لا أحد يشك في كذب النظام

:: face book

 

في موازاة التصعيد العسكري الذي خطط له، بدعم من ايران وروسيا، يخوض نظام الاسد حملة إعلامية كبيرة لإعطاء الانطباع بأن خطاب رئيسه الأخير يعكس تغيرا في ميزان القوى العسكري والسياسي لصالحه. ويعرف السوريون جميعا، بما فيهم جماعة النظام، أن إعلام الأسد يكذب، يكذب في كل شيء، حتى في نشرة الأخبار الجوية كما قال الشاعر السوري الكبير المرحوم ممدوح عدوان بمناسبة حوار السلطة مع المثقفين في الثمانينات. وكذبخ في عصر الثورة يتحول إلى فضيحة عندما يتحول الإعلام بأكمله، إعلام الدولة وإعلام النظام، إلى كذب وافتراء وإلى أداة في الحرب الشاملة التي يشنها على الشعب السوري بأكمله ليغتال مستقبله بعد أن اغتال ماضية لعقود طويلة وقاده إلى الثورة والعنف والدمار.
يكذب نظام الأسد عندما يدعي أن قواته تحرز تقدما على الأرض في الوقت الذي تخسر فيه كل يوم مواقع جديدة بالرغم من نقص العتاد الواضح عند الثوار. وتكذب سلطة الأسد المتهاوية عندما تضع نفسها في صورة السلطة التي تلاحق الثوار وتتعقبهم بينما يقول الواقع إنها هي التي أصبحت منذ فترة طويلة على خط الدفاع، وأن المزيد من مواقعها الرئيسية يسقط كل يوم تحت الحصار، بما في ذلك مطارات ومواقع عسكرية ومستودعات. وتكذب عندما تفسر تقصير الدول الغربية في دعم الثوار على أنه بداية للعودة على قرار التخلي عن الأسد وزبانيته، وأن هذه الدول ربما تكون بصدد تغيير سياستها تجاه النظام القاتل، بعد أن اقتنعت بروايته السخيفة التي تريد أن تجعل من ثورة شعب كامل مؤامرة كونية أو هجمة إرهابية قاعدية تستهدف الاستقرار والأمن في المنطقة.

وتكذب عندما توقع على اتفاقات مع طهران، وهي التي لا تزال ترضع من ثديها منذ شهور، لإعطاء الانطباع بأنها لا تزال سلطة دولة يمكنها أن توقع عقودا واتفاقات ولم تعد معزولة ومنبوذة من كل شعوب الأرض. وتكذب بشكل فاضح وتفتري عندما تقصف مدنها وجامعاتها ومخابزها ومشافيها بالصواريخ والمدفعية والطيران الحربي وتدعي أن المجازر الجماعية القتل المتعمد والتدمير الممنهج كل ذلك من صنع فلول العصابات الارهابية، وصور قصف الأحياء والمدن الأمنة تملأ الدنيا. وتكذب عندما توحي للسوريين بأنها في طريقها لتطبيق برنامج حوار وطني لإخراج البلاد من الأزمة المدمرة التي وضعتها هي فيها، بينما لا يزال القتل والتدمير المنهجيين استراتيجيتها الوحيدة لتقويض شروط حياة الشعب على أمل دفعه إلى التراجع والانقلاب على الثوار، الذين ليسوا في نهاية الأمر سوى ابناء تلك الأحياء والقرى التي تتعرض كل يوم لقذائف الموت والدمار. إنها تكذب في كل ما تقول، تكذب على الشعب، وعلى العالم لتقنعه بعكس الواقع، لكنها تكذب بشكل أكبر على نفسها، أي على الذين حشدتهم وراءها، وتحاول أن تقنعهم بأنها لا تزال قادرة على البقاء والاستمرار وربما المشاركة في عملية الانتقال والاحتفاظ بموقع لها في سورية الديمقراطية الجديدة القادمة حتما.
والواقع، سواء أكانت واعية للكذب الذي تحول عندها إلى سياسة مع غياب أي سياسة غير القهر والعنف، أم غير واعية، لم يعد لهذه السلطة أي مرتكز غير الارهاب، إرهاب الشعب وابتزاز العالم كله بالارهاب والخراب. من ذلك ما أشاعه إعلام النظام من أن الأسد أوصى إذا قتل بأن تنطلق جميع الأسلحة الصاروخية في اتجاه إسرائيل.
الحقيقة أن الأسد وأزلامه لم يعرفوا ولم يطبقوا منذ بداية حكمهم إلى اليوم، وكل مرة بوسائل أقسى واكثر وحشية، سوى سياسة واحدة هي سياسة الاختطاف والرهائن. وحالهم كحال تلك العصابة التي تختطف رهائن وتهدد بقتلهم كلهم أو بعضهم إذا لم تلب مطالبها. ومن يتمعن في خطاب الأسد الأخير يدرك أن مشاعر العظمة والقوة التي عبر عنها كانت نابعة من شعوره بأن سورية وشعبها رهينة في يده، وانه مستعد للقضاء عليهما في أي لحظة يشعر فيها بانهما على وشك الإفلات منه. وهو مستعد أيضا لتهديد أي طرف يمكن أن يمد يده بالعون للرهينة أو حتى أن يتعاطف مع مأساتها ومحنتها. هكذا حكمت هذه الأسرة العاقة سورية والسيف مسلط على رقاب أبنائها. وهذا هو الذي جعل من الاسراف في القتل والتدمير، سياسة منظمة وواعية اليوم، في مواجهة تمرد الرهينة ومحاولتها الافلات من قبضة النظام، وبعد أن أدركت العصابة أنها على طريق النهاية.
هناك من دون شك نقائص كبيرة في مسيرة الثورة والثوار لا بد من سدادها وتصحيحها. وفي مقدمها تنظيم الكتائب العسكرية وإعدادها والارتقاء بأدائها ووضع خطة عسكرية شاملة لتحرير البلاد والقضاء على حكم العصابة القاتلة، وتوحيد الصفوف وحشد جميع القوى وإدارة المناطق المحررة حيث يضمن تطبيق القانون وتأمين الحاجات الضرورية للشعب. ولا شك أيضا أن المجتمع الدولي، والدول التي قدمت نفسها كدول صديقة لم تقم بالجهد المطلوب ولم تلتزم دائما بوعودها.
لكن ليس هناك محيد عن انتصار الشعب، ولا يمكن لحكم العصابة أن يستمر مهما غلى الثمن وعظمت التضحيات وهي منتصرة بإذن الله. وسورية الرهينة لم تعد اليوم كما كانت، مستكينة ومستسلمة. لقد حولتها روح البطولة والفداء التي فجرتها إرادة الحرية إلى قنبلة انفجرت ولا تزال تتفجر في اليد التي تقبض عليها. وبالرغم من العنف الوحشي الذي لا يقارن، والذي لم يعرف التاريخ مثيلا له، حتى أصبح يحق للاسد أن يسجل في التاريخ كأكثر الطفاة دموية عرفته البشرية في الزمن القديم والحديث، فإن عصر اختطاف الشعوب وتحويلها إلى رهائن قد انتهى. وسورية التي حولها القتل والدمار والجريمة إلى خراب تنتظر الإشارة حتى تولد من جديد وتخرج من أنقاضها أكثر قوة وجمالا. أما الأسدية وحكم الإرهاب فهما أيلين لا محالة إلى زوال.