الائتلاف في محطته الأخيرة

2014-06-24:: face book

 

نشر سمير سعيفان في زمان الوصل مقالا يقرع فيه ناقوس الخطر في ما يتعلق بانتخابات الائتلاف الوطني القادمة (٤/٥/٦ حزيران). ومن بين ما كتبه أن محاولتنا الأخيرة، للتوصل إلى قائمة توافقية تجنبنا المشهد المخزي لتجدد الصراع على مناصب سياسية يفرغها التنازع الصبياني من أي قيمة ومعنى، لا يبدو أنها ستنجح، وأن ما حصل هو بالضبط ما كنا نخشى منه، أي أن يتحول اللقاء التشاوري الذي التأم ليتجنيب الائتلاف مزيدا من السخرية والسقوط، إلى طرف يعمل لفريق ضد فريق آخر، والطرف الآخر، كما يشير سمير، القائمة الديمقراطية التي ينتمي إليها رئيس الائتلاف الراهن، أحمد الجربا. ولو صح ذلك لكان يعني فشلنا جميعا في دفع الائتلاف على طريق العمل كفريق، خاصة وأنه ليس هناك أساس لأي اختلاف سياسي أو عقائدي.

إود أن أؤكد  بهذه المناسبة، وأعتقد أن هذا ما فهمه أغلب من حضر الاجتماع التشاروي 
١. أن اللقاء التشاوري الذي انعقد في استنبول في ١٩ من هذا الشهر، وشارك فيه أعضاء في الائتلاف ينتمون إلى تيارات وكتل مختلفة، ودعي إليه أيضا احمد الجربا رئيس الائتلاف الحالي، ليس طرفا في اي تنافس انتخابي ولن يكون طرفا أبدا. وهذا كان مبرر وجوده والمبدأ الذي قام عليه. لقد أعلن المجتمعون بشكل واضح أن هدفهم، بالعكس تماما، هو إخراج الائتلاف من الانقسام إلى معسكرين، وجمع أعضائه معا في فريق عمل واحد، وبناء على برنامج طرحه اللقاء في ١٣ نقطة، والتزامات من المرشحين والأعضاء، بالمباديء والمحددات التي طرحت واتفق عليها الجميع. 
٢. بعكس ما ورد في المقال، كان الاتفاق بشكل واضح لا لبس فيه على أن اللقاء لا يقدم مرشحا ولا يؤيد أي مرشح، وأن وظيفته هي اقناع المرشحين بأن هناك كسب أكبر في تقاسم الوظائف والعمل المشترك من الدخول في منازعات ستدمر الائتلاف وتقضي على صدقية المرشحين مهما كانوا. ولهذا لم يقدم اللقاء أي توجيه في ما يتعلق بالمناصب، ابتداءا من الرئيس حتى الأمين العام، وإنما وضع لائحة المرشحين الذين قدموا ترشيحاتهم وطلب من أعضائه المتواجدين في استنبول التشاور مع كل الكتل والمجموعات المكونة للائتلاف لاستمزاج رايهم ومعرفة من هو المرشح المحتمل الذي يحقق أوسع قاعدة من التوافق والاجماع. وعلى هذا الاساس لن يعلن اللقاء عن أي مرشح ولكنها يدعم تشكيل قائمة موحدة. هذا يعني أن وظيفة اللقاء التشاوري تقتصر على تقديم المساعي لمساعدة الائتلاف على ايجاد مرشح توافقي. والكتل هي التي ستتوافق وليس أعضاء اللقاء.
٣. أكد المشاركون في اللقاء أن الأهم من تعيين اسم الرئيس الجديد هو التوافق على برنامج عمل سياسي للائتلاف، وتبني آليات عمل جديدة تسمح لجميع الأعضاء أن يكونوا مشاركين وفاعلين. ومن هنا تم التركيز على أنه، بموازاة الانتخابات، ينبغي العمل على برنامج لاصلاح الائتلاف والارتقاء بأدائه وأساليب عمله وتواصله مع قوى الثورة والشعب. ولا يمكن تحقيق ذلك إذا استمر الائتلاف ساحة للصراع بين طرفين أو أكثر، وبالتالي استمرار أسلوب تخاطف الولاءات والاصوات على حساب التفكير المشترك والعمل كفريق لخدمة قضية واحدة، قضية السوريين التي تجاوزت اليوم قضية الثورة ذاتها وأصبحت قضية وجود وحياة وبقاء لملايين البشر.
٤. وفي ما يتعلق بهذا الاصلاح اعتقد أن المطلوب، وهذا ما ذكرته للعديد من المهتمين بالمشروع في الائتلاف، ليس إصلاحا تجميليا ولا جزئيا، وإنما إعادة تأسيس وبناء حقيقيين. مما يعني إعادة نظر جدية بالنظام الداخلي وبهيكل الائتلاف وآليات عمله واتخاذ القرارات فيه، وتجديد دمائه عن طريق تبديل نصف المقاعد على الأقل لصالح عناصر جديدة أثبتت جدارتها في السنتين الماضيتين في الثورة ولا تزال على تواصل معها في العمل الميداني أو والسياسي والإعلامي والإغاثي. وبالتالي زج الائتلاف في الحراك الحقيقي الداخلي المتعدد الأشكال، وتشكيل مجلس تشاوري يضم أبرز الشخصيات الوطنية المعارضة أو من منظمات المجتمع المدني، لرفده بالمشورة والتحليلات والاقتراحات والأفكار. 
