إيران أكثر المستثمرين في الحرب ضد الثورة السورية

2016-12-20 :: رصد سوريا

أنس الخطيب – رصد سوريا 


تتسارع الأحداث المتعلقة بالشأن السوري وتشعباته في المنطقة، بدءاً من الكارثة الإنسانية في حلب وانتهاء باغتيال السفير الروسي في تركيا في وقت تتحضر فيه إيران وروسيا وتركيا لعقد اجتماع عالي المستوى لبحث الحل في سوريا، وأيضاً بالتزامن مع تمرير روسيا لقرار إرسال مراقبين دوليين إلى حلب وإعلان الأمم المتحدة عن موعد لبدء جولة جديدة من المفاوضات السورية في جنيف في شباط القادم.

وفي حديث خاص لـ “رصد سوريا” قال استاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون الدكتور “برهان غليون” رئيس المجلس الوطني السوري الأسبق إن “من الواضح أن موسكو هي التي تتصدر قيادة العمل العسكري والسياسي في سورية، وأنها تتصرف، بموافقة الدول الكبرى والغرب عموماً على أن لديها انتداب الأمر الواقع على سورية”.

وأضاف “غليون”: “وبعكس طهران التي تريد ان تحول سقوط حلب إلى فرصة للانقلاب على الجميع وتحويل سورية إلى عراق ثانية تتحكم بها ميليشياتها وحرسها الثوري، تريد موسكو أن تستخدم سقوط حلب لفتح باب تسوية سياسية تتماشى مع تصورها الذي عبرت عنه أكثر من مرة في السابق، أعني مرحلة انتقالية مع الأسد ولكن بمشاركة المعارضة ومع تغيير تدريجي في الدستور وطبيعة الحكم، وتتفق مع مصالحها في ترسيخ وجودها ليس في سورية فحسب وإنما في المشرق والشرق الأوسط كله بوصفها قوة استقرار وأمن وسلام دولية”.

وأكد “غليون” أن روسيا تريد أن “ترث مكانة الولايات المتحدة الأمريكية وتحل محلها وبالمناسبة نفسها ترتقي بنفسها إلى مصاف الدولة العالمية الحضور كما كانت في العهد السوفييتي السابق. ولذلك أظهرت وتريد ان تظهر مرونة في التعامل في مجلس الأمن وقبلت بقرار مجلس الامن الجديد الذي يؤكد ضرورة وجود إشراف للأمم المتحدة على خروج المهجرين”.

وأردف قائلاً: “وفي هذا السياق تسعى موسكو أيضا أن تستفيد من فرصة سقوط حلب لفتح الباب أمام احتمال إعادة إطلاق مفاوضات سورية سياسية، يشكل وقف شامل لإطلاق النار محفزا كبيرا لها. وكل هذا لم يعد من الأمر السري فالصحافة تتحدث منذ ايام عن مشروع إطلاق المفاوضات في الاستانة عاصمة كازخستان بمشاركة النظام والمعارضة أو من يقبل منها”.

وأضاف “غليون”: “كما ذكرت يتعارض هذا المشروع السياسي الروسي لإيجاد مخرج للحرب السورية مع مخططات طهران بشكل قاطع. ولم يعد هناك سر في سعي ميليشياتها لتعطيل الاتفاق في حلب، على أمل تعطيل الخطط الروسية بأكملها. في السياق ذاته تلعب موسكو دورا”.

وعن الاجتماع الثلاثي الذي سيجمع إيران وروسيا وتركيا قال “غليون”: “ومن أجل إرضائها (إيران) قررت موسكو عقد اجتماع ثلاثي يجمع أنقرة وموسكو وطهران لتذليل مقاومتها، وتطمينها ربما على مصالحها أو ما تعتقد أنه مصالحها الحيوية في سورية”.

وعن ما تريده إيران في سوريا أوضح “غليون” أن “مشكلة طهران هي أنها الطرف الذي استثمر أكثر من أي طرف آخر في الحرب ضد الثورة السورية، وبذل المال والسلاح وخسر سياسياً وأخلاقياً كما لم تخسر أي دولة أخرى، هو الطرف الذي يفتقر أكثر من أي طرف آخر متورط في الحرب إلى قاعدة متينة لحفظ نفوذه وتوسيعه، ولذلك يشعر أن الدخول في المفاوضات الآن لن يخدمه ولكنه سينتزع الثمرة من فمه، وهو يفضل استمرار الحرب ويراهن على الفوضى التي يعتقد أنها ستسمح له بالزمن الضروري لبناء قواعد نفوذه سواء بتغيير البنية الديمغرافية والمذهبية جزئيا أو بالتحكم بمؤسسات الدولة وأجهزتها على مستوى أوسع. وفي اعتقادي أن طهران تراهن من أجل البقاء في سورية على تجنيد مجموعات مرتبطة بها تشكل ما يشبه الحركة الحوثية في اليمن، تعطل عمل الدولة وأي احتمال لإعادة قيامها وبنائها، مما يفتح أمامها امكانية العمل بهدوء وحرية على تغيير الوقائع الاجتماعية والديمغرافية والمذهبية”.

