لقاء جسر حول قضايا الساعة: “سيزر”، السويداء، الأكراد وخيارات نظام الأسد

2020-06-09 :: جسر برس

١-نبدأ بالوضع الأكثر إلحاحاً، وهو الانهيار الاقتصادي في مجمل سوريا، خاصة الواقعة تحت سيطر نظام الأسد، وذلك على الرغم من عدم البدء بتنفيذ قانون قيصر، ما هو السياق التاريخي لهذا الأنهيار، وما هو افقه السياسي وعقابيله الاجتماعية المحتملة؟

من الواضح ان قانون قيصر قد جاء بعد تسع سنوات من محاولات المجتمع الدولي اليائسة لوضع حد للمأساة السورية وبدء مرحلة جديدة تنهي الحكم الدموي لبشار الاسد وبطانته المافيوية. والهدف منه وضع الاسد، الرافض دائما للخروج من السلطة، بعد ان دمر فرص اي حل وسط، أمام خيارين: البدء بترتيب رحيله مع الممثل الشخصي لبوتين، الذي عين في منصب ما يشبه الوصاية على قاصر، أو التردد والانتظار حتى يسقط تحت ضربات اقدام وأحذية الجائعين والمشردين في بلد جفت فيه كل منابع الحياة والأمل. وما نشهده اليوم هو جزء تمهيدي من مفاعيل أو تفاعلات قانون قيصر، أي هو من آثار الاعلان عن بداية تطبيقه القريبة. وربما ينهار الوضع الاقتصادي تماما وتخرج الناس الى الشوارع مطالبة برحيل "بطل" هذه المأساة الدموية غير المسبوقة في التاريخ قبل ان يصار الى تطبيقه عمليا. وكل ذلك، أي ما نعيشه ونشهده الآن، يقع في إطار انهاء اسطورة الأسد السوداوية ونظامه الكابوسي.

٢- انطلقت في السويداء مؤخراً حركة احتجاجية عالية السقف، كيف تنظر إلى الظاهرة في سياقها السوري، وفي سياق ما سعى إليه النظام من خلال اصطناع "حلف الأقليات"، وما توقعاتك المستقبلية حيال هذا الحراك، وحراكات أخرى قد تنشأ على خلفية تدهور حال نظام الأسد؟

قلت في احاديث سابقة ان الثورة قد انتصرت في الوقت ذاته الذي نجحت فيه في الاستمرار وتحدي نظام القهر الاسدي، لان نزول الشعب الى الساحات والشوارع كان لوحده، بصرف النظر عما حصل فيما بعد وما يمكن ان يحصل، تجسيدا لانكسار  سيف الترويع والارهاب الذي اقام عليه الاسد سلطته من خارج السياسة وبدفنها. بمعنى آخر كانت الثورة والتظاهرات الشعبية الحاشدة المخاض الذي اعلن عن ولادة الشعب كقوة مستقلة وحرة وقادرة على الفعل. ومنذ ذلك الوقت ولدت السياسة من جديد، وتغيرت معادلة القوة، ولم تعد هناك سلطة مطلقة واحدة تفرض إرادتها بقوة السلاح وأجهزة القمع وإنما برزت في مواجهتها قوة جديدة ثانية غيرت قواعد اللعبة السياسية الى الأبد. 

منذ الآن تشكل الاحتجاجات الشعبية والتظاهرات والمسيرات لغة الشعب السياسية الأولى والأساسية في مواجهة اي سلطة، وللتعبير عن إرادة الجمهور الحرة التي قامت الديكتاتورية الدموية على إلغائها. وهذه هي في الواقع، حتى الآن على الأقل، الثمرة الوحيدة الناضجة للربيع العربي بأكمله. دخول الشعب إلى المسرح واكتشافه لغة السياسية، الابسط والأوضح والاقوى معا، أي التظاهرات الحاشدة، للتعبير عن إرادته الطالعة من تحت الارض. ومنذ الآن ولفترة طويلة قادمة ستكون هذه التظاهرات الجماعية والمسيرات الحاشدة مصطلحات السياسة الأقوى تعبيرا عن التغيير الذي احدثته الثورة، وبشكل ما عن استمرارها ايضا عبر قنوات النضالات السياسية المدوية. وعلى جميع من يتطلع الى العمل السياسي في سورية المستقبل، وفي بلاد العرب جميعا، بعد اليوم، ان يتعلم الانصات الى أنغام هذه التظاهرات والحشود ووقع اقدام صناعها. فهنا تكمن السياسة ومن هنا سيولد المستقبل. ستظل الشعوب تقاتل بأقدامها حتى تحقيق جل مطالبها، بصرف النظر عن طبيعتها اكانت مطالب سياسية او اجتماعية او اقتصادية.

٣-وقعت مؤخراً على بيان يرفض انفراد قوات سوريا الديمقراطية بتقرير مصير ومستقبل الجزيرة السورية من خلال اقتسام السلطة والثروات بين أحزاب كردية مختلفة ووضع مبادئ دائمة للعملية صنع القرار تستثنى منها بقية مكونات الشعب السوري، ما هي برأيك الطريقة الأفضل للتعامل مع القضية الكردية في سوريا