٥ . إذا ثبت أن التوافق لم يحصل، وأن هناك كتل تراجعت عن التزاماتها،  وكانت هناك حاجة بالفعل للمزيد من العمل لتحصيل مثل هذا التوافق ولإنضاج برنامج الاصلاح أو إعادة تأسيس الأئتلاف على قاعدة سليمة وقوية، فلا أجد غضاضة في أعطاء أنفسنا وقتا أكثر للمحاولة. لكن في هذه الحالة ينبغي التفاهم بسرعة على إعضاء المجموعة التي ستتولى السعي لتحقيق هذا الاصلاح، واعداد النفوس والعقول له؟ 
الوقت يلح بشكل كبير. ونكاد نفقد الأمل بالتقدم على طريق الاصلاح، ولا أذيع سرا إذا قلت إن صبر بعضنا قد نفذ لولا أننا نخشى على المعارضة، في هذا الظرف العصيب الذي تتعرض فيه للتقزيم من قبل أكثر من طرف، من التشتت والانجراف المخيف، وأن الشك يراودنا اليوم، أكثر من أي فترة سابقة، وبعد مقاومة عنيدة، في قدرة الائتلاف على التعافي، وفي قدرتنا على الاستمرار في عيادته إلى ما لانهاية.
ليس لأحد مصلحة في ان يبقى الاطار الوحيد المنظم والمعترف به دوليا للمعارضة نهب الصراعات الشخصية والمحاصصات والولاءات. ولا فائدة من وجوده إذا لم يتحول بسرعة، وفي هذه المرحلة الدقيقة من عمر الكفاح السوري، وأمام المخاطر الهائلة التي تواجه السوريين والدولة السورية نفسها، إلى أداة فعالة للعمل الوطني، يوحد قوى الثورة والمعارضة، ويستقطب أكثر العناصر المخلصة والكفؤة والمسؤولة، ويساهم في وضع خطة واضحة تلهم السوريين وتقرب في ما بينهم وتحثهم على العمل والتعاون لإخراج البلاد من الكارثة الأكبر التي حلت بها. 
لكن ليس لأحد أيضا رغبة في أن ينفخ إلى ما لانهاية في قربة مثقوبة، ويغذي أمالا كاذبة بانتشال إطار سياسي منفصل عن قضايا الشعب وهمومه، وغارق في نزاعات متجددة على مناصب ومواقع وهمية، وهو يشاهد يوميا كيف ينتقل القرار الفعلي، من دون أدنى رد فعل، وبسبب غياب التفاهم والتشاور والعمل المهني في الائتلاف، من السوريين إلى أيادي القوى الأجنبية، التي تجد في ضعف الائتلاف وتنافس رجاله أفضل فرصة لفتح خطوط تواصل مباشرة مع القوى الحية للثورة والمعارضة، مكرسة بذلك حالة افتقار الثورة للقيادة السياسية وللموارد والامكانيات في الوقت ذاته.  وفي نظري اذا تبين أنه من غير الممكن إخراج الائتلاف من دوامة التنازع بين فريقين على أساس الولاءات والتحزبات الشخصية فلن يكون هناك فائدة منه ولا معنى للمشاركة أو للبقاء فيه.
 في محنتها العظيمة الراهنة، تحتاج سورية إلى أداة فعالة للعمل الوطني أكثر من أي شيء آخر. ولن يكون أي إطار سياسي سوري فعالا ما لم يكن جامعا ومنفتحا وقادرا على استيعاب الجميع وتفجير طاقاتهم وتثمين مشاركاتهم ومساهماتهم، تفكيرا وتنظيما وتنفيذا.  
وما يحتاجه الائتلاف حتى يتحول إلى أداة فعالة لخدمة القضية السورية هو الشعور بالمسؤولية والواجب، والتفكير بأولوية المصلحة العامة، والاستعداد للتضحية من أجل الشعب والبلاد، ودفع الرجال القادرين والصادقين إلى المقدمة حتى ننجح في تحقيق الأهداف النبيلة التي نسعى إليها ونخرج شعبنا وبلادنا من الكارثة التي لا تزال تتخبط فيها منذ سنوات. وقد فتحت لنا الثورة العراقية فرصة كبيرة لدفع العالم إلى إعادة الاهتمام بقضيتنا وبذل جهد مضاعف لمساعدة السوريين على تحقيق أهدافهم، علينا أن نستثمرها ولا نضيعها. 
لا ينبغي أن نسمح للآخرين من خصومنا أن يقولوا عنا ما كنا نردده عن حق: أن نظام الأسد هو نظام الفرص الضائعة. 
لدى المعارضة اليوم فرصة كبيرة للقفز إلى الأمام وعقد تحالفات بالغة الأهمية بالنسبة لمستقبل الثورة والبلاد، لا ينبغي أن نسمح لنزاعاتنا الصغيرة بتضييعها.