حول وحدة المعارضة وتشكيل مجلس انتقالي جديد

2012-11-01:: face book

 

اخذ موضوع تشكيل هيئة جديدة تجمع ممثلي المعارضة والحراك الثوري بمختلف فصائله منحى جديدا بعد ان انتقل النقاش فيه من اوساط المعارضة السورية إلى الاوساط الدبلوماسية وصار محورا اساسيا في الحوار السياسي الدولي حول الملف السوري. وجاء تصريح السيدة كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية في ٣١اكتوبر ١٢ ليطرح المشكلة بشكل اكثر حدة، ليس للاهمية التي يكتسيها موقف الولايات المتحدة من القضية السورية فحسب، ولكن لأن نقل الموضوع إلى العلن والاتيان بذكره على لسان وزيرة الدولة الاكبر التي عرقل ترددها حتى الآن اي موقف دولي حاسم من النظام، يعطي للموضوع طابعا دراماتيكيا بامتياز.
بالنسبة للكثير من أعضاء المجلس الوطني السوري واصدقائه، يغطي هذا الموقف رغبة الدول الصديقة في ايجاد هيئة جديدة تحل محل المجلس الوطني وتكون اكثر طواعية لإرادتها. ولأن هذه الدول الصديقة لم تظهر خلال الأشهر الطويلة الماضية من تاريخ الثورة السورية استعدادا واضحا للانخراط مع الشعب السوري وتبني قضيته بالفعل، وكان موقفها يتسم بالتردد والانتظار وعدم الفاعلية، ويخفي شلل الارادة الدولية وراء مبادرات سياسية مفتقرة لأي مقومات النجاح منذ البدء، يثير الحسم الذي يظهره اصدقاء سورية في هذا الموضوع الشك في ان هناك إرادة ما بخلق هيئة تكون اكثر استعدادا للحوار مع النظام في الوقت المناسب. ومما يزيد من هذا الشك التراجع الذي شهده موقف العديد من الدول الصديقة التي كانت تتوعد النظام عن تصريحاتها السابقة. بالإضافة إلى أن جميع الجهود التي بذلها السوريون للافراج عن السلاح النوعي لم تلق اذنا صاغية من هذه الدول ومن واشنطن بشكل خاص. وبالمقابل يؤكد مسؤولو الدول ان الحاجة اصبحت ملحة لمثل هذه الهيئة الجديدة من جهة لتوحيد مواقف المعارضة في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ القضية السورية، ومن جهة ثانية لتشكيل جهاز تنفيذي قادر على توزيع المساعدات وتامين الاغاثة بشكل افضل للشعب السوري المنكوب. وهما المهمتان اللتان لم ينجح المجلس الوطني في تحقيقهما بسبب تعدد مشاكله الداخلية وعدم قدرته على التحول إلى مؤسسة فاعلة وقادرة على الانجاز وبقائه ظاهرة إعلامية أكثر من أي شيء آخر.
لا شك في ان المجلس الوطني لم يرتق في عمله وانجازه إلى مستوى تطلعات الشعب السوري، لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الإغاثي، بالرغم من توفر الموارد المالية في الاشهر القليلة الماضية. وقد فشلنا، بسبب تحالف التيارات الخائفة من فتح المجلس، سواء اكان ذلك من أجل الابقاء على هيمنتها بالنسبة للبعض او تشكيك بعضها المرضي بكل ما هو مختلف لدى البعض الآخر أو خوفها على ضياع المناصب أو التضحية ببعضها لصالح الآخرين لدى البعض الثالث. ونجح هذا التحالف في تعطيل مشروع اعادة الهيكلة لاشهر طويلة قبل ان يحيله إلى توسعة غير ذات مضمون. وكل هذا أساء بشكل كبير للمجلس وجعل البعض يرى فيه عبئا على الثورة بدل ان يكون خادما لها، وأداة لدعمها، مما شجع اصحاب النوايا السلبية على التجرؤ من داخل المجلس وخارجه على التفكير في تجاوزه من دون خوف أو قلق من اي ردة فعل محتملة. والطريف في الأمر أن الحماس لهذا التجاوز نحو هيئة جديدة قد ظهر بشكل مفاجيء عند أؤلئك الذين كانوا المسؤولين الرئيسيين عن إغلاقه في وجه أي قوة أخرى لا تنسجم مع احتفاظ هؤلاء بموقعهم المتميز في المجلس. حتى بدا الأمر وكأنه انقلاب كامل للبعض على مواقفهم السابقة بعد ان صفي المجلس من أي مضمون سياسي.
لكن في الوقت نفسه لا أعتقد أن الاستعجال الذي نلاحظه اليوم في مسألة تشكيل هيئة جديدة بديل للمجلس الوطني نابع من ولادة إرادة جديدة عند الدول الصديقة لسورية، والتي ساهم بعضها مساهمة كبيرة في تشجيع قيادة المجلس على الانغلاق وعدم ايلاء قيمة أو أهمية للآخرين، في الانخراط بشكل اكبر من قبل في معركة الشعب السوري، ولا بالضرورة في سعيها إلى توفير جهاز أكثر فاعلية في تقديم المساعدات.
