الديمقراطية المفروضة والديمقراطية المختارة  الخيارات العربية الراهنة في الانتقال نحو الديمقراطية

2003-03-01:: الجماعة الديمقراطية العربية

 

في العالم العربي أكثر من أي منطقة أخرى من العالم عمل توفر الموارد الريعية الكبيرة الناجمة عن الثروات المنجمية أو عن مصادر أخرى لا تقل أهمية مثل تحويلات العمالة الخارجية وريع الموقع والاتجار بالمواقف السياسية والنجاح في تسخير القوى البشرية إلى الاعتقاد الثابت عند النخب التي نجحت في ظروف خاصة بوضع يدها على الدولة بأنها ليست بحاجة من أجل الاستمرار في الحكم إلى أي تأييد شعبي وأن بإمكانها البقاء إلى ما لا نهاية من دون أن تطرح على نفسها أي أسئلة تتعلق بالمحاسبة أو بالكفاءة أو بالمسؤولية. وهكذا اطمأنت على نفسها واعتقدت أن نظام الإذعان والتسليم بالأمر الواقع الذي نجحت في فرضه على شعوبها قادر على أن يحميها من أي مخاطر قائمة ويجنبها أي حاجة لمراجعة الأسس التي قام عليها وجودها.

 

لكنها لم تدرك أن نجاحها هذا قد حول الدول التي تسيطر عليها إلى قوقعة فارغة فبدت خالية من القوى وعديمة الوزن والفاعلية في نظر القوى الأكبر التي تترصد مناطق الفراغ لتملأها بقوتها الفائضة. وهكذا ما كادت النخب العربية تطمئن على إخماد الداخل حتى وجدت نفسها تواجه أكبر أزمة في تاريخها مع صعود أطماع القوى الأجنبية التي بدأت ترى فيها أشباحا واهية. وقد بينت الأحداث التي تعاقبت منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية وعودة اليمين القومي إلى السلطة في اسرائيل وصعود فريق جمهوري يميني متطرف إلى الحكم في واشنطن وتفاقم الأزمة الاقتصادية الاقليمية والعالمية عجز النخب العربية الحاكمة عن تقديم استجابات عملية تتسم بالحد الأدنى من الفعالية والاتساق والمعقولية على التحديات الجديدة التي اضطرت لمواجهتها. ولم يثر إجتماع المجلس الوزاري العربي (10 نوفمبر 02) للتداول في قرار مجلس الأمن الجديد بخصوص نزع أسلحة الدمار الشامل في العراق سوى الاستهزاء والسخرية لدى أوساط الرأي العام العربي والدولي الرسمي والأهلي معا. وبدل أن يزيد المجتمعين أهمية بدا المؤتمر وكأنه محاولة لإخفاء الارتباك المشترك والجامع لحكومات واقعة في الفخ ولا تعرف كيف تخفي ارتباكها عن جمهور أخذ يكتشف للتو أن ما ظهر له أسودا ضارية ليس سوى أرانب مذعورة.

 

والواقع أن ما كان يبدو منذ بضع سنوات وكانه نقطة تفوقها الرئيسية, أي النظم الشمولية أو شبه الشمولية التي تمكنها من أن تحكم من دون أن تلقى أي معارضة داخلية جدية أو أن تخاف من أي نقد أو اعتراض, أخذ يظهر اليوم وكأنه نقطة الضعف الرئيسية فيها. فالدول الكبرى التي تريد تقاسم مواردها بدأت تنظر إليها كلقم سائغة ولا تجد أي غضاضة في أن تجعل في عدم كفاءتها ولا شعبيتها الحجة المفحمة لاستنزافها وفرض الوصاية والانتداب عليها. وقد أصبح من المتعارف عليه والمقبول دوليا اليوم أن النخب العربية التي تحكم في أحد أهم المناطق العالمية حساسية تفتقر للشرعية وتنكر على شعوبها أي نوع من الحقوق السياسية بل والمدنية وأنها بسبب تخلفها وانعدام روح المسؤولية لديها قادت شعوبها نحو الفقر والبؤس والانهيار. وأن من مصلحة هذه الشعوب, بل من مصلحة العالم بأجمعه استبدالها وفرض معايير المحاسبة والمشاركة الشعبية, أي الديمقراطية عليها. وهكذا بقدر ما أصبح أسلوب حكم هذه النخب يفتقر للأخلاقية أصبح العمل ضدها بأي أسلوب جاء مبررا أخلاقيا وسياسيا في نظر أعدائها الذين هم اليوم بالدرجة الأولى حلفاؤها السابقون, أعني الدول التي مهدت لها ومكنتها من البقاء والاستمرار حتى الآن. والواقع أن ما تعرضه الدول الكبرى الغربية تجاه النخب العربية ونظمها الراهنة التي ترى فيها مثالا للفساد وفقدان الشرعية والاحترام معا, ليس شيئا آخر سوى الاختيار بين قبول الوصاية الخارجية ولو يصورة غير رسمية أو الخضوع لقاعدة المحاسبة والمساءلة الشعبية التي لا يمكن أن تعني شيئا آخر سوى تنحيتها عن السلطة إن لم يكن إنزال العقاب القاسي بها وتحويلها إلى قربان على مذبح تحالفات جديدة بين قوى المعارضة المحلية والقوى الخارجية.

