هل “داعشنا” مسالم.. و”داعشهم” مجرم؟

2014-07-02:: face book

 

الحسابات الأميركية لما يجري في الأراضي العراقية، تختلف تماما عن الحسابات العربية وتحديدا الخليجية، فالأولى تبحث عن مصالحها، والثانية تنظر إلى إنقاذ العروبة المستباحة لذلك البلد، وعدم انجراره إلى المستنقع ذاته الذي وصل إليه الحال في سورية
مساكين أنتم أيها السوريون؟ فبلادكم لا تتربع على نفط ولا تستقر على غاز.. أعظم ما في أرضكم التاريخ، والتاريخ لا بواكي له في عهد باتت المصلحة ولا شيء غيرها، هي المتحكم بعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان.. 4 سنوات مضت، وحالكم على ما هو عليه.. قتل، تدمير، قصف، تهجير.. لاجئون بالملايين ونازحون بمثل أعدادهم.. قصة لم يشأ لها القدر بعد أن تنتهي.. ويبدو أنها لن تنتهي.
اليوم، الأزمة السورية بكل ما حملته من دمار، وبكل ما أشعلته من نار، تراجعت في عدد من الحسابات الدولية إلى الأزمة رقم 2، بعد التهاب الوضع في أراضي الجارة العراقية، التي تعيش واقعا مماثلا من حيث "المظلومية" من نظام حكم استبدادي، مع اختلاف النظرة الدولية وتحديدا الأميركية لما يجري.. فأميركا التي قدمت العراق على طبق من ذهب للإيرانيين ووكلائهم، لا تريد أن تفقد ميزة الديموقراطية المزعومة التي قدمتها، حفاظا على مصالحها ابتداء، وحفظا لماء وجهها أمام العالم والعرب انتهاء.
بعد المباحثات التي أجراها كل من وزيري خارجية السعودية سعود الفيصل وروسيا "سيرجي لافروف"، يمكن القول بأن هناك توافقا بين الرياض وموسكو على دفع الأزمة السورية نحو الحل على أساس "جنيف1"، والذي من أبرز مبادئه تحقيق انتقال سياسي للسلطة في سورية لا يكون لنظام الحكم الحالي "الأسد" دور فيه. ولكن اللافت فيما خرج منه ذلك الاجتماع التأكيد على تركيز الجهود الحالية لإنقاذ الوضع في العراق.
ومن المعلوم أن الحسابات الأميركية لما يجري في الأراضي العراقية، تختلف تماما عن الحسابات العربية وتحديدا الخليجية، فالأولى تبحث عن مصالحها، والثانية تنظر إلى إنقاذ العروبة المستباحة لذلك البلد، وعدم انجراره إلى المستنقع ذاته الذي وصل إليه الحال في سورية، فالأزمة في بدايتها، ومع قليل من الضغط يمكن أن تأخذ مسارا مختلفا يكون للقوى الدولية والإقليمية والعربية دور أكبر فيها.
الأمر اللافت، فيما يجري في كل من سورية والعراق، أن الولايات المتحدة الأميركية تعاملت وفق سياسة الكيل بمكيالين المعروفة عنها أصلا، في التعامل مع تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش". فالتنظيم موجود في سورية كما هو موجود في العراق، بل إن نشاطه على أراضي الشام يفوق بمراحل نشاطه في بلاد الرافدين، وعلى الرغم من ذلك، تجاهلت واشنطن داعش الشام والتفتت لداعش العراق!!، والسؤال هو: هل داعشهم وحده المجرم وداعشنا مسالم لهذه الدرجة؟
ومما يدلل على هذا الطرح، ما تسرّب من لقاءات وزير الخارجية الأميركي جون كيري الباريسية، بحسب مصادر فرنسية، والتي ذهبت إلى أن الولايات المتحدة حسمت أمرها في مسألة توجيه ضربات عسكرية للحراك المسلح في العراق، وهي لا تميز بين مكوناته المختلفة، ولا تأخذ في عين الاعتبار مطالبه المشروعة، ولذا فإنها تعد الموجود على الأرض اليوم هو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ويأتي ذلك مع العلم أن الولايات المتحدة لم تحاول توجيه ضربة لداعش في سورية، ولا للنظام، كما أنها لم تكتف بعدم حماية المدنيين من قصف النظام، بل منعت حلفاءها من تزويد الثوار السوريين بالسلاح، وهو ما فسره النظام كضوء أخضر له ليفعل ما شاء ضد الشعب السوري في الوقت الذي تزايدت فيه قوة داعش.
غريب هو موقف الولايات المتحدة الأميركية، فهي في الأزمة السورية سبق وأن لوح رئيسها باراك أوباما باللجوء إلى القوة العسكرية في حال استخدم نظام الأسد السلاح الكيماوي.. الكيماوي استخدم لأكثر من 60 مرة.. أوباما لم يحرك ساكنا. وفي هذه الأثناء تهرول واشنطن صوب العراق مهددة باستخدام الطائرات من دون طيار لتوجيه ضربات عسكرية لمن تصفهم بـ"داعش"، وهو ما ترجمته عمليات بتسيير عدة طلعات جوية استخباراتية في الأجواء العراقية خلال الأيام الماضية.
الواقع في كل من سورية والعراق، محزن جدا، فعلى طريق نظيره السوري السيئ الصيت، لا يزال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مصراً على أنه غير مسؤول، وأن العراق بخير، وأن الحق على الآخرين المتآمرين عليه، السعوديين والأتراك والسنة والكرد ومنافسيه من السياسيين الشيعة أيضا، وأن تسديد الحساب الوحيد لهؤلاء الخونة لا يكون إلا بإعمال السيف، وإلقاء مزيد من البراميل المتفجرة على رؤوس السكان الآمنين، وتلقين القاصي والداني درس القتل الجماعي، واستباحة الحرمات والأعراض، حتى يتم ردع المعتدين من العراقيين المرتدين، وكيل الصاع صاعين لحماتهم الحاسدين والناقمين، والاستقواء بالنفير الطائفي وثارات الحسين. سبق وأن كتبت في صفحتي على الفيس بوك، أنه "في ثقافتنا السياسية المرتبطة بعصر مديد من سيطرة أنظمة الاستيلاء والحكم بالإكراه، المحكومون هم المسؤولون عن كل ما يحصل من أخطاء وكوارث. وهم الذين يدفعون الثمن، ولو لم يكن لهم فيها لا ناقة ولا جمل. أما الحاكمون فغير مسؤولين، لأن المسؤولية تعني القبول بالمساءلة تجاه طرف آخر، وهم لا يشعرون بأن عليهم واجباً تجاه محكوميهم، فهم لا يدينون بوجودهم في الحكم لشعوبهم، وإنما لأزلامهم وسيفهم. ولا يمكن لمن فرض نفسه بقوة السلاح أن يقبل تقديم حساب لأحد، أو أن يخضع نفسه لمساءلة ومحاسبة ممن هزمهم بسيفه، وأخضعهم بقوته، فما بالك بأن يعترف أمامهم بأخطائه، ويقبل بدفع ثمنها لهم؟". لقد بلغ الحال بمنطقتنا، حدا مخيفا، حدا يتمنى الشخص فيه أي شخص أن ينام ويستيقظ ليجد كل قطر عربي ينعم بالأمن والأمان، بلا أنظمة استبداد وبلا إرهاب، وحتى يأتي ذلك اليوم نبتهل بأن ينعم الجميع بهذا الرمضان بالسلامة والتآخي، وتعود سورية لأحضان أبنائها الحقيقيين دولة مؤسسات تؤمن بالتعددية وتحتوي كل القوميات.