خطاب زعيم حزب الله: تهافت الخطاب والسياسة

2013-06-15:: face book

 

لم يأت زعيم حزب الله، الذراع العسكرية الضاربة لولاية الفقيه في المشرق، بجديد في خطابه إلى انصاره اليوم، مما لم يكن معروفا من قبل. ولم يكن تأكيده على استمراره في موقفه من العدوان سوى محاولة لتطمين طائفته التي أصبحت على اقتناع تام بالخطأ الجسيم الذي ارتكبه بحقها وحق أبنائها والرد على خوفها المتزايد من الانجرار نحو حرب طائفية ماحقة، تشمل المشرق العربي بأكمله.  في تبريره للعدوان، لم يذكر حسن نصر الله هذه المرة الدفاع عن المواطنين الشيعة اللبنانيين المهددين، ولا عن مزارات المسلمين ومقام السيدة زينب المعرضة للسبي الثاني، ولكنه تحدث عن المؤامرة الكونية، وعن التدمير الحاصل في سورية على يد الثوار، وعن التكفيريين القادمين من الخارج بالألوف حتى لم يعد يرى خلفهم ثائرا سوريا واحدا.  من الصعب أن يقنع مثل هذا الخطاب عاقلا، ومن كان يتأمل في وجوه الجمهور الذي كان نصر الله يخطب فيه يدرك تماما حالة التململ والشك والحيرة التي كانت تسيطر على أنصاره. وهم على حق مثلهم مثل العرب المصدومين جميعا بنقل المقاومة من فلسطين إلى سورية، والمشاركة في تدمير القرى والمدن وقتل السوريين باسم الحرب ضد المؤامرة الكونية التي يقودها المحور الاسرائيلي الامريكي التكفيري. فلا أحد يمكن أن يقتنع بأن نصر الله أصبح اليوم أكثر حرصا على قرى ومدن ومعالم سورية من السوريين. ولا يمكن لنصر الله ببساطة أن يسرق اليوم من الأمريكيين الريادة والقيادة في الحرب العالمية على الارهاب الجهادي، وسيكون مثل هذا العمل أمرا مثيرا للدهشة إذا عرفنا أن حزب الله مصنف عند الأمريكيين بأنه هو نفسه منظمة إرهابية. وإذا كان هناك من دمر سورية ووضعها فيما هي فيه، وهذا ما اضطر الرئيس الروسي إلى الاعتراف به مؤخرا، فهو النظام الذي يسعى للدفاع عنه، ولا أعتقد أن هناك حاجة للبراهين. فمن المحتمل أن يدمر الثوار أبنية الحزب الحاكم وأجهزة الأمن وبعض المواقع والحواجز العسكرية، وهذا اكثر مما يستطيعونه بأسلحتهم الخفيفة، إنما ليس لديهم حتى الآن على الأقل، كما يعرف القاصي والداني، لا مدفعية ميدان ولا طيران حربي ولا صواريخ سكود ولا دبابات ومدرعات قادرة على إحداث كل هذا الدمار. وليس من المؤكد أن تدمير النظام للمدن والقرى السورية كان بهدف متابعة الثوار.

فكما يقول شعار أنصاره الأسد أو إحراق البلد يعني أن ثمن الخروج على الأسد هو القتل والدمار. وهو ما يحصل حرفيا كل يوم على أمل أن يدفع القتل والقصف المدمر الحاضنة الشعبية للثورة إلى الانفكاك عنها. أما قصة المزاودة بالوقوف في وجه إسرائيل، وهي مزحة سمجة يرددها نصر الله وانصار النظام، فلا أدري ما ذا كان يمكن لاسرائيل أن تعمل بسورية أكثر مما عمله الأسد لو لم تكن هناك مقاومة ولا جيش عربي سوري ولا مدافع ولا دبابات. الدول والشعوب تسلح نفسها وتنفق على جيوشها وتدفع بفلذة أبنائها للخدمة الوطنية بهدف واحد هو أن لا يحصل فيها ما يفعله جيش الأسد بالسوريين، أي أن يحمي البلاد والسكان والأملاك والارزاق. إذا كان ثمن المقاومة والحفاظ على موقف العداء اللفظي لاسرائيل يكلف الشعب أكثر مما كان لأكثر الاسرائيليين تعصبا من تقسيم للشعب وقتلى وخراب ودمار بحق سورية والسوريين، فما هي قيمة موقف الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة. حزب الله لم يعمل على تجنيب سورية القتل والدمار الذي يتباكى زعيم حزب الله عليه، بالعكس، هو نفسه الذي دفع بمقاتليه لتدمير القصير وقتل أبنائها وملاحقة الجرحى والمنكوبين والهاربين منهم لقطع أي أمل لهم بالحياة. لم يعد أحد، بما في ذلك أنصار نصر الله، يقتنع بأن الحفاظ على المقاومة والموقف الصامد يستحق كل هذا القتل والدمار، فما بالك عندما يأتي هذا الموقف من قبل ميليشيا لم تطلق رصاصة واحدة على اسرائيل، ولم يعد بإمكانها أن تطلقها منذ عام ٢٠٠٦، ومن قبل نظام مسعور يهاجم شعبه وأقوى أوراقه في حربه عليه حمايته لحدود إسرائيل منذ أربعين عاما، ويقف في مقدمة المدافعين عن بقائه الاسرائيليون. 

لا أحد في سورية يتآمر على حزب الله. لكنه هو وحلفاؤه في سورية وايران والعراق من يتآمر على الشعب السوري ويعتدي على أراضيه ويمنعه من ممارسة حقوقه الأساسية في تقرير مصيره، وهذا باسم مقاومة لم تقبل يوما أن تكون إلا ذات بنية طائفية حريصة على إقصاء الجميع، حتى أنصارها من الطوائف الأخرى.  لكن مهما كان الحال، يعرف جميع اللبنانيين اليوم أن الشعب السوري لن يقبل بأن تتحول بلاده إلى محافظة ايرانية، وأنه سوف يقاتل ضد ذلك حتى آخر قطرة من دم أبنائه الأحرار. ويعرف نصر الله وأعضاء حزبه الذين يجرون الطائفة الشيعية اللبنانية إلى مذبحة سياسية تاريخية أن العرب وبقية المسلمين لن يسمحوا كذلك بأن تتحول سورية إلى قاعدة ايرانية للصراع على النفوذ في المنطقة والعالم، وهذا ما أكدته مقاطعة الدول العربية لحزب الله والتعبئة المتنامية للرأي العام العربي والاسلامي خلف قضية السوريين العادلة. وهو ما جاءت المبادرة الأمريكية لتؤكده وتعزز اقتناع المجتمع الدولي بأكمله بأن نظام الأسد وسياساته ووسائله في القهر والارهاب أصبحت من خارج التاريخ.