وبخصوص اغتيال السفير الروسي وإمكانية وجود دور للإيرانيين في العملية خاصة بعد التطورات الأخيرة في حلب وقدوم الإدارة الأمريكية الجديدة شدّد “غليون” على أنه “لا يمكن ألا يربط المرء محاولات طهران إفشال اتفاق حلب المستمرة باغتيال السفير الروسي في أنقرة. طهران أكثر من مضطربة ومنزعجة من الاتجاه الذي يريد الروس أن يعطوه لإسقاط حلب واستعادتها من المعارضة. خاصة وأنه لم يعد لديهم وقت طويل قبل أن تستلم الإدارة الأمريكية الجديدة الحكم، وهي إدارة تختلف تماما في توجهاتها عن إدارة أوباما التي سايرت إيران من ضمن مسايرتها لإسرائيل وضخمت من أحلامها وأوهامها بإمكانية التحول إلى قوة إقليمية رئيسية بل القوة الرئيسية في الشرق الأوسط. فتح المفاوضات السياسية لإيجاد حل للقضية السورية يهدد بتحويل جميع استثماراتها في الحرب السورية إلى لا شيء حتى لا يبقي من مغامرتها السورية سوى إفلاس سياسي وأخلاقي هائل”.

وبيّن “غليون” أن “هناك من دون شك تفاهم غربي روسي على تكليف روسيا بإيجاد حل للحرب السورية التي اصبحت مصدر رعب ومخاطر عديدة على الدول الغربية. وهذا ما يزيد من مخاوف طهران”،

 وأضاف: “باختصار ليس أمام طهران خيار آخر إذا أرادت أن لا تخسر رهاناتها أو معظمها سوى تعطيل أي مفاوضات أو حل سياسي وإذا أمكن، بعد أن أضعفت المعارضة السورية المسلحة، وإجبار روسيا على ترك سورية والمنطقة”.

وعما يمكن لإيران فعله لتحقيق ما تصبو إليه في مواجهة روسيا أوضح “غليون” أن “هناك ما يمكن لإيران فعله بالتأكيد، وهذا ما ستظهره الأيام القادمة حرب ايرانية جديدة ضد التسوية السورية التي تقودها موسكو. لكن لأنها لا يمكن أن تواجه روسيا مباشرة ولا أن تخسر صداقتها، سوف تتوجه على الأغلب نحو الصدام مع تركيا وتوريط أنقرة في أعمال واستفزازها حتى تدفعها إلى عمل يبرر تعطيل المفاوضات السياسية السورية –  السورية وترك الأوضاع كما هي في سورية والعراق والمشرق عموما، نهبا للفوضى التي تريد طهران أن تتصيد فيها والتي لا أمل لها بالتوسع وزيادة النفوذ من دونها”.

وعن إمكانية تطور الخلاف الروسي الإيراني الروسي في سوريا ليصل إلى فك التحالف بين الدولتين أوضح “غليون” أنه “ليس هناك اي مصلحة لإيران او روسيا في فك تحالفهما لكن هذا لا يعني انتفاء التنازع على الاولويات والمصالح بينهما. وهذا ما سنراه في سورية. وما تخشاه طهران لا علاقة له بروسيا كروسيا ولكن بمشروع روسيا في سورية. فمصلحة روسيا تقتضي التوصل الى حل سياسي للازمة يعيد لها صدقيتها الدولية ويعزز علاقاتها مع الغرب ودوّل الشرق الأوسط جميعا بِمَا فيها الخليج ولا مصلحة لها بالاصطفاف وراء إيران او الالتصاق بها”.

وبيّن “غليون” أن “هذا يتطلب منها ان لا تسمح لطهران بان تكون الرابح الاول او الأكبر في سورية وان تحد من اطماعها. في المقابل تطمح طهران الى ان تجعل من المواجهة في سورية انتصارا تاريخيا على العرب ودوّل المنطقة وتجعل من سورية غنيمة حرب تحتكر النفوذ والسيطرة الكاملة والقرار فيها لنفسها. سورية المحررة من شعبها الثائر ينبغي ان تكون في نظر طهران مقاطعة إيرانية لا يشاركها أحد في ادارتها والتحكم بمصيرها وتشييعها وإلحاقها بالعراق ولبنان كمحال نفوذ نهائي وخالص”.

وعن موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من إيران ودورها في المنطقة اعتبر “غليون” أن “التغير في الموقف الامريكي تجاه إيران هو الأكثر احتمالاً نظراً لشخصيات الإدارة الجديدة لترامب ومعظمها معادي بشدة لإيران حتى لو كان بعضها قريبا من موسكو. ولا يمكن لهذا الا ان يثير قلق طهران”.

وعما تردد في الآونة الأخيرة من أن روسيا تريد بناء نظام عالمي جديد غير النظام الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية أكد “غليون” أن “روسيا لا تستطيع ان تبني نظاما عالميا انطلاقا من سورية لكنها تطمح الى استخدام نجاحها في سورية عسكريا ضد الثورة وسياسيا في المساعدة على إيجاد حل للحرب فيها من اجل تعديل علاقة القوة مع الغرب وإعادة تأهيل دورها وموضعة نفسها كقوة او كقطب رئيسي في صياغة اجندة السياسة الدولية. وهي في طريقها الى ان تحقق ذلك إذا لم تحصل مفاجئات تُجهض مساعيها العسكرية والسياسية”.