نظام الأسد انحل ولم يعد له وجود

2018-03-15 :: الجزيرة

قال الأكاديمي والمفكر السوري، والرئيس السابق للمجلس الوطني السوري الدكتور برهان غليون في سياق قراءته للأزمة السورية التي دخلت عامها الثامن، إنه لا حل نهائيا يلوح في الأفق، واعتبر أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد قد انحل ولم يعد له وجود.

وأكد غليون أن سوريا اليوم باتت محتلة ومسرحا لتصفية الحسابات بين الدول الكبرى والقوى الإقليمية، ورأى أن السنوات السبع الأخيرة لم تشهد مفاوضات حقيقية، وإنما قامت القوى الدولية باستغلال المباحثات من جنيف إلىأستانا لتمرير الحل العسكري وتصفية قوى الثورة والمجموعات المقاتلة.

وشدد على أنه لن يحصل أي اتفاق سياسي ما لم يرحل الرئيس السوري بشار الأسد، وتتم محاسبته عن الجرائم التي ارتكبها بحق شعبه وبلده، وذلك في حوار مع الجزيرة نت.

وفي ما يلي نص الحوار:

في الذكرى السابعة لاندلاع شرارة الثورة السورية، يبدو المشهد كأنه عود على بدء؛ نظام دموي يبيد شعبه، ومعارضة منقسمة، ومجتمع دولي متفرج.. إلى أين تمضي الثورة السورية في رأيك؟ وهل باتت في نزعها الأخير؟

لم تعد المسألة في نظري مسألة ثورة ونظام؛ إنها اليوم مسألة وجود سوريا نفسها في ما وراء الثورة والنظام. ما يمكن أن نقوله في هذا المجال هو أن سوريا لن تعود وتبعث من موتها ما لم تتحقق أهداف الثورة السورية أو الأساسي منها، وفي مقدمة ذلك تفكيك النظام الذي يعتبر المسؤول الأول عن موتها وتدميرها وتشريد شعبها، لا لهدف سوى الاستمرار في حكمها ونهبها واستعباد سكانها.

الثورة ليست المعارضة السياسية الضعيفة، ولا الفصائل المقاتلة التي لم تعرف كيف توحد نفسها وتنظم جهودها لتحقيق الانتصار العسكري الذي كان في متناول اليد، ولكنها الشعلة التي تنير اليوم بمبادئها وقيم الحرية والكرامة التي حملتها، قلب وروح كل سوري وعقله. الثورة لا تنهزم، ولكنها تتحول إلى خميرة لتحولات عميقة لا تقوم المجتمعات من رميمها إلا بتحقيقها؛ فمن المستحيل أن يكون بعدها مثل ما كان قبلها.

من يعيش نزعه الأخير، بل نهايته الحتمية، وهذا ليس كلاما إنشائيا، هو النظام الذي تحول من سلطة متماهية مع الدولة، هو والمافيات الملتفة حوله، إلى فريق من المرتزقة، مثله مثل المجموعات الأخرى، مجند في خدمة أهداف الدول المحتلة التي لم تأت لإنقاذه، كما صرح أحد مسؤوليها الإيرانيين، وإنما لتجنيده في مشاريعهم الطائفية والجيوسياسية.

هل تعتقد بأن ميزان القوى أصبح محسوما لصالح النظام بشكل نهائي، أم أن هناك جولات أخرى، قد تستعيد فيها المعارضة المسلحة أنفاسها من جديد؟

ميزان القوى لم يحسم لصالح النظام ولا لصالح المعارضة ولا لصالح أي سوري؛ سوريا اليوم هي مسرح لتصفية الحسابات بين الدول الكبرى والقوى الإقليمية. كل ما عدا ذلك، خاصة تصريحات النصر من أي جانب سوري، هوتغذية للأوهام. لا يمكن لنظام ولا لمعارضة أن يربحا شيئا عندما تحتل البلاد وتضيع وتتفكك الدولة وتتحول إلى أداة لضمان مناطق النفوذ لمحتليها.

