إنصاف المثقفين  

2004-05-18:: جريدة الدستور الأردنية

 

أخذ الرأي العام العربي على المثقفين عن حق ضعفهم وتراجعهم أمام إغراءات النظم الحاكمة أو امام بطشها أو تقصيرهم عموما في مواجهة الطغيان الذي يعتبره اليوم المسؤول الرئيسي عن تدهور الأوضاع العربية وانهيار موازين القوى الإقليمية لصالح الدولة الاسرائيلية والوحدة أو العزلة التي تجد المقاومة الفلسطينية للاحتلال نفسها فيها نتيجة تهميش الشعوب العربية.

والواقع أن تدهور الأوضاع العربية الذي سار بموازاة تقهقر دور المثقفين في الحركة السياسية الداخلية والحركات الوطنية عموما، ليس له علاقة بفكر المثقفين ولا بتقصيرهم في الدفاع عن القيم والمباديء والقضايا الوطنية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية بقدر ما هو ثمرة لتهميشهم هم أيضا مع بقية أبناء المجتمع من قبل النظم البيرقراطية العقيمة الأبوية والشمولية.

ولو دققنا النظر في ما حصل في العقود القليلة الماضية لوجدنا أن المتعاونين مع الطغيان كانوا أقلية بالمقارنة مع الأعداد الكبيرة من المثقفين الذين يعانون من أكل أنواع التنكيل والقهر والاعتقال لأدنى سبب والحرمان من المستقبل وتقييد الحريات نتيجة آرائهم ومقاومتهم المستمرة والشجاعة وأحيانا الأسطورية للاستبداد وامتهان كرامة الانسان والشعوب.

كان هناك ولا يزال كما هو الحال في جميع المجتمعات أقلية مثقفة خدمت ولا تزال تخدم السلاطين وتتعيش على مدحهم والتغطية على مساوئهم، لكنها تبقى أقلية ضئيلة ولا قيمة لها ولا وزن بل ولا اعتبار في مسيرة التاريخ. إنها مكملة لعمل أجهزة نذرت نفسها ونذرها التاريخ لسوء السمعة. لكن المهم والذي يستحق ذكره والتركيز عليه هم أصحاب الإرادات الخيرة والحرة، أولئك الذين يضحون بكل ما يملكون من أجل مبادئهم والقيم والمثل العليا التي لا تكون من دونها المجتمعات مجتمعات إنسانية.

 

وهؤلاء هم أيضا أملنا في المستقبل للاحتفاظ براية الكلمة الصادقة والمسؤولة مرفوعة للنهاية، وهم أملنا كذلك في إشعال جذوة التحويلات الديمقراطية في المستقبل في المنطقة العربية. وأنا آمل أن لا تنساق الصحافة العربية وراء مشاعر الاحباط التي تكبل الرأي العام وأن تسعى بالعكس إلى فرز الخبيث من الطيب بدل خلط الأوراق والاستمرار في اتهام المثقفين عامة. وهذا يعني أن علينا، بدل تركيز الضوء على تلك الأقلية الانتهازية من المثقفين  أن نبرز للرأي العام ما هو أصيل ونبيل وأخلاقي في مجتمعاتنا وهو ما نراهن عليه للخروج من المحنة المستمرة. وبالمقابل إن الاستمرار في التركيز على العناصر السلبية والمثقفين السلبيين لا يطمس جهود ونضالات وقيم الأغلبية من المثقفين الذين يعدون بالألوف في كل البلاد العربية والذين يقفون بشجاعة ضد السياسات الخاطئة لحكوماتهم ولكن يدفع الناس أكثر من ذلك إلى اليأس والشك بمجتمعاتهم وبانفسهم وبالمستقبل وبالتالي إلى الاستسلام لمشاعر الهزيمة الدائمة والقهر واللجوء إلى الشكوى والنواح بدل التطلع إلى العمل والقيام بمبادرات جديدة. وفي هذه الحالة لا نكون فعلنا شيئا آخر سوى تحقيق ما تهدف إليه السلطات ذاتها التي تقوم بتطوير كل آليات القمع لتهميش المجتمع وقتل المثقفين والثقافة معا.