هدف جنيف٥ ليس إعداد سورية للانضمام إلى الاتحاد الروسي

2017-03-26:: العربي الجديد

 

تبدأ غدا الجمعة ٢٤ آذار ٢٠١٧ أعمال مؤتمر جنيف٥ الذي « اخترع » منذ ست سنوات للبحث عن حل سياسي للحرب السورية التي أعلنها بشار الأسد، الرئيس المفترض للدولة السورية وللسوريين، ردا على الانتفاضة الشعبية التي تحولت إلى ثورة عارمة في مواجهة ما كانت تسميه الدبلوماسية الدولية الاستخدام المفرط للقوة. ولم يكن هذا الاصطلاح يعني سوى إخفاء حقيقة ما يجري بالفعل، وهو عملية سحق كامل للثورة ونشطائها، باستخدام جميع وسائل العنف الممكنة، من الرصاص الحي لردع السوريين  ومنعهم من التظاهر إلى قتل نشطاء الثورة وشبابها تحت التعذيب في أقبية الموت مرورا باستخدام اسلحة الدمار الشامل، الكيميائية وغير الكيميائية.

وتؤكد تصريحات وفد الأسد للمفاوضات التي تشير إلى أنه حتى لو تم الاتفاق على جدول اعمال، وهذا لم يتحقق بالفعل، فإن التفاصيل الكثيرة التي تطرحها أي سلة من سلال دي ميستورا الاربع تحتاج كل منها لجدول أعمال قائم بذاته قبل أن تبدأ، ربما بعد سنوات المفاوضات الفعلية، حول مضمون هذه السلال العجيبة.  لكن مكتوب المفاوضات يتجلى بشكل أكبر من عنوان تصريحات الوزير لافروف الذي تكاد حكومته تنتزع الاعتراف الدولي برعايتها، بمعزل عن الامم المتحدة ومجلس الأمن، لمفاوضات الحل السياسي في سورية. وهي تصريحات تقوض هذه الجولة من المفاوضات قبل أن تبدأ.

ينتقد لافروف المعارضة على هجماتها الأخيرة لأنها تهدد وقف النار الهش، في الوقت الذي لا تزال فيه قواته تقف وراء النظام السوري وتدعمه بكل الوسائل العسكرية في قتاله لانتزاع ما تبقى من أراض تسيطر عليها المعارضة، كما فعل في حلب ووادي بردى والآن في الغوطة الشرقية وغيرها. وهذا ما عبر عنه أيضا قائد الوحدات العسكرية التي تمركزت بالقرب من عفرين، أندريه فولكوف، الذي لم يتردد في التأكيد على أهمية الوجود العسكري المباشر في المنطقة «كي يكون العلم الروسي مرئياً. لأن الحدود التركية قريبة، وكي يفهم الجميع أننا ندعم الحكومة السورية وقواتها المسلحة وأن وجودنا في هذه المنطقة هو لضمان السلام والأمن في المنطقة الحدودية».

لكن ما هو أكثر دلالة من ذلك هو التمهيد الذي يقوم به لافروف بقصف مكثف للمعارضة بكل الوسائل ومن كل الجهات. فهو لا يزال مصرا على  رفض شرعية  «الهيئة العليا للمفاوضات» التي يتهمها ب « احتكار  تمثيل المعارضة» وقيادة المفاوضات إلى «طريق مسدود». ولا يقبل بأن يقتصر الأمر على إشراك مجموعتي موسكو والقاهرة ولكنه يريد مشاركة مجموعتي استانة وحميميم اللتين هما من اختراع موسكو المباشر، بالإضافة إلى ما أسماه إشراك الأكراد، والمقصود طبعا جماعة صالح مسلم الحليفة لايران والنظام معا.

  

يتصرف الروس كقوة انتداب شرعية أو قانونية، ويعتقدون ان من حقهم ان يعيدوا تشكيل سورية على حسب افكارهم ومصالحهم ومصالح حلفائهم وفي مقدمهم اسرائيل. وهم يستفيدون من غض نظر الاطراف الدولية عن سياستهم في المنطقة، بعضها لافتقارها لأي رؤية أو مصلحة في إيجاد مخرج من المحرقة السورية وبعضها الآخر اعتقادا بان روسيا هي الوحيدة التي تستطيع التخفيف من الوجود العسكري الإيراني في سورية. وهذا هو هدف اسرائيل الرئيسي بعد ان انجزت طهران المهمة التي أوكلت اليها بتدمير سورية وتفجير حرب طائفية اقليمية كفيلة باستنزاف المنطقة سياسيا واقتصاديا ودينيا لعقود طويلة قادمة، من دون تمييز بين عرب وايرانيين واتراك وأكراد. وهي لا تخفي أنها تمتلك مخططا لإعادة بناء سورية حسب ما تعتقد أنه الأمثل لضمان نفوذها وسيطرتها ومصالح حلفائها الايرانيين والاسرائيليين معا. ويكاد كل عنصر من هذا المخطط يكون جاهزا. فهي صاغت دستور البلاد سلفا، وفي طريقها لإنشاء الفرق العسكرية الكفيلة بتحويل ميليشيات النظام إلى جيش نظامي، وتريد أن تصوغ علاقات سورية الاقليمية والدولية وسياساتها، وتتحكم بتوزيع مناطق النفوذ على الدول الصديقة، ولا تكف عن التأكيد على تشجيعها لمخطط التقسيم باسم الفدرالية ومناطق الحكم الذاتي التي تريد أن تقدمها هدية لما تسميه بالأقليات التي لم تعلن أي منها عن رغبتها بحكومة ذاتية، بما في ذلك الكرد السوريين الذين ليسوا بالضرورة ولا يمكن أن يختصروا بأتباع لحزب الاتحاد الديمقراطي أو لقوات الحماية الشعبية.

