حول ضعف المعارضة

:: face book

 

قلت إن الشعب السوري ليس له حظ لا في الحكم ولا في المعارضة. ولم أرد من ذلك أن اتهم أحدا أو أحاكم أحدا، ولكن أردت أن نفهم أوضاعنا وأن ألفت نظر كل واحد منا أيضا إلى عبوبنا التي كشفتها الأزمة الطاحنة التي نعيشها وضرورة الخروج منها. فما نعرفه من هذه العيوب ليس ابن اليوم.

جزء من هذا الوضع السياسي المفكك يرجع إلى إرث سياسي سلبي . فمنذ الاستقلال كان التنافس والصراع بين أطراف النخبة السياسية سمة بارزة، حتى انتهى الأمر إلى انفراط عقد النخبة السياسية تماما، حكما ومعارضة، وفي إثرها انفراط عقد الجمهورية السورية الأولى عام ١٩٥٨ مما دفع السياسيين والعسكريين السوريين إلى تسليم البلاد هدية خالصة إلى القيادة المصرية في شكل إعلان الوحدة السورية المصرية وتشكيل الجمهورية العربية المتحدة التي لم تصمد طويلا بسبب اختلافات الساسة السوريين أيضا. 
واليوم لا يكاد أحد يعرف للمعارضة السورية رأس من ذنب، لا يوجد لها شكل ولا قوام. أفراد وجماعات متطاحنة على لا شيء، وخطابات رثة مليئة بالتشهير والتحقير والتقزيم المتبادل، من دون سبب، وغياب لأي تفاهم أو برنامج عمل أو رؤية سياسية واضحة ومشتركة توحد من حولها الرأي العام والمجتمع الدولي، كل ذلك بعد سنتين ونيف من عمر ثورة شعبية تكاد تتحول فيها الدماء إلى أنهار في كل المناطق والمدن والقرى السورية. ولا تختلف ردود فعلنا جميعا عن ذلك. فهي مليئة بالانتقادات السلبية والتشهير والاتهام بدل أن نفكر معا وننبه بادب واحترام إلى النواقص والعيوب ونقدم وجهة نظرنا في وسائل معالجتها وتجاوز العيوب المشتركة عندنا جميعا نحن السوريين في ما يتعلق بالعلاقة مع السلطة.
وجزء آخر يرجع إلى تلاعب النظام وأجهزته الامنية والدعائية الضخمة المتمرسة بتسميم العقول وضرب ثقة الناس ببعضها وبث الفتنة والانقسام بين أبناء الشعب الواحد، وشراء الضمائر ووضع الدسائس من دون توقف، 
وجزء ثالث ضعف دفاعاتنا السياسية والنفسية والاجتماعية، كأفراد وكمجتمعع في مواجهة هذا التلاعب والاختراق لفضاءاتنا الإعلامية والسياسية والاجتماعية من قبل السلطة وأجهزتها وكذبها وتلفيقها. فبعضنا يتلقف بسرعة ما تبثه دعاية النظام ويحوله إلى حقيقة يستغلها لفش قهره سواء اتفقت مع العقل والمنطق أم لا، من دون أن يدرك عواقب عمله ومساهمته في تسميم الأجواء بدل العمل على تنقيتها. 
وجزء رابع ناجم عن الاحباط الذي ولده بطء انجاز الثورة وضحالة أداء المؤسسات والقوى التي ربطت نفسها بها، بما فيها من مجالس وطنية وإئتلافات وقوى معارضة منظمة غير قادرة على معالجة مشكلاتها الداخلية ومواجهة الضغوط الخارجية التي تتعرض لها. لقد مل الرأي العام من المؤتمرات التي تعقد لتكوين جبهات وتحالفات تنتهي مع البيان الذي تصدره، كما مل الاستقالات وتجميد العضوية والانسحابات، ومل بشكل أكثر التصريحات التي تظهر الاختلاف والنزاع والعداوة. 
وبالسليقة يدرك الرأي العام أن هذه النزاعات والمناكفات والمماحكات تعنى غياب القيادة السياسية بمقدار ما تعيق العمل على ايجادها. 
وجزء خامس يرجع إلى استراتيجية النظام.. فبمقدار ما راهن هذا النظام في تبنيه خط التصعيد اللامحدود في العنف على أن يحول الثورة من عملية تحرر إلى عملية تدمير للشعب والبلد، راهن أيضا على عمله في تسميم الأجواء السياسية وبث الخلاف والشقاق والتنافس بين صفوف المعارضة، لدفع المعارضة إلى ما يشبه عملية التدمير المتبادل بين مكوناتها وقياداتها، حتى يحرمها من أي أمل في أن تفرض نفسها كقيادة سياسية بديلة. 
النتيجة كلنا مسؤولون وليس المعارضة وحدها التي هي بالفعل جزء من الشعب، وليست قادمة من قارة أخرى. ولن يفيدنا في شيء تعميم أخطاء المعارضة وعيوبها وتحويل روح التنافس والتنازع والتشهير والاتهام والسباب إلى ثقافة عامة لكل فرد .