية التي لاتخفي عداءها للاسلام كدين. وجوهر خطئها هو سياسة الغش والخداع التي اتبعها الغرب وقلدتها نخبنا العربية، تجاه الشعوب العربية، وتجنيدهم في معاركها ولخدمة مصالحها ثم رميهم للكلاب. وهذا ما حصل منذ بداية القرن الماضي عندما دفع العرب للثورة على الامبرطورية العثمانية مقابل السماح لهم بتأسيس مملكة عربية تضم عموم الناطقين بالعربية في آسيا، قبل أن تنقلب الوعود إلى خناجر لتقسيم المملكة التي ولدت ميتة وتقطيع أوصالها لإرضاء الحركة الصهيونية وبعض الأسر المالكة العربية. وهذا ما لا يزال يحصل من دون خجل ولا تأنيب ضمير إلى الآن. وهو ما حصل تجاه الشباب العرب الذين توجوا "المجاهدين" وقامت المخابرات المركزية الامريكية بتدريبهم وتنظيمهم وتسليحهم لحربها في أفغانستان قبل أن تطلب من حكومات دولهم بعد انتهاء مهمتهم قتلهم أو رميهم في السجون حتى الممات. أسوأ ما جاءت به السياسات الاستعمارية وما بعد الاستعمارية الغربية هو الخداع والتلاعب بمصير الشعوب والجماعات. الخديعة تولد الانتقام. وليس للحركات والمنظمات الارهابية سوى هدف واحد هو الانتقام. ولذلك لا تتوجه هذه الحركات نحو الصين وأفريقيا وآسيا، بالرغم من اختلافها في الدين، ولكن نحو الدول التي استخدمتها لخدمة مصالحها الخاصة وحولتها أو أرادت تحويلها إلى أدوات. ولا يمكن مواجهة التطرف والارهاب اليوم من دون تجفيف المستنقعات التي ينبت فيها، وهذه المستنقعات ليست سوى القهر والاحتقار والذل الذي تعامل به الدول الكبرى المتقدمة الشعوب الفقيرة. المنظمات الارهابية عارض لمرض خطير أكبر هو مرض احتقار الشعوب وتهميشها وتدمير اسس استقرارها وتقويض مستقبلها وإخضاعها لنظم الديكتاتورية والاستبداد الدموية للتمكن من السيطرة عليها. من دون تغيير هذه ا لسياسة لن تقود سياسة إرهاب الارهابيين إلا إلى صب المزيد من الزيت على نار الحقد والكراهية والانتقام الذي تتغذى منه هذه المجموعات.

 

- لننتقل إلى الوضع الراهن في سوريا.. ما هو الدور المرتقب لكل من روسيا وأمريكا في التوصل لحل الأزمة السورية؟ وهل ترى أن روسيا جادة في سبيل التوصل لحل سياسي؟ وهل الحل من منظورها يتماشى مع الحل الذي تريده المعارضة السورية؟

-هما يبحثان عن حل لنزاعهما وتنافسهما في المنطقة، على جثة الشعب السوري، لا عن حل للقضية السورية التي هي قضية واضحة كالشمس : وضع حد لنظام العنف والقتل والمجازر الجماعية المسمى نظام الأسد. ليس في سورية قضية أخرى غيرها. وهذا هو الحل الذي يريده الشعب السوري والمعارضة والذي لا تريده أمريكا ولا روسيا.

 

-كيف تقرأ الموقف الإيراني من الأزمة السورية؟ هل تقبل طهران بالحل السياسي؟ وما طبيعة الحل الذي تريده؟ وما دور الأيدلوجيات في ذلك؟ وهل تخرج طهران خاسرة من المعترك السوري؟

- ايران هي الموقدة الرئيسية للحرب على الشعب السوري، وهي التي حرضت الأسد على استخدام اقصى درجات العنف وضغطت عليه لمنعه من الدخول في أي تسوية. ايران تريد أن تدفع المشرق إلى فوضى عارمة حتى تستطيع أن تتصيد في الماء العكر وتحقق برنامجها التوسعي، وأداتها استخدام الاقليات المذهبية وتشجيع التشيع وبناء مستوطنات تابعة لها في المناطق الاستراتيجية في سورية، على أمل أن تستطيع السيطرة على بلد تفصله عنها آلاف الكيلوميترات عدا الخلافات المذهبية والدعم اللامحدود للديكتاتورية الدموي ةلعائلة الأسد. وسوف تخرج بالتأكيد خاسرة من هذه الحرب بعد أن تكون قد دمرت المشرق بأكمله لصالح اسرائيل وحدها.

 

- ماذا عن الدور التركي في الأزمة السورية؟ هل تتوقع دورا فاعلا لتركيا في تسوية الأزمة خصوصًا مع التحولات في سياستها الخارجية؟ وكيف تقرأ تداعيات وتأثيرات التقارب التركي الروسي وانعكاساته على الأزمة السورية؟

-  لعبت تركيا دورا كبيرا في دعم الشعب السوري، واستقبلت ٣ ملايين لاجيء، وتكلفت بتقديم مختلف الخدمات الضرورية لهم وسمحت لهم بالعمل على اراضيها، وهو ما لم تفعله اي دولة عربية. أما ايران فلم تستقبل لاجئا واحدا وانما ارسلت ميليشياتها بعشرات الألولوف لقتل الشعب السوري. وتواجه تركيا بسبب سياستها هذه تحديات كبيرة اليوم تمس أمنها القومي، وأهمها تحالف النظام السوري مع حزب العمال الكردستاني لزعزعة الاستقرار في تركيا، ودعم الولايات المتحدة لفرع هذا الحزب في سورية لتكوين حاضنة في جنوب تركيا تسمح بتشديد الضغط على أنقره وإخضاعها لحسابات الاستراتيجية الغربية. وهذا هو السبب في التقارب التركي الروسي، لكن روسيا ليست صادقة في أي تحالفات دولية. إنها تريد أيضا أن تستخدم تركيا في الضغط على الغرب. هذه معركة أخرى نشأت على هامش الصراع السوري وعلى سورية.