 

لن يتأخر الوقت كثيرا قبل أن يظهر من بين أولئك الذين لم يكن شيء يردعهم عن سحق عظام أبناء جلدتهم وحبسهم وتعذيبهم بسبب كلمات معدودة وقتلهم على الهوية وبسبب انتمائهم إلى هذا الحزب أو ذاك من سينادي بضرورة احترام التعددية والديمقراطية وعلى الطريقة الأمريكية أيضا حتى يحتفظوا بمواقعهم ويزيدوا من امتيازاتهم. والذين عاشوا من رصيد حرمان الشعوب العربية من حقوقها وحرياتها سوف يعيشون فترة أخرى من المتاجرة بحريات وحقوق مزيفة جديدة.

ليس هناك أي شك أننا بالغنا كثيرا في المنطقة العربية في تجاهل الأسس والمعايير الدولية التي لا تقوم من دونها حياة سياسية واجتماعية سليمة ومنتجة ونحن مضطرون اليوم ومجبرون على أن ندفع الثمن الغالي لهذا التجاهل والانكار. والسؤال الذي يطرح علينا اليوم، نحن العرب، هو التالي : ما هو أو ماذا سيكون عليه وضعنا؟ هل سيكون انتقالنا إلى الديموقراطية عن طريق الانهيار في الحروب الأهلية أو الخارجية, كما حصل في أفغانستان وغيرها من الدول الشرقية الاشتراكية سابقا, مع ما يتضمن ذلك من مخاطر الفوضى والدمار والتبعية والسقوط تحت الوصاية الأجنبية؟ أم سيكون انتقالنا بالأسلوب السلمي, عبر التفكيك الإرادي أو شبه الإرادي لنظام السلطة المطلقة الفردية أو الجمعية الأبوي منه والبيرقراطي الشمولي معا، بحيث نستطيع أن نضع، رويداً رويداً، مكان الآلة القديمة للسلطة المطلقة, آليات تَعمل على إعادة إنتاج وتكوين سلطات الدولة الأساسية التنفيذية والتشريعية والقضائية بصورة مستقلة ومتوازنة, وتساعد على تجديد الأحزاب والتيارات الفكرية في سبيل الانتقال التدريجي إلى نظام جديد.

 

والمطلوب اليوم، ليس كما يشيع البعض من المعادين للمشروع الديمقراطي، إقامة ديمقراطية على الطريقة الأمريكية ولا تقليد أي نموذج آخر للنظم السياسية. فهذا هو أصل كل إخفاق. وإنما المطلوب توسيع دائرة الحريات والحقوق المواطنية العادية التي تسمح للرأي العام وللأفراد, على اختلاف انتماءاتهم ومستوياتهم الثقافية والاجتماعية, بالمشاركة في التفكير الجماعي الحر والمنظم في المستقبل. إن المطلوب هو بناء أطر تفكير عام ووطني اختفى تماما من الساحة العمومية والخاصة وحرم الى درجة النسيان. ومن المؤكد أن هذا التفكير الجمعي ليس هدفا في ذاته, وأن المأمول منه أن يساعد على إعادة بناء وهيكلة الفكر السياسي والقوى السياسية والاجتماعية التي تشكل وحدها الحامل لأي مشروع مجتمعي مهما كان نوعه. ومن دونها ليس هناك مهرب من التسليم بسيطرة قوى البيرقراطية العسكرية والمدنية التي ليس لها غاية ولا هدف ولا منطق في وجودها سوى إعادة إنتاج نفسها ومراكمة امتيازاتها وتوسيع دائرة نفوذها وسيطرتها, وبالتالي هدر موارد الدولة والمجتمع واستهلاكها الصافي من دون التفكير بأي مشروع مجتمعي أو أداء أي عمل مفيد.