هل ترى أن المعارضة السورية فشلت في فرض نفسها كبديل سياسي يمكن الوثوق فيه أمام المجتمع الدولي، كما أنها فقدت الحاضنة الشعبية، وبالتالي باتت مصداقيتها ووجودها على المحك؟

بالتأكيد، تماما كما فشل الروس والإيرانيون في فرض ما تبقى من حثالات النظام بديلا موثوقا فيه من المجتمع الدولي والرأي العام السوري، حتى الموالي سابقا، أيضا.

 ما أبرز الأخطاء التي ارتكبتها المعارضة؟ وما أهم العوامل التي استغلها النظام السوري للعودة من جديد بعد أن كان على شفا الانهيار؟

النظام ليس على شفا الانهيار، ولكنه انحل كليا في جسد قوى الاحتلال ومليشياته، وأصبح جزءا من آلة الاحتلال الروسي والإيراني، أما أخطاء المعارضة فهي كامنة في تشتتها وانقسامها.

هل تعتقد بأن القيادة الجديدة في السعودية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان قد تتخلى عن مطالب المعارضة وتضغط عليها بقبول نظام الأسد؟

لم يعد موقف العرب مهما اليوم في حسم المعركة الدولية والإقليمية في سوريا. العرب جميعا قرروا أن يضعوا أنفسهم خارج المنافسة والصراع، وتركوا سوريا تغرق بدمائها من دون إدراك لمغزى ذلك بالنسبة لأمنهم الوطني والإقليمي أيضا.

ما رأيك في محادثات أستانا وجنيف التي لم تصل لأية نتيجة حتى الساعة؟ أليس الهدف منها فرض الحل الروسي والإيراني، المتمثل في حكومة وحدة وطنية كحد أقصى في سقف مطالب المعارضة، وليس رحيل نظام الأسد؟

لم تحصل مفاوضات على الإطلاق منذ سبع سنوات؛ لكن المفاوضات استخدمت غلالة لتمرير الحل العسكري وتصفية قوى الثورة والمجموعات المقاتلة، كانت جزءا من عُدة الحرب لا جزءا من السلام ولا معبرا له.

ألا تعتقد بأن هناك رغبة دولية في إدامة الصراع في سوريا، بهدف تقاسم النفوذ والمناطق، وبالتالي يتم استخدام الملف السوري كورقة رابحة للتفاوض بين هذه الأطراف حول ملفات دولية أخرى؟

هذا هو بالضبط ما يجري.

ما قراءتك للموقف الأميركي من الملف السوري في عهد الرئيس دونالد ترمب؟

لا سوريا ولا مصير شعبها يعنيان شيئا لدونالد ترمب؛ ما يعنيه هو ما يمكن للصراع في سوريا أن يحققه من مصالح للولايات المتحدة، سواء في إعادة التموضع في المشرق، بعد اضطرار واشنطن إلى انسحاب كبير من العراق، أو في عدم السماح للروس بأن ينتزعوا الهيمنة في المنطقة أو بيع السلاح ومنافسة موسكو على سوقه.

ما رأيك في الموقف الفرنسي تجاه الملف السوري في عهد إيمانويل ماكرون؟

لا جديد؛ أوروبا بأكملها -ومنها فرنسا- أخرجت نفسها من المنافسة الفعلية في المشرق لالتحاقها بالولايات المتحدة، ولم يعد لها لا وزن ولا كلمة مهمة في الصراع الدائر، اللهم إلا القليل على الصعيد الدبلوماسي.

