في الذكرى ال54 لحرب حزيران 1967: نظام الهزيمة وجيفة الانتصار

2021-06-05:: موقع د.برهان غليون

تمر اليوم الذكرى السنوية لحرب حزيران يونيو 1967 التي تكللت بهزيمة مؤلمة لم ينجح العرب في محو عارها حتى اليوم، بعد اكثر من نصف قرن. وما من شك في ان هذه الهزيمة حطمت الحلم العربي ووضعت حدا لديناميكية النهضة وانطلاق المجتمعات العربية في فضاء المدنية الحديثة، ولأملهم في الخروج النهائي من حقبة الركود والهامشية والسيطرة الاجنبية والاندماج على قدم المساواة مع الشعوب الاخرى في حركة الحضارة الحديثة وتمثل مكتسباتها المادية والأخلاقية. وفي المقابل تحولت الهزيمة التي فتحت مسار الانحدار المتواصل حتى السقوط في الهوة السحيقة التي تعيش فيها شعوب المشرق اليوم، الى كارثة قومية ووطنية وانسانية لا سابق لها. فأصبح المشرق الملتهب ارض الخراب والحروب المعممة والنزاعات الاهلية. وحلت محل آمال الحرية والوطنية والعدالة والمساواة والسيادة مشاعر الخيبة وفقدان الثقة بالذات والياس من الحاضر والمستقبل والاحساس بالغربة عن عالم اليوم وثقافته وحضارته.

لم تكن الحرب ولا الهزيمة التي اعقبتها حتمية ولا مكتوبة بثنايا السياسة الوطنية التي رمز إليها في تلك الفترة جمال عبد الناصر، كما مثلها في عصره العديد من زعماء حركة التحرر الوطني العالمية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. لقد كانت عملية مدبرة من قوى السيطرة الاستعمارية المطبقة على المنطقة وفي مقدمها قاعدتها اللوجستية الرئيسية اسرائيل بالتناغم مع حكم انقلابي اغتصب السلطة في دمشق واعتقد، عن حق، انه الوحيد الذي سيخرج رابحا منها بعد إسقاط عبد الناصر رمز الوطنية العربية الصاعدة وزعيمها. وقد عبر عن هذا الربح بإعلانه انتصاره في هذه الحرب طالما أخفقت تل أبيب في إسقاط النظام "التقدمي" السوري الذي كان هدفها.

في المقابل لم يعرف العرب منذ ذلك الوقت اي نصر او تقدم في اي ميدان من ميادين النهضة السياسية والاقتصادية والحضارية. ولم ينجحوا في تحقيق اي شعار من شعارات حركتهم التحررية الوطنية. ولم تعرف مجتمعات المشرق المعني المباشر بالأمر إلا التراجع والتقهقر إلى ان تحولت معظم انظمة حكمه الى عصابات خاصة تعتبر، مثلها وعلى رأسها نظام الاسد في دمشق، ان بقاءها في الحكم هو الانتصار الوحيد مهما كانت طبيعة الحرب، داخلية أو خارجية، وعدد الضحايا وحجم الدمار الذي يصيب مجتمعاتهم المنكوبة. وآخر مآثر هذه العقيدة السياسية التي بشر بها هذا النظام العصابة هي إعلانه الانتصار المدوي في الحرب ضد المؤامرة الكونية طالما نجح في الاحتفاظ بكرسي حكمه، ولو بقوائم اصطناعية ولقاء القضاء على الدولة والمجتمع والاقتصاد والسيادة والمعاناة اللاإنسانية للسوريين جميعا. 

بمثل هذه العقيدة التي تترجم الهزائم الى انتصارات وترى في الحديث عن الحريات والحقوق العامة مؤامرات كونية تتحول الخيانة الى مهمة وطنية بمقدار ما يتماهى الوطن مع محتليه ويختفي الشعب وراء قاتله. 

عندما يتقدم مصير الحكم على مصير الشعب والدولة والوطن، ويصبح الحاكم الفرد أغلى من الحقوق والحريات والكرامة وحياة المجتمع بأكمله، لا يبقى هناك خيار لقطع حبل الهزائم ووقف مسار الخراب والدمار والموت سوى القضاء على نظام الجريمة الذي يعيش على الهزائم الوطنية ويستدعيها كما يعيش غراب الشؤم على الجيف النافقة. 

لا أمل للشعوب بأي تقدم او نصر ما دامت أوطانهم محتلة من قبل ناهبيها. 

قال الأفوه الأودي 

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا