من أجل انقاذ خيار سورية الديمقراطي

2013-08-22:: الحوار المتمدّن،

 

ما يجري في الشرق الأوسط باسم الربيع العربي هو موجة تغيير عاصفة لم يحصل مثلها منذ نصف قرن.شعوب عديدة لم تعرف منذ قرون طعم الحرية، خرجت إلى الشوارع والساحات بالملايين لتعلن عن نهاية حكم الديكتاتورية والانتقال نحو حكم الديمقراطية وسيادة الشعب والقانون. مثل هذه الفرصة التاريخية لاخراج الشرق الأوسط من دوامة العنف وتطمين شعوبه على مصيرها ومستقبلها، بعد عقود من الحروب والمآسي، وإعدادها للمشاركة الايجابية والفعالة في حضارة عصرنا، نادرة، وربما لن تتكرر.
بالتأكيد، تحرير الشرق الأوسط والعالم العربي من مآزقه المستعصية منذ عقود، ومساعدته على الخروج من الأزمة الطاحنة التي يتخبط فيها منذ سبيعينات من القرن الماضي، ليسا مسؤولية الدول الأجنبية. لكن المجتمع الدولي لا يستطيع أن يتجاهل إلى ما لانهاية المضاعفات الاستراتيجية والانسانية الخطيرة لهذه الأزمة التي لن تقف آثارها عند حدود الشرق الأوسط بالتأكيد.
في القلب من هذه الأزمة وفي بؤرتها يوجد الصراع السوري المستعر منذ سنتين ونصف.
حتى الآن، أكثر من ٨ ملايين إنسان فقدوا منازلهم، وأكرهوا على النزوح أو اللجوء إلى خارج الحدود، إضافة إلى مئة ألف قتيل، ومئات ألوف الجرحى والمعاقين والمختطفين والمفقودين الآخرين. وتقدر المنظمات الانسانية أنه مع استمرار عمليات القصف والدمار والقتل العشوائي من قبل النظام سوف يجد نصف سكان سورية البالغ عددهم ٢٣ مليون نسمة أنفسهم، خلال الأشهر اثثلاث لقادمة، في عداد اللاجئين أو النازحين. وهذه أكبر مأساة عرفتها المعمورة منذ محنة مذابج رواندا في ١٩٩٤ .
في أصل هذا النزاع، رفض الاسد الابن، الذي ورث الحكم عن والده، بعد أربعين عاما من الحكم بقانون الطواريء والأحكام العرفية وتحريم أي نشاطات سياسية أو فكرية حرة، تلبية مطالب الاصلاح والمشاركة وتوسيع هامش الحريات والحقوق الأساسية. واختياره، بالعكس من ذلك، تنظيم عمليات القتل المنهجي للمتظاهرين السلميين، بواسطة قناصة ركبوا اسطح الأبنية العامة. أكثر من ٦٠٠٠ رجل وامرأة وطفل، فقدوا أرواحهم، خلال الأشهر الست الأولى من الاحتجاجات السلمية، من دون ذكر آلاف ضحايا العنف والتعذيب والتشويه الجسدي والمعنوي في أقبية السجون الأسدية الذائعة الصيت.
منذ ذلك الوقت لم يكف نظام الأسد عن تصعيد العنف واللجوء إلى اسلحة أكثر فتكا، بما فيها طائرات سوخوي والصواريخ الباليستية والأسلحة الكيماوية التي يرميها على الأحياء والمدن والقرى المناوئة. ومن أجل تجنب الانهيار والهزيمة، أطلق معتقلي القاعدة من السجن، واستدعى حلفاءه التاريخيين، من منظمات التطرف الاسلامي، من لبنان والعراق وايران،أملا بسد الثغرة التي فتحها انقسام الجيش وتفكك الدولة وخسارة سيطرته على المعابر والحدود.
تقاتل المعارضة الديمقراطية، التي أجبرت على حمل السلاح للدفاع عن نفسها وعن الشعب الذي يتلقى كل يوم آلاف أطنان المتفجرات، في شروط شديدة القسوة، وعلى جبهتين في الوقت نفسه: جبهة النظام الأسدي الذي يراهن على تسعير النزاعات الطائفية والعرقية، ليحرف نظر الرأي العام عن جوهر النزاع، ويجنب نفسه المساءلة والمسؤولية، وجبهة المنظمات المتطرفة التي ترفض الولاء لهيئة أركان الجيش الحر، وتريد أن تفرض على الشعب، باسم الدين والعداء للغرب، ديكتاتورية جديدة لا تقل قسوة عما عاشه السوريون في الخمسين سنة الماضية.
أمام هذه الحرب التي تحصد المزيد من الأرواح كل يوم في الشرق الأوسط، وتهدد بالقضاء على نافذة الأمل الوحيدة التي فتحتها ثورة الشباب العربي للخروج من الأزمة المستفحلة، ومعانقة قيم العصر في الحرية والكرامة ودولة القانون والديمقراطية، لا يمكن للمجتمع الدولي أن يبقى محايدا أو ضحية الشك والحيرة والانتظار. وفي الصراع الدموي الذي يهدد منطقة الشرق الأوسط بالخراب والدمار الشامل ليس من الممكن ربح المعركة ضد الارهاب، إرهاب الدولة وإرهاب المنظمات المتطرفة، بالمراهنة على إحياء نظام القمع الدموي الذي قوض الدولة وتاجر بالارهاب، ولا من باب أولى بترك المنظمات الارهابية تسيطر على المجتمعات المحلية وتخضعها لعسفها الدموي. رهاننا الوحيد وأملنا ينصبان على القوى الديمقراطية التي تواجه اليوم وحيدة، عودة الشمولية والفاشية المجددة التي تجمع بين النظم القمعية الفاسدة، وقوى الهيمنة المنتعشة، من ايران إلى روسيا إلى منظمات الارهاب العالمي.
يجب على الدول الديمقراطية أن تدعم المعارضة الديمقراطية، إذا أرادت أن تعطي حظا أكبر لنجاح الخيار الديمقراطي في الشرق الأوسط وتجنيب المنطقة والعالم خيار الفوضى والقتل الأعمى الذي أصبح البرنامج المشترك للنظم الفاقدة للشرعية ولمنظمات الارهاب التي لا مشروع لها سوى التخريب والانتقام.