صحيفة حبر تحاور الدكتور برهان غليون حول اللجنة الدستورية

2019-11-04 :: صحيفة حبر

  |تتجه الأنظار إلى جنيف حيث تجتمع الوفود الممثلة للشعب السوري سواء من النظام أو المعارضة أو المجتمع المدني لتسنّ دستوراً لسورية يؤمل منه أن يكون استجابة لمطالب السوريين.

صحيفة حبر التقت المفكر السوري الدكتور برهان غليون للحديث عن اللجنة الدستورية فكان الحوار الآتي:

د. برهان غليون هل من الممكن أن تحدثونا عن نظرتكم إلى اجتماعات اللجنة الدستورية؟

من المؤسف أن ينتهي كفاح شعب كامل من أجل تغيير شروط حياته وتغيير الحكم التعسفي الذي كلف الحفاظ عليه من قبل طهران وموسكو أكثر من مليون شهيد وضعفهم من الجرحى وملايين اللاجئين والنازحين والمشردين، وأن يترك تقرير مصيره، إلى لجنة تشكلت تحت إشراف وسيط دولي يبحث عن نجاح بأي ثمن، وبغالبية من الأعضاء المكفولين إلى جانب لنظام القائم، وبكفاءات محدودة، وانعدام أي صفة تمثيلية لهم، أي بتغييب الشعب، في قطاعاته الثائرة وفي قطاعاته الموالية معا. والمحزن أكثر أن هذا يجري في الوقت الذي أصبح فيه شعار “كلن يعني كلن” وإزاحة الطبقة السياسية كاملة عن الحياة السياسية، الشعار الرئيسي في انتفاضات العراق ولبنان والجزائر وهو ما حصل من قبل في تونس ثم في السودان.

واضح أن المسألة السورية أصبحت مسألة إقليمية ودولية ولم يعد للشعب السوري أي دور في تقرير مصيره بسبب هذه التدخلات. وما كان لهذه اللجنة إلا أن تعكس هذا الواقع وبمقدار قوة نفوذ هذه الأطراف الدولية. لكن على أولئك الذين قبلوا بأن يعملوا على هامش أجندا الاحتلالات المتعددة وتحت جناح هذه الدول، بما فيهم ممثلي النظام القاتل، أن يدركوا ان أي مسودة دستور ستخرج من بين أيديهم يمكن أن تكلف سورية غاليا وتجعلها دائما تحت وصاية الدول الراعية للجنة والمتحكمة بتكوينها وترهن مستقبل تطورها السياسي باتفاقيات ذات شرعية دولية تحرم الشعب من إمكانية التغيير المنشود ليس الآن فحسب وإنما في المستقبل أيضا. عليهم ان يرفضوا أن يكونوا شهود زور على تزوير إرادة شعبهم، وان يعطوا لانفسهم الحق في أن يكونوا بديلا لجمعية تأسيسية سورية سيدة لا تعمل تحت ضغط الدول الأجنبية المتنافسة على مناطق النفوذ في بلادهم، وأن يكتفوا في أسوأ الأحوال بالبحث في إعلان دستوري موقت يمهد لانتقال سياسي إذا كانت هناك فعلا فرصة لمثل هذا الانتقال، ويتركوا امر الدستور للشعب السوري الذي ينبغي أن يصوغه في شروط سليمة ليكون وثيقة لإعادة بناء سورية وطنا وشعبا لا لتعميق جرحها وإغلاقه على فساد ووهن.

وكيف يمكن أن تنعكس  اللجنة الدستورية على وضع إدلب وشرق الفرات؟

كما هو واضح لم يكن البدء بإطلاق اللجنة سوى نتيجة للتوصل إلى ما يشبه تسوية مؤقتة أو إذا شئت تهدئة على الجبهتين بعد ان تحقق الفصل بين تركيا وقسد في الشرق وتركيا والنظام في الغرب. الاحتمال الأكبر أن تبقى الأمور على حالها خلال الفترة القادمة حتى يمكن تشغيل الجبهات في إطار الضغوط المطلوبة اثناء صياغة اللجنة الدستورية أيضا.

هل ترى أن الأعضاء الذين تم انتخابهم في اللجنة قادرون على تحقيق مطالب الشعب السوري؟

من دون التقليل من أهميتهم وقدراتهم هذا سيكون من المعجزات. فكما ذكرت لا تتمتع اللجنة الراهنة بأي قوة سياسية أو معنوية فقد ولدت نتيجة ضغوط دولية متبادلة فرضها الروس الأكثر نفوذا اليوم في سورية المحتلة على جميع الأطراف، وليست لها أي صفة تمثيلية، ولا يتمع أعضاؤها بأي شعبية أو صدقية أخلاقية استثنائية. ولا يمكن للجنة هدفها الأول إجهاض عملية الانتقال السياسي، وحرمان الشعب السوري من تحقيق أهدافه الرئيسية في الخلاص من نظام إجرامي وقاتل، أن تعمل بصدق ونزاهة، وأن يقود عملها إلى تحقيق مطالب الشعب السوري. لقد خرج هذا الشعب، كما هو الحال في الأقطار العربية الأخرى، لينتهي من ظلم نظام جائر وقهره وتنكيله بالسوريين فردا فردا، وإذا بحماته من الروس والإيرانيين يفرضون عليه مسارا دبلوماسيا يقود تحت تهديد السلاح إلى إعادة تأهيله أو استبداله بنظام لا يقل عنه إنكارا لحقوق الشعب السوري وانتقاصا من حريته وسيادته واستقلاله.

وهل يمكن أن تكون بوابة للحل السياسي أو على الأقل انتخابات عادلة؟

لن تكون في نظري بوابة لأي حل. اللجنة الدستورية تشكلت كي تعطي الوهم بان هناك بداية مصالحة سورية سورية، من دون إعطاء أي أهمية لهذه المصالحة وحقيقتها، من أجل أن تتمكن روسيا صاحبة المشروع من أن تضغط على الدول الغربية أو تقنعها للمساهمة في إعادة الإعمار وإنقاذ النظام من الإفلاس، ولا أنكر أيضا أن هذه الدول الأوروبية والعربية التي لم تعد ترى في سورية سوى ما يهمها من قضايا اللجوء والإرهاب، أصبحت مستعدة للقبول بأي حل بما في ذلك عودة حكم السفاح الأسد للخلاص من المخاوف والتهديدات المحتملة، وتفتح طاقة للحديث عن عودة ال”سلام” حتى تخفي مسؤولياتها عن الحرب وتجعل الكارثة التي ساهمت فيها بسياساتها وانحيازها ضد الشعب السوري وحريته وراء ظهرها.

يراد لوثيقة الدستور التي ستخرج عن هذه اللجنة أن تكون كفنا لثورة الحرية والكرامة السورية ومدفنا لمطالب شعب سورية العظيم وحقوقه التي لا يمكن التنازل عنها. وهذا ما لم ولن تستطيع هذه اللجنة الدستورية المزورة أن مهما كانت نتيجة أعمالها، وصيغة الدستور التي ستتفق عليها.