رسالة من أسير سوري في سجون الاحتلال في الجولان

2006-01-22:: BG.BLOG

 

 تحية جولانية وبعد

بداية اسمح لي أن أعرف عن نفسي. أنا الاسير السوري وئام محمود عماشة من قرية بقعاتا في الجولان السوري المحتل من التراب الصامد تحت قمم جبل الشيخ. مضى من عمري 25 عاما وخصلة شيب تشهد على فظاعة المحتل. اعتقلت المرة الأولى عام 1997 وكان عمري 16 عاما وحكم علي سنة ونصف وأعيد اعتقالي عام 1999 بعد ستة شهور من الافراج عني. وحكم علي خمسة سنوات. وقبل أن أشرف على نهاية هذا الحكم تمت إعادتي من السجن إلى أقبية التحقيق لأجد أمامي عدة تهم تصب بمصابها النهائي في مقاومة الاحتلال ليضاف للسنوات الخمس عشرون سنة. هذا هو واقع الجولانيين والشعوب الرازحة تحت نير الاحتلال الغاشم. ولست الأسير الوحيد من الجولان، بل عددنا اليوم 11 أسيرا وبيننا امرأة. وقد دخل السجون خلال فترات مختلفة عدد كبير من أهالي الجولان. وقد حاولنا خلال سنوات طويلة تطوير الصلة بدمشق والسلطة في سوريا. إلا أنها اقتصرت على بعض الصلات الأمنية وبقي المواطن السوري دون معرفة ووعي بهذا الملف. ليس بشق الأسرى فحسب وإنما بمستوياته المختلفة. والحقيقة فقد كنا دوما حذرين في طرح مواقفنا وآرائنا تجاه ما يجري في الوطن من تغييب للحريات والديمقراطية والفساد وتغييب المواطن والمواطنية، لكننا أدركنا وتحديدا بعد أن استشهد أحد رفاقنا هايل أبو زيد، بعد قضاء عشرون عاما في الأسر، أدركنا عمق الصلة والارتباط بين فقداننا لحريتنا داخل الأسر وفقدان المواطن لحريته في الشام وعالمنا العربي عموما. نحن نرى اليوم هذه الأوطان سجونا ليست أقل من سجننا، فإذا كان سجننا المادي، والاحتلال في الجولان قسم العزل في هذا السجن الكبير، فإن أوطاننا العربية هي سجون تقتل كل إمكانية تحررنا من هذا العزل عن الوطن الأم. لقد أدركنا بأن أكبر توازن استراتيجي يمكن أن نحققه كدول عربية هو منح المواطن حريته وحقه في ممارسة الديمقراطية.
من هذه الزاوية ومن هذا الباب نرغب بالتواصل معكم ومع غيركم من المفكرين العرب، على أمل أن نتمكن من خلالكم الوصول لعقول المواطن السوري والعربي عموما لتعريفهم بملف الجولان من جهة ومن جهة أخرى التعريف بقضية الأسرى السوريين.
وعليه آمل أن ترى هذه الرسالة كبداية وتعارف أولي. كما نرجو أن تزودنا بانتاجك الفكري الذي وصلنا منه بعض المقالات واطلعنا على المقابلة التي أجرتها معك محطة الجزيرة وشاهدنا إطلالتك الغنية على محطة ل بي سي في برنامج الحدث.
ختاما لك منا خالص التقدير والاحترام
التوقيع وئام
معتقل الجلبوع
في الجولان


الأخ العزيز وئام عماشة

تلقيت بسرور رسالتكم التي تقدم لي فيها نفسكم وأنت، مع العديد من رفاقك الذين قضى بعضهم وبعضهم لا يزالون يرزحون في سجون الاحتلال الاسرائيلي البغيض، من أبطال سورية البررة. فلا تعتقد أن شباب الحركة الديمقراطية السورية لا يعرفون ما قمتم به منذ بداية الاحتلال، وما لا تزالون تقومون به من أعمال بطولية. إنهم ينظرون إليكم جميعا بفخر واعتزاز، ويدركون أنكم لا زلتم، بكفاحكم وبطولاتكم، تدافعون وحدكم، خلال ما يقارب العقود الأربعة، عن كرامة وطنكم سورية وهوية أرضكم الجولانية العزيزة.
بالتأكيد بقي التواصل، لأسباب معروفة من الجميع، ضعيفا بينكم وبين أبناء شعبكم الذي أريد له أن ينسى الاحتلال أو يبعده عن تفكيره حتى يستمر في الاحتفاء الذي لا ينتهي بعرس التقدم العتيد في ظل قيادته الملهمة. لكن أود أن تعرفوا أن الجولان وأهله لا يزالون يعيشون في قلوب جميع السوريين. وكلهم أو أكثرهم يعتقدون، وأنا منهم، أن تحرير الجولان وعودته إلى حجر أمه جزء لا يتجزأ من قضية الديمقراطية السورية وبرنامجها، تماما كما أن الاحتلال والاستبداد وجهان للعملة ذاتها وفرعان لشجرة مسمومة واحدة. إن حرية السوريين لا تتجزأ ولا يمكن الفصل بين طرد الاحتلال في الجولان، واستعادة أهله لحقوقهم الوطنية، واستعادة شعبنا السوري بأكمله لحقوقه السياسية والمدنية. فكلاهما جزء من قضية واحدة، قضية تأكيد سيادة الشعب السوري واستقلاله وكرامة أبنائه.
تأكدوا أننا معكم وسنظل معكم، ليس من قبيل الالتزام الأخلاقي فحسب، ولكن لأن الحرية السورية نفسها، حرية الوطن وحرية السوريين أنفسهم، لا يمكن أن تستقيم ولا أن تقوم اليوم ما دامت سيادة الدولة نفسها منقوصة وما دام جزء من أراضيها يرزح تحت نير الاحتلال والاضطهاد. ولن أبخل من جهتي بأي جهد كي أساعد على تمتين الصلات معكم وتقديم كل العون لكم للتواصل مع أبناء وطنكم في سورية ومع نشطاء الحرية والحركة الديمقراطية فيها بشكل خاص. ولن أتوقف أيضا عن تشجيع كل النشطاء السوريين على التعريف بقضيتكم، وبقضية العزيز وئام عماشة بشكل خاص، في الأوساط السياسية السورية والعربية، وعن دفع بعض المثقفين الآخرين لكسر جدار العزلة الذي يريد الاحتلال والاستبداد، كل لأسبابه الخاصة، إحاطتكم به لضرب الحصار عليكم وإخراس صوت الحرية الذي يتوهج في قلوبكم ويلهب عقولكم.

مع خالص المودة

برهان غليون