الكرد جزء لا يتجزأ من الشعب السوري، وضمهم الى مسيرة التغيير الثوري المنشود، والقادم لا محالة  مهمة رئيسية ايضا، تقع على عاتقنا وعاتق أي وطني سوري، بصرف النظر عن الخلافات التي برزت او يمكن ان تبرز مع بعض التشكيلات السياسية الحزبية او الحركات او التيارات القومية المتشددة هنا وهناك. وكما ان علينا ان نتفهم تطلعات الكرد القومية عموما، اعني في سورية وغيرها من بلدان الجوار، علينا ايضا ان نصارح الكرد فيما يمكن للسوريين ان يقدموه من مساعدة لهم وما لا يمكنهم فعله. وكما قلت في محادثاتي مع بعض ممثلي احزابهم إن الحل العادل للقضية الكردية العامة هو اقامة دولتهم القومية الواحدة التي تعبر عن هويتهم وإرادتهم الجماعية. لكن ليس بإمكان سورية والسوريين أن يجعلوا من تحقيق هذا الهدف أجندا سياسة وطنية سورية او أن يشاركوا فيها في الوقت الذي تتعرض سورية نفسها لانتهاك صارخ لسيادتها وتقاوم، كالعين في مواجهة المخرز، قوى الاحتلال المتعدد، وتكافح من أجل وحدتها واستقلالها وحرية شعبها. كما انني لا اعتقد ان كرد سورية قادرين ان يحملوا عبء القضية القومية الكردية بأكملها كما يحاول بعضهم ان يفعل الآن، لأن ذلك سيكبدهم خسائر لا طاقة لهم بها من دون ان يكون هناك في المقابل اي أمل بتحقيق تقدم مهما كان. 

ما تستطيع أن تقدمه سورية الحرة، القادمة لا محالة، هو حل عادل للقضية الكردية السورية، أي لمواطنيها الكرد السوريين، سواء برفع الغبن الذي كان واقعا عليهم، كما كان عليه الحال، في الواقع، على كل سكان المحافظات الشرقية، أو بتحقيق أمانيهم في ان يكون لهم حكم محلي ذاتي في المناطق التي يشكل فيها الناطقون بالكردية اكثرية بين السكان، بحيث يمكنهم إدارة شؤونهم وتعليم لغتهم والتفاعل مع ابناء جلدتهم. 

وترجمة هذا الحل في سياق العمل المشترك بين جميع السوريين للخروج من المحرقة واعادة بناء سورية ديمقراطية تعددية هو ان يميز الكرد بين القضية الكردية التي تعنى بمصير كرد سورية وقضية الإدارة الذاتية الحالية التي تغطي مناطق واسعة ليس ولا يمكن للكرد السوريين ان يكون لهم طموحات لضمها الى مناطقهم الذاتية. فالحل العادل الذي يضمن حقوق الكرد هو نفسه الذي ينبغي ان يضمن ايضا حقوق القوميات والجماعات الوطنية الأخرى. بمعنى آخر مثلما يتوجب على السوريين الاعتراف بحقوق الكرد كمجموعة قومية متميزة في سورية على الكرد السوريين ان يعترفوا ايضا بحقوق المجموعات الأخرى. وفي هذه الحالة لا يمكن اعتبار الوضع الراهن الناجم عن ازمة الدولة السورية حلا نهائيا ينبغي تكريسه وانما هو تعبير عن سلطة امر واقع ينتهي مفعولها حالما تستعيد سورية سيادتها ويقرر الشعب السوري كشعب واحد مصيره، عبر مؤسساتها الشرعية التي يقرها باجتماع كلمة  أطيافه القومية والدينية والمذهبية والمناطقية كافة، ويحدد شكل الدولة التي يريد انشاءها، مركزية او شبه مركزية او اتحادية أو فدرالية. هذا حقه وهو صاحب قراره، ولا يمكن لأحد، جماعة او دولة اجنبية، ان ينتزعه منه أو يتخذه مسبقا بدله. 

مستقبل الكرد يحسمه الكرد انفسهم اما مستقبل سورية والسوريين فحسمه من حق السوريين جميعهم.

سؤال اخير دكتور: ٨- قال جيفري يوم أمس أن واشنطن قدمت عرضا لبشار الأسد للخروج من الأزمة الحالية.. ماهو بتقديرك هذا العرض؟ وهل سيقبل النظام به لتخفيف عقابيل الضغط الاميركي على الشعب السوري؟

ليس لدي اي فكرة عن هذا العرض. لكنني اتوقع انه يحمل تطمينات للاسد اذا قبل التخلي عن الحكم والرحيل الارادي. لكنني لا اعتقد ان الأسد يمكن ان يثق بأحد بعد ما ارتكبه من جرائم لم يسبق لحاكم ان ارتكبها من قبل، في التاريخ. حصل ان دمرت جيوش الغزاة بلادا اجنبية لضمها اليها، لكن لم يحصل ان دمر حاكم بلاده على رؤوس سكانها. حتى المحتلين لم يفعلوا ذلك. 

أعتقد أننا مقبلين على أحداث جسام، وأن ما بدأ بكارثة، أعني الحرب على الشعب للابقاء على النظام لن ينتهي إلا بكارثة ثانية هذه المرة بخصوص النظام نفسه. سيدرك العالم الذي تعامل مع بشار الأسد حسب فرضية الضغط عليه من اجل الاصلاح، ثم من اجل تعديل سياساته، أنه ليس أمام شخص قادر على المحاكمة العقلانية والأخذ والرد وتبادل المصالح وإنما امام كتلة صلدة من الغرائز والأهواء والغرور والحمق لا تترك لصاحبها إلا منطق رد الفعل والعناد والانكار. ومع ذلك ادعو واتمنى وارجو ان أكون مخطئا وأن ينجح بشار في التغلب على مخاوفه واوهامه واحقاده ويقبل بالعرض الروسي او الأمريكي أو من يشاء، ويقرر أن يكتب فصل الختام بأقل ما يمكن من الدماء.