 

على ضوء تصريحات روسيا وانفرادها في التدخل بشكل علني ومكشوف لصالح النظام، لا توجد أي فرصة لتحقيق خرق أو تقدم ولو طفيف في التوصل إلى حل. لا يزال الروس مصرين على أن الحل الصحيح هو ما يرونه هم لا ما يريده الشعب السوري الذي قدم نصف مليون شهيد لنزع نير الاستبداد والفساد وتغيير نظام الحكم الذي قاد إلى الخراب. وهذا الموقف يعلن بحد ذاته عن نتائج المفاوضات. والهدف الوحيد الذي يجب تحديده من قبل المعارضة لهذه الجنيف٥، والذي ستتبعه جنيفات لا حصر لها، هو درء الضرر لا تحقيق مكاسب وانجازات من أي نوع.

فقد أصبح من الواضح الآن ان لدى الروس خطة لاضعاف سورية وتفكيكها بفرض أقاليم ذاتية مرتبطة بالهويات الطائفية  والاتنية، وحاملة لمشروع إعادة بناء العصبيات الأهلية ومن ورائها تشكيل النخب الجديدة على أساس الوجاهات والانتماءات القبلية والعنصرية والمذهبية، وقطع الطريق على أي مشروع لاستعادة مسار بناء المواطنة والوطنية وبسط الأمن والسلام في البلاد. والهدف إبقاء البلاد في نزاعات دائمة وحرمانها من ثقلها النوعي القومي والثقافي والاجتماعي، وتقويض اي أسس لاستعادة سورية عافيتها في المستقبل. بدل لبنان واحدة سوف يتحول المشرق إلى لبنانات كثيرة تتنازعها التناقضات والاختلافات في داخلها وبينها، وهذا ما يطمئن اسرائيل ويضمن الأمن والسلام المديد لها على حساب خراب محيطها ودماره واقتتاله الدائم.

وإذا كان هناك فائدة للمشاركة في مؤتمرات جنيف فهي لن تكون لتحقيق أي تقدم محتمل في الحل  وإنما لتفكيك المؤامرة الروسية ووضع جميع الأطراف امام الحقائق ومواجهة .مشاريعهم والوقوف بحزم ضدها

لا تملك موسكو أي صك انتداب قانوني على سورية، ولا يحق لها أن  تتصرف كدولة منتدبة ذات صلاحيات وواجبات موكلة لها بالقانون الدولي، ولا يحق لها ان تقترح ما يدفاع إلى تغيير الوقائع الوطنية الاساسية للدولة وللمجتمع، لا في بنياته السياسية ونظام حكمه، ولا في بنياته الاجتماعية.  وما تقوم به هو التلاعب بالمفاوضين والمفاوضات والوثائق المرجعية كي تصادر نتائج المفاوضات وتفرض مخططاتها التي لا يمكن أن يكون لها صفة أخرى غير الاستعمارية . ومن واجب الوفد المفاوض باسم المعارضة ان يدافع عن حق السوريين في تقرير مصيرهم بحرية، ويرفض أي استغلال للوضع الصعب الذي يعيشه الشعب السوري للمساس بسيادته وحقوقه الجوهرية. وعليه أن يواجه أي محاولة تهدف إلى المساس بالحقوق الاساسية الدستورية وتغيير البنية الجيوسياسية للدولة السورية .

لاينبغي على وفد المعارضة القبول بالتنازل عن حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه في انتخابات عامة ونزيهة تحت إشراف دولي، ورفض اي محاولة لتقرير مصيره في مفاوضات ينبغي ان يكون هدفها تصفية اثار الحرب العدوانية عليه وليس مكافأة الجناة ومجرمي الحرب وأبطال الإبادة الجماعية. مهمة المفاوضات هي التوصل لاتفاق يضمن إعداد شروط تقرير المصير للشعب. وهذا هو مضمون المرحلة الانتقالية بالضبط. ولذلك لا يمكن وضع دستور في هذه المرحلة، والحلول محل الشعب، وإنما يمكن التفاهم حول وثيقة مباديء دستورية  بانتظار الانتخابات لجمعية تأسيسية. وبالمثل، الشعب السوري هو وحده صاحب الحق في أن يقرر شكل الدولة القادمة ويفاوض من يريد من المكونات على حكم ذاتي او إدارة لامركزية. وهذا لايمنع من تشكيل حكم انتقالي يضم المعارضة وأطراف في النظام، لكن ليس كصيغة ثابتة ونهائية للحكم ، أي كأساس لحكومة المحاصصة الطائفية او الاتنية، ولكن كمدخل لإعداد الشعب ليحكم  نفسه بانتخابات عامة وبغاية الانتقال نحو منظومة حكم ديمقراطية حقيقية. لا يمكن القبول بأقل من ذلك بعد ٦ سنوات من التضحيات وملايين المشردين والمنكوبين.

وأي وعود تقدم من قبل المتفاوضين السوريين، الموالين والمعارضين معا، في جنيف، او اي التزامات يتخذونها، مع أطراف داخلية او خارجية، بهدف فرضها منذ الان كأمر واقع على الشعب هي خيانة لدورهم واعتداء على .سيادة الشعب وحقوقه الاساسية

سورية ليست إحدى جمهوريات الاتحاد الروسي، ولن تكون. وليس لدى الروس صك انتداب قانوني دولي على سورية يخولها أن تتصرف بحقوق السوريين كما تتصرف قوات الانتداب والاحتلال.