لكن في الوقت نفسه لذي نفكر فيه بالتغيير والانتقال نحو نظم جديدة ليست تلك التي بنتها البيرقراطيات الشمولية أو الأبوية على مقاسها لا ينبغي علينا أن نتصور أن القوى التي ستعيد بناء المجتمع وتؤمن وظائف القيادة والتوجيه والتسيير والادارة الناجعة والمهمومة بالمصالح الجماعية سوف تولد من تلقاء نفسها، وسوف تكون تلقائيا واعية ومتعلمة ومؤمنة بالمصالح الوطنية ومستعدة للسلوك المدني السليم. إن ابن الانسان إذا بقي من دون تربية نشأ أشرس من أي حيوان وأكثر أنانية وعدوانية منه. والمجتمع الذي يفتقر لنخب قادرة على توجيه الأفراد وتنظيمهم, وقبل ذلك, ومن أجل ذلك, كسب ثقتهم, يبقى جثة هامدة لا قدرة له على اداء أي عمل مفيد من أي نوع كان، اقتصاديا أم سياسيا أم فكريا, ولا يستطيع أن يوجه أي مقاومة تذكر لأي قوة خارجية أو داخلية تسعى الى السيطرة عليه وإخضاعة واستعباده. ولا يستدعي بناء الانسان وتربية النخب الوطنية وتحسيسها بالمصالح الجمعية وتزويدها بقيم ومباديء وغايات إنسانية جهودا جبارة فحسب من قبل قادة الفكر والرأي والسياسة ولكنه يحتاج, أكثر من ذلك, وقبل ذلك, الى شروط وبيئة ومناخات مجتمعية تجسد شيئا من هذه المباديء والقيم والغايات. وقد يستدعي نشوء حزب سياسي قوي ونجاحه في صوغ برنامج متكامل وفي بناء علاقات ثقة مع الجمهور ومع الرأي العام، وتطوير قدرته على استيعابه لواقعه الاجتماعي والتاريخي وللمشاكل المطروحة على مجتمعه, أي كي ما يتحول الى قوة قيادة وتوجيه وطني وتنظيم اجتماعي, إلى عشرات السنين.

 

وإذا أردنا أن نجنب بلداننا الأزمات الطاحنة القادمة، الداخلية والخارجية, فعلينا منذ الآن أن نهيّء الوضع وأن نسعى الى تفكيك نظام السلطة المطلقة تدريجياً، حتى نتيح للشعب أن يبني قوى جديدة ضرورية لضمان المستقبل. وحتى لا يظل المجتمع يسير, كما هو عليه لآن, على قدم واحدة مكسورة, ويعتمد في توجهه وبلورة خياراته على فكر عقيم واحد لحزب تكلست عروقه وغرق في الفساد أو لرجل واحد دفعت به السلطة المطلقة إلى حافة العظمة المجنونة والمدمرة المنتجة لكل الحماقات الممكنة والمتصورة, ينبغي أن نعمل لمجتمع يسير على الأقل على قدمين سليمتين وينجح في أن يحفظ توازنه ويتقدم بثبات أكثر، ويفكر برأسين إن لم يكن برؤؤس عديدة ويحلم ويبدع بملايين الأذهان والمخيلات.