 

-ماذا عن الدور العربي في الأزمة السورية؟ هل خرجت من المعادلة كلية في المنطقة؟ بم تفسر الغياب عن طاولة اجتماعات الأزمة السورية؟ ومع قرب انعقاد القمة العربية ما المطلوب منها؟

- الدور العربي يليق بالجامعة العربية التي ظهرت خلال الأزمة السورية والعربية عموما على أنها قوقعة فارغة. أما الدول فقد تباينت سياساتها، بين داعم للمعارضة السورية ومحايد ينتظر النتيجة حتى يقرر موقفه، وضالع في السعي للقضاء على الثورة.

 

-ما هي توقعاتك للجولة القادمة في جنيف بعد إدراج "الانتقال السياسي" كملف رئيسي؟ وما هي تصوراتك لما بعد تلك المرحلة حال فشلها؟

- لاشيء. طبخة حصى. هي محاولة لتسكين الم السوريين بانتظار أن تتفاهم الدول المتنازعة على تقسيم مناطق النفوذ وتوزيع المصالح والحصص في سورية المحتلة والمحطمة.

 

-كيف تقيّم أداء المعارضة السورية "السياسية والمسلحة" وهل هي بحاجة لمراجعة آلياتها وأدواتها

- لا توجد في النظم الدموية معارضات إلا في زنازين السجون وفي الأقبية المغلقة تحت الأرض. وليس لهذه النظم برنامجا سياسيا آخر سوى قتل المعارضة وتصفيتها وسحقها حتى لا يبقى من يسألها عما تفعل أو يحرض الشعب عليها. هذه كانت حالة السوريين. وما ظهر كأنه معارضة بعد الثورة لم يكن سوى لفيف من المثقفين والفنانين والطلبة والأطباء والمحامين تحمسوا للثورة وحاولوا أن يدعموها، من دون ان يحلموا بقيادتها، لكنهم يفتقرون للخبرة، وقبل ذلك، للانسجام الذي لا ينجم إلا عن تجربة مشتركة طويلة. لا تولد ممارسة حية وفاعلة إلا عبر تجربة حقيقية معاشة. وتجربة المعارضة السورية الوحيدة كانت في سجن تدمر وصدنايا وغيرهما من السجون التي لا تحصى، والتي اكتشفت المنظمات الانسانية اخيرا ان الاسم الصحيح الذي ينطبق على عملها هو المسالخ البشرية، ومضمون هذه التجربة هو مقاومة الموت وتحمل التعذيب الوحشي وسلخ انسانية الانسان لا الممارسة السياسية من اي نوع.

لكن ليس المهم في الثورة السورية المعارضة ولكن الشعب الثائر الذي قدم ابناءه للموت دفاعا عن حقه في العيش بكرامة، من دون تهديد يومي بالاعتقال والموت تحت التعذيب، ومن دون تمييز وتحقير وإذلال في كل مؤسسات الدولة ولأي معاملة. وقد عوضت روح الفداء والتضحية التي أظهرها الشعب ضعف المعارضة ونقص خبرتها، وكادت ان تسقط النظام في السنة الأولى وتقوض أركان جيشه العرمرم، وتفت في عضد اجهزته الاستخباراتية. لم ينقذه إلا تدخل الدول التي كان وجوده أكبر خدمة لمصالحها، وعلى رأسها ايران الطامعة إلى مد سيطرتها حتى المتوسط باسم الهلال الأخضر أو الشيعي لتصبح قوة إقليمية معتبرة ودولية مهابة، واسرائيل التي حققت حلمها بحدود آمنة مع سورية لم تعكرها طلقة واحدة لنصف قرن، بالرغم من ضم الجولان المحتل وإلحاقه بها وروسيا التي تريد ان تنتقم لنفسها وتستعيد كرامتها التي أطاحتها العقوبات الغربية.

في سورية لم تكن المعارضة موجودة إلا رمزيا قبل ٢٠١١. إنها تولد اليوم في الثورة وعلى هامشها. وهي تواجه قبل أن تولد تحديات لا حدود لها : تصفية الاستبداد الدموي والقاتل، وتطهير البلاد من الميليشيات الأجنبية والمحلية، وإعادة بناء الدولة ومؤسساتها التي تحولت إلى إقطاعات شخصية لعصابات الشبيحة، وتحرير البلاد من الاحتلالات والوصايات الأجنبية. وهي تحديات تبرز دفعة واحدة، في الوقت الذي يتراجع فيه الموقف الدولي ويصيب الشلل الجسد السياسي العربي الهزيل، بينما تبدو مئات ملايين العرب ضائعة من دون إرادة ولا قيادة ولا اتجاه.

في سورية دفنت الديمقراطية العربية ومنها سيكون بعثها

 

 

 

 

 

الرابط

http://www.dostor.org/1345563#.WNY-4T58GAA.google_plusone_share