في الذكرى التاسعة للثورة: كيف نضمن استمرارها

2020-03-15:: موقع د.برهان غليون

 بعد تسع سنوات من انطلاقتها، أكثر ما يخطر لذهني في هذه المناسبة أنه لا ينبغي أن تتحول ذكرى هذه الثورة العظيمة بالفعل إلى مناسبة لتكرار شعاراتها والتأكيد على التمسك بأهدافها الأولى، وفي مقدمها اسقاط نظام العبودية والعمل عليه. فلم يعد لهذا النظام اي مقومات في ذاته، ولم يعد يستحق حتى اسمه، ولا تستحق دعايته السوقية، ولا أقول خطابه لأنه لا يمللك خطابا آخر سوى الإنكار والكذب المكشوف في كل الشؤون، الصغيرة والكبيرة، على السوريين والعالم، وعلى نفسه وأنصاره أيضا، أي رد. وبدل أن يكون بقاؤه في السلطة بعد كل ما فعله بشعبه وبلده علامة قوة أو مجالا للفخر، حتى في أحط اشكاله لؤما وكلبية، أصبح بالعكس وصمة عار على جبين المجتمع الدولي، وبشكل خاص على جبين الأعضاء الخمس الدائمين في مجلس الأمن الذين قبلوا بأن يكونوا متفرجين على أكبر كارثة إنسانية وعلى حرب إبادة جماعية ليس للشعب السوري ووطنه فحسب وإنما للقيم الانسانية ولروح المدنية ذاتها التي خاضت أجيال عديدة حروبا دموية ومعارك فكرية مستمرة في أوروبا الحديثة منذ خمسة قرون لبلوغها.
لن يمكنا أن نستمر في الثورة حتى تحقيق الغايات التي ضحى من أجلها، بأشكال مختلفة ملايين السوريين، بل اغلبهم، من خلال تكرار الأساليب والوسائل والشعارات ذاتها التي وسمت مرحلتها الأولى، بصرف النظر عن الوسائل السلمية والعسكرية أيضا. فنحن في وضع مختلف تماما. الأسد هو اليوم صنيعة الاحتلال المزدوج، الداخلي والخارجي. ومواجهة هذا الاحتلال الذي أصبح الأسد جزء منه تستدعي القضاء على الأسس والركائز المتفسخة والمتعفنة للنظام الاجتماعي والفكري، السوري والعربي معا، لإعادة بناء الذات وتفجير الطاقات المعنوية والمادية التي تحتاجها مثل هذه المواجهة. ولن نضمن استمرار الثورة ووصولها إلى غاياتها من خلال التشبث بالممارسات السابقة، حتى لو كانت من النوع الذي أبدع فيه جيلها البطولي الرائد، ولا باستعادة احداثها سنويا لابقائها حية في الذاكرة. إنه يستدعي القيام بثورة فكرية وأخلاقية ودينية وسياسية في الوقت ذاته، تعيد ترتيب الأفكار وبلورة الوعي العام وتعبيد الطريق لإعادة بناء المجتمع بأكمله، وفتح ذهن كل فرد على مناهج جديدة للتنظيم والممارسة ما كان بإمكانه أن يدرك معناها أو يمتحنها وهو حبيس المعازل التي فرضت عليه لعقود طويلة ومتواصلة من حكم العبودية والطغيان.
هذا هو الطريق للرد على تحدي الاستمرار في الثورة وعدم الاكتفاء بحمل مشعلها وترديد شعاراتها.