ليس التحدي الذي يواجهنا اليوم إذن بناء الديمقراطية كنظام كامل وجاهز ولكن بدء عملية التحول والانتقال الطويلة حتما إلى الديموقراطية وبشكل سلمي ومختار، بشكل واع منظم، يحمينا من الكوارث والمطبات التي تنتظرنا ويجنبنا الصراعات الدموية والانفجارات والحروب الداخلية والخارجية. ويستدعي النجاح في هذا الانتقال السلمي والتدريجي بث الثقة المتبادلة داخل المجتمع وتعليم الأفراد روح المسؤولية وتدريبهم على الخضوع للقانون الواحد وتعويدهم على التعاون والعمل الجمعي وتنمية روح التكافل والتضامن فيما بينهم, أي مساعدتهم بالفعل على أن يفكروا ويعملوا كجماعة واحدة, مما يستدعي بناء روح جماعية وأسلوب مشترك في التفكير والعمل والتنظيم والممارسة. وكل هذه مهمات كبيرة لا يمكن تحقيقها عبر المراسيم والاوامر والتعميمات الادارية, ولا بد من إطلاق يد الناشطين السياسيين والثقافيين من كل الفئات والاختصاصات والأوساط للمشاركة فيها والمساهمة في إنجازها. وإذا كان هناك مدخل يمكن التركيز عليه لولوج باب التحولات الديمقراطية فهو من دون شك المسألة الوطنية والاجتماعية معا وهما المسألتين اللتين تركتهما النظم الأبوية والشمولية الواحدية من دون حل وفي أسوأ حالة يمكن تصورها.


هذه هي الروحية التي ينبغي أن توجه مساهمتنا في الأعوام القادمة في تنمية الحركة الديمقراطية العربية والتي سيكون الدافع الرئيسي لها شعور كل فرد ممن يشارك فيها بالمسؤولية وواجب العمل من أجل تعزيز فرص الانتقال السلمي والتدريجي نحو نظام المساواة والحرية والتسامح، انطلاقاً من اقتناع عميق لدينا أنه لا يوجد حل لمشاكلنا الوطنية أي أيضا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتعليمية والتربوية والنفسية والدينية من دون الانتقال إلى نظام المشاركة الجماعية، وكذلك من دون الاقتناع المماثل بأن النظم الشمولية لا تمتلك الحل لأي مشكل من هذه المشاكل المطروحة علينا وأن استمرار هذا النمط من الحكم لم يعد ممكنا مع قوانين العولمة وتطور النظرة العالمية والتفاعل الانساني. وهذا الاقتناع لا يقتصر اليوم على من نسميهم بالمعارضة ولكن ربما نستطيع أن نلمس أثر هذا الاقتناع عند جزء كبير ممن هم داخل السلطة أيضا بل داخل الاحزاب الحاكمة نفسها.

ولا ينبغي أن يغيب عن ذهننا ولا عن ذهن الكثير ممن يساهم في هذه الحركة المشاكل والمخاطر والصعوبات التي يواجهها التحول الديمقراطي كما يواجهها في الواقع أي تحول مهما كان. فالناس يميلون الى الجمود والتمسك بما هو قائم اذا لم يشجعهم الفريق الأكثر إدراكا للمخاطر وللمستقبل ويحثهم على بذل الجهد ويبين لهم العوائد العظيمة والحتمية لجهدهم. لكن، كنا نؤمن ولا نزال بأن المشاكل لا تحل بالهرب منها وإنما بمواجهتها والتصدي لها والتفكير بالحلول الناجعة التي تتناسب معها. ولا ينبغي أن نحلم بتحول تدريجي وسلمي ونحن جالسون في بيوتنا ومنقطعون عن التفكير بمستقبل أبنائنا. فلا تحول ممكنا إلا إذا قبلنا بتحمل مسؤولياتنا فعلاً وكانت لدينا الجرأة السياسية والمعنوية على أن نضحي من أجل بلادنا وأن نواجه بشجاعة شكوكنا و مخاوفنا ذاتها، وأن نعمل على مناقشتها واحتوائها. ولا تحول ممكنا أيضا من دون أن يحصل لدينا الاقتناع بأن الانتقال السلمي أقل مخاطر بكثير من الانتقال العنيف الذي يمكن أن يُفرض أو ستفرضه الأحداث علينا. فأن نختار سُبلنا أقل خطراً بكثير من أن نترك الآخرين من الامريكيين والأوربيين والأمم المتحدة ربما قريبا يفرضون ما شاؤوا منها علينا عندما يحدون في ذلك وسيلة لتحقيق مآرب ومصالح خاصة بهم. فهل كان ينبغي على الدول العربية المعتبرة متوسطية أن تنتظر بدء المفاوضات مع الدول الصناعية من أجل الشراكة وجذب الاستثمارات حتى ننتبه إلى الحالة المتردية لاقتصادنا وتدرك أهمية تغيير سياساتنا الاقتصادية وبلورة برنامج الاصلاح الاقتصادي وتحرير الاقتصاد والاندماج في السوق العالمية؟