كيف تقرأ التدخل التركي في سوريا ضد الأكراد، وهل هو مبرر؟

هو انتهاك للسيادة السورية، وتأكيد لخروج مصير البلاد من يد شعبها. جميعنا نشارك في المسؤولية عما يحصل في عفرين؛ الطغمة الحاكمة التي قررت إحراق البلد أو بقاء الأسد، وبعض أطراف المعارضة الكردية التي استعجلت بناء شبه دولة كردية في شمال سوريا باسم الفدرالية والإدارة الذاتية، واعتقدت أنها تملك من القوة والإرادة ما يمكنها من انتزاع منطقة نفوذ لنفسها، مثلها مثل الدول الأجنبية الأخرى، وبعض أطراف المعارضة السورية التي فقدت أجندتها الخاصة، وقبلت العمل على أجندة خارجية.

 هل يمكن القول إن الأطراف الدولية -خاصة الولايات المتحدة- نجحت في إيقاع تركيا في مستنقع سوريا من أجل استنزافها وتحييدها كقوة على الساحة الإقليمية؟

ليس للولايات المتحدة مصلحة في تحييد تركيا، حتى لو اختلفت معها في بعض القضايا السياسية في سوريا وغيرها؛ تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، وقوة عسكرية مهمة، وموقع إستراتيجي استثنائي، لا مصلحة لواشنطن، في سياق عودة الحرب الباردة أو شكل منها، في الوقت الحاضر، بالتخلي عنها ولا بتحطيمها. وليس لواشنطن مصلحة بترك تركيا تنحاز لروسيا كما تهدد إسطنبول اليوم؛ حسابات بعض الأحزاب الكردية كانت خاطئة هنا أيضا.

هل يمكن أن تتحول سوريا إلى ساحة مواجهة عسكرية بين القوى الدولية والإقليمية، خاصة بعدما حذرت موسكو واشنطن قبل أيام من مغبة استهداف قواتها في سوريا؟

هي كذلك منذ ست سنوات عندما تدخلت طهران بشكل مباشر عن طريق مليشياتها الطائفية في الحرب، وأصبح الوضع أكثر وضوحا مع دخول روسيا العسكري واسع النطاق واستخدامها سوريا حقل تجارب لأسلحتها الجديدة.

سوريا المستقبل كيف تراها، وما شكلها؟

إما أن تكون دولة ديمقراطية ودولة قانون تجعل غاية وجودها تحقيق العدالة والمساواة والارتقاء بشروط حياة أبنائها جميعا وحمايتهم وضمان أمنهم وحرياتهم وكرامتهم وسيادتهم على بلدهم ومصيرهم، أي أن تكون وطنا، أو تبقى حطاما كما هي عليه اليوم يتصارع على أشلائها ومواردها أعداؤها. لكنها لن تتحول ثانية، مهما كانت الحال وفي أية ظروف إلى مزرعة إقطاعية وإمارة خاصة للأسد ولا لأي إقطاعي دعي، كما كانت أبدا.

هل سيقبل الدكتور برهان غليون لعب دور سياسي في حال التوصل إلى اتفاق يستثني رحيل نظام الأسد؟

لن يحصل أي اتفاق سياسي ما لم يرحل الأسد وتُقَر مسؤوليته ومحاسبته عن الجرائم التي ارتكبها بحق شعبه وبلده، ولست على استعداد لمقايضة موقعي العلمي والفكري الذي هو عنوان حريتي واستقلالي السياسي، بموقع سياسي مهما كان شكله، لكنني سأظل كما كنت دائما إلى جانب الشعب، وفيا لندائه، ومنافحا عن حقه الذي لا يمكن المساومة عليه في الكرامة والحرية، والذي لم يوفر من أجل استرداده لا حياة أبنائه ولا دمه. صون الكرامة هو صون لإنسانية الإنسان، من دونها لا شيء يستحق الحياة، ولا يمكن أن تستبدل بشيء ولا تعوض بثمن.

المصدر : الجزيرة
حاوره: هشام أبو مريم-باريس
http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2018/3/16/%D8%BA%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%86%D8%AD%D9%84-%D9%88%D9%84%D9%85-%D9%8A%D8%B9%D8%AF-%D9%84%D9%87-%D9%88%D8%AC%D9%88%D8%AF