مازالت هذه الدول الصديقة تسير على الطريقة ذاتها وهي البحث عن كبش فداء للتغطية على فشلها في الرد كما يقتضيه الواجب الانساني الاممي وكما وعدت هي نفسها من قبل على عمليات القتل المنهجي والمنظم التي يقوم بها نظام فقد كل معايير العقل والاخلاق والسياسة ضد السكان الآمنين. فبعد ان ضخمت في المرحلة الأولى من وزن المجلس الوطني على أمل ان يشكل ذلك ضغطا متزايدا على النظام، وهو ما حرم المجلس من فرص النمو الطبيعي من دون ان يثير الخوف لدى النظام من احتمال التدخل الدولي، تحاول الآن ان تغطي على افتقارها اي خطة فعلية لمواجهة الكارثة الانسانية التي قاد إليها تخاذلها بالتشهير بالمجلس والايهام بأنه المسؤول الرئيسي عن الوضع المأساوي القائم. والحال أن المجلس الوطني لم يدع لحظة واحدة انه بديل عن قوى الثورة الداخلية ولا عن القوى الدولية او انه قادر على مواجهة نظام الاستبداد الدموي في دمشق. لقد استمد نفوذه وقوته من تأجج الثورة السورية في الداخل وبطولة الثوار وتضحياتهم ومن الدعم الدولي. وربما كان من اكبر اخطائه انه اعطى ثقته للدول الصديقة الداعمة وراهن على حسن نواياها وقبل بمشوراتها. وهذه الدول التي غالبا ما سعت، او بعضها على الأقل، إلى أن توجه المجلس عن طريق اصدقائها وحلفائها فيه، هي المسؤولة عن ضياع المجلس مثلما كانت ولا تزال مسؤولة عن المصير التي آلت إليه معركة السوريين من أجل الحرية: غياب الخيارات وضعف المبادرات وانتظار الحسم من دون القيام بأي مجهود فعلي لتغيير موازين القوى على الأرض.
ليس الهدف من هذا الحديث الدفاع عن المجلس الوطني إنما تجنب الوقوع في المطبات ذاتها التي وقع فيها المجلس الوطني. وإذا كان السوريون غير قادرين على التفاهم بانفسهم من أجل خدمة قضيتهم الكبرى فلن يفيدهم في شيء التفاهم الذي يفرضه عليهم الآخرون. وخوفي أن لا تكون الهيئة الجديدة، نظرا للطريقة التي سيصار إلى إنشائها، اقل حظا من المجلس الوطني في التعبير عن القوى الفاعلة على الأرض وفي توفير الأطر الفاعلة المطلوبة لتقديم المساعدات الانسانية الضرورية بالفعل للشعب المنكوب، بل مصدرا إضافيا لتأجيج الخلاف والانقسام داخل صفوف الشعب والمعارضة.
هناك بالتأكيد ضرورة لا يمكن لأحد ان ينكرها لايجاد اطار يجمع اطراف الثورة ويعبر عنها ويقودها. لكن القيادة لا تفرض ولا يمكن تصنيعها في المكاتب والمؤتمرات، وإنما تنتزع بالعمل والمواقف الصحيحة والمبادرات الصائبة. والإعلان عن الهيئة الجديدة بالاسلوب الذي حصل فيه قد افقدها منذ البداية كل فرصة لتتحول بالفعل إلى قيادة وطنية سيدة وأظهرتها بشكل مأساوي كما لو كانت أداة في يد صانعيها من الدول والأشخاص.
وهناك بالتأكيد ضرورة ماسة لتشكيل هيئة تنفيذية قادرة على تقديم المساعدات وتوزيع الإغاثة وتنظيم الشؤون الإدارية والمرافق العامة.
لكن من الأسهل تكوين جهاز تنفيذي على شكل حكومة مؤقتة مصغرة تتفق عليها الاطراف من تكوين قيادة سياسية لثورة مترامية الأطراف ومتعددة المشارب والمنابع. ومن الأعقل تشكيل لجنة تنسيق لتوحيد المواقف والجهود تكمل ما هو موجود من أطر وتحالفات، من تشكيل مجلس انتقالي يقف في مواجهة المجلس السابق الذي اعيد احياؤه للتو وأصبح أكثر قوة وتطلبا. ومن الأولى ان يأتي ذلك كانجازات للمعارضة وقوى الثورة لا كتلبية لطلبات أجنبية أو عروض خصوصية. ومن الأصلح ان تنبثق هذه الانجازات من نقاش حقيقي واقتناع من أطراف المعارضة بدل أن تقدم كصيغ جاهزة وفي صورة امر لازب لامجال فيه سوى للقبول او الرفض.
في اعتقادي ما اعاق انبثاق قيادة سياسية حقيقية للثورة هو التدخل المتعدد الاشكال للقوى الدولية في شؤون المعارضة منذ البداية، وهو يعبر عن ضعف هذه المعارضة الفكري والسياسي وهشاشتها التنظيمية. لكن الحل ليس في تحويل التدخل إلى قيادة وإنما في تشجيع السوريين على تحمل مسؤولياتهم والتفاهم في ما بينهم على ما يوحدهم هذا لا يستقيم مع نزع الشعور بالسيادة عنهم وقتل روح الاستقلال والوحدة والعزة الوطنية عند رجالاتهم وقادتهم.