 

وهل ينبغي أن ننتظر حتى يفرض علينا التكتل الدولي تغيير نظمنا السياسية باسم محاربة الارهاب أو ضبطه كما يفرضونه اليوم على السلطة الوطنية الفلسطينية علنا, وهذه سابقة ينبغي أن تحثنا على التفكير, حتى نشرع في التخلص من مظاهر الحكم التعسفي والسيطرة بالقوة العسكرية وممارسة الاعتقالات اللاقانونية ومحاكمة المختلفين في الرأي في معظم البلاد العربية؟ وهل ينبغي أن ننتظر حتى تعلن الكتلة الدولية الصناعية نفسها وصية على ممارسة الحريات وحماية حقوق الانسان في بلداننا, وهي تهم بعمل ذلك ولن يتأخر كثيرا, أم نبدأ التفكير منذ الأن, بشكل عقلاني وبحس تاريخي، ومن منطلق المسؤولية الوطنية, بتغيير سلوكنا. وبذلك نضمن لشعبنا الاستمرار والاستقرار، ونجنبه مخاطر المواجهات الدامية الداخلية ومخاطر الاعتداءات الخارجية. أعتقد أن هدا ممكن وأنه أفضل بكثير من أن نسلّم قدرنا للتاريخ وننتظر ما يأتينا به المستقبل والدول الكبرى.


ما هو الطريق الأسهل والأسلم الى ذلك بالنسبة لنا ؟
إذا آمنت جميع القوى، داخل النظم العربية وخارجها، بحتمية الانتقال نحو صيغ أكثر تفتحا وانفتاحا على مواطنيها وأكثر استعدادا لبناء أطر التعاون والتفاهم والتضامن بين جميع أبناء الوطن الواحد يكون جزء كبير من المهمة قد تحقق. فلا يعني التحول الديمقراطي في النهاية شيئا سوى القبول بالتعددية واحترام الآخر وضمان الحقوق والواجبات المتساوية للجميع, أي سوى القبول بالعدالة التي تتفق والحديث الشريف الذي يجعل من الناس سواسية كأسنان المشط. والواقع أنه لم يعد هناك في العالم العربي والعالم أجمع من يناقش في شرعية الديكتاتورية أو السلطة المطلقة أو النظام الشمولي أو نظام الحزب الواحد كما كان الحال في القرن الماضي في زمن الفاشية والنازية والشيوعية. والجميع يؤمن بأن دولة القانون واحترام الانسان وحقوقه وحرياته هي مقياس التقدم في المجتمعات جميعا وان الوصول إليها، ولو اتخذ اشكالا ودروبا مختلفة، يشكل الهدف الأسمى لكل الشعوب. وهي بالتالي الغاية الأولى لكل النظم السياسية الشرعية أي التي تريد أن تبنى نفسها على القبول العام وليس على العنف والاصطفاء العرقي أو الاجتماعي. ولم يعد هناك في العالم العربي من لا يؤمن من المثقفين والسياسيين والصناعيين وجميع أبناء الطبقات الوسطى المستقلين بأن نظام الحرية والتعددية السياسية والفكرية هو وحده الذي يتماشى مع المصالح الوطنية للمجتمعات العربية. وهو وحده الذي يفتح الطريق أمام تجديد الحياة السياسية وإعادة بناء القوى الاجتماعية المفتتة وإقامة النظم الشرعية والمستقرة المعتمدة على دعم الجمهور وتأييده وتعاونه لا على قوة القهر وعسف الأجهزة الأمنية. وسواء أطلقنا على هذا النظام اسم الديمقراطية أو الشورية فلم تعد تجد اليوم العودة إلى نقاشات الماضي لمعرفة مواءمة هذا النظام الجديد للمجتمعات العربية أو للقيم والتقاليد الاسلامية ولكن المهم هو البحث والتعمق أكثر في أنجع الطرق لتحقيق دولة الحق والقانون والعدل وللوصول إلى نظم الحرية والمشاركة الجماعية.