أقول للسوريين خسرنا جولة لكننا لم نخسر الحرب ولا ينبغي ان نخسرها

2018-03-05 :: سورية تي في

 

د.برهان وأنت جالس الآن ونحن على أبواب السنة الثامنة للثورة السورية بماذا تفكر؟
غليون :
 أفكر في الكارثة الكبرى التي نعيشها في البلاد العربية وليس في سورية وحدها. كيف انتهى الأمر بأمة من 400 مليون إنسان، بما تملكه من تاريخ وحضارة عالمية وتراث انساني عظيم، إلى أن تتفتت كما هي عليه اليوم وأن يتحكم بها أجهل أبنائها، وأقلهم شعورا بالمسؤولية، وأكثرهم فسادا وانحطاطا سياسيا واخلاقيا معا.
بالنسبة لسورية، يعيد سؤالك إلى ذهني الرسالة التي وجهتها لشباب الثورة في نوفمبر تشرين2 2011 وقلت فيها "نحن على مفترق طرق. احد هذه الطرق يؤدي بنا الى الحرية والكرامة، واخر يؤدي بنا الى الهاوية والانجراف نحو حرب اهلية لم يكف النظام عن محاولة اشعالها ليجهض ثورتنا المباركة منذ أشهر. واجبنا في هذه اللحظات الحساسة ان لا ننجرف وراء مشاعر سلبية بغيضة  لن تجلب لنا الاالهزيمة والدمار « .
من الواضح أننا، مع العديد من الدول العربية التي شهدت انتفاضات شعبية من أجل تغيير شروط الحياة السياسية ومن ورائها الحياة الاجتماعية، قد سرنا نحو الهاوية. ولا نزال بعيدين عن أن نصل إلى نهايتها. وتعني الهاوية الحرب بكل انواعها، الأهلية والسياسية والاستعمارية،وبكل أبعادها الفكرية والدينية والديمغرافية والاقتصادية والعسكرية. والسبب في ذلك ان ائتلافا غير مسبوق بين قوى داخلية مستكلبة على السلطة وفاسدة وقوى أجنبية- إما طامعة في تحقيق مكاسب استراتيجية سريعة على حساب دمار مجتمعاتنا أو راغبة في تحييد شعبنا في المعادلة الاقليمية وتحطيم دولنا ومستقبل اجيالنا وحرماننا من امكانية التقدم والازدهار - قد تأسس في مواجهة الشعوب العربية الممزقة والمشتتة والمعزولة عن بعضها كما لو كانت في زنازين كبرى انفرادية.
كتابك بيان من أجل الديمقراطية، كتبته عام ١٩٧٨ واعتبر في حينها ثورة، وقد أعيدت طباعته خمس مرات وفي كل مرة كتبت مقدمة جديدة للطبعة، اليوم، إذا أردت كتابة مقدمة طبعة سادسة ماذا ستقول فيها؟
لم يكن الخيار الديمقراطي في نظري خيارا أخلاقيا يتعلق بتعميم روح الحرية والسيادة والاستقلال الفكري عند الفرد العربي فحسب، وإنما كان الخيار السياسي الوحيد لقطع الطريق على الانهيار الشامل، ونزع فتيل الحرب، بل الحروب الكامنة في أوضاع المشرق العربي المكلوم والمهدد بانفجار أكثر من لغم. وهي الألغام التي وضعتها النخب الحاكمة منذ نصف قرن بموازاة إخفاق تجربة التحرر الوطني، بما تعنيه من تحرر من التبعية وتكوين لدولة القانون، وإطلاق دينامية تنمية اقتصادية واجتماعية فعلية، في سبيل تقويض اي مقاومة أو حركة احتجاج أو ضغوط اجتماعية من أي نوع على الحاكمين لاجبارهم على احترام حقوق عموم الشعب ومنعهم من اختطاف الدولة وتحويلها إلى أداة لبسط سيطرتهم المطلقة، وتحويل البلاد إلى مزارع عبودية حقيقية تعيث فيها جميع الطفيليات الاجتماعية أعظم فساد.
بمعنى آخر لم يكن المطروح على مجتمعاتنا منذ بداية الثمانينيات الاختيار بين الديمقراطية والديكتاتورية كنظم حكم، فالديكتاتورية هي نفسها فقدت مقوماتها وشرعيتها وأصبحت أقرب إلى نظم الاحتلال والاغتصاب، ولم تعد ترد على أي حاجة من حاجات البناء المجتمعي. لقد كان الخيار بين فوضى تزداد تفاقما وتجر وراءها فساد الدولة وتجويف القانون، وهو ما عشناه قبل الثورة، ومبادرة لفتح حوار بناء بين الأطراف الاجتماعية لإعادة بناء النظام الاجتماعي، أي نظام. أي في العمق، الاختيار بين هدفين متناقضين تماما : إما تفكيك قنبلة الثورة القادمة وإعادة ترميم النظام الاجتماعي بفتح الحقل السياسي وقبول الحوار واللجوء إلى التفاوض البناء، والتسويات اللازمة والضرورية لحفظ التوازن والاستمرار في ادنى شكل للحياة السياسية والقانونية، أو الاستمرار في شحن المجتمعات وتوتيرها والنفخ في نار الاحقاد والتناقضات والاختلافات داخل اوساط المجتمعات ووضعها امام تحدي الموت أو الانتحار.
إن رفض الانتقال الديمقراطي المتفاوض عليه والمراهنة على الاخضاع الدموي للمجتمعات ونكران وجودها السياسي والاستثمار في التنكيل بها حتى الرمق الأخير ماكان يعني سوى الرهان على الحرب والذهاب مباشرة نحو الدمار والخراب.وهو الحل الذي لا يرحم أحدا اليوم، ولن يستفيد منه أحد. الأنانية المطلقة التي تعكس الروح البدائية التي تحرك الحاكمين، وتحرمهم من الأخذ بأي شكل من أشكال السياسة،التي هي قوام أي حكم، ومن دونها لا تقوم دولة ولا تتقدم أمة، ما كان يمكن إلا أن تحول الحاكمين إلى أكثر من أعداء لشعوبهم، وتقودهم إلى الهلاك مع من أرادوا لهم الهلاك، أي إلى الانتحار الجماعي.
فلم يعد التحدي الاكبر الذي نواجهه ليوم، بعد هذا الخراب، كما كان في بداية الثورة أو قبلها، تفكيك ازمة المجتمعات واعادة اصلاح النظام السياسي وقواعد ممارسة الحكم والسلطة، وإنما صار أكبر بكثير : إعادة بناء المجتمع نفسه الذي دمرته الحرب العلنية الوحشية والناعمة ومزقته أشلاء، وبناء الشعب والدولة والاقتصاد وكل شيء ووقف السقوط اكثر في الهاوية.
 
في كتابك المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات تقول: "ليست التعددية الدينية هي السبب في إضعاف الدولة القومية أو الوطنية، وإنما غياب الطابع الوطني والقومي الحقيقي لهذه الدولة".في سوريا على سبيل التحديد كانت المشكلة الأبرز وما زالت هي مسألة الهوية. اليوم وبعد حرب إبادة تعرض لها السورييون على يد الإيرانينن والروس تحت شعارات دينيية واضحة ومعلنة (إيران الرسمية أعلنت الجهاد في سوريا وروسيا البوتينينة أعلتنها حربا مقدسة). كيف نستطيع أن ننجو من فخ الانسياق إلى حرب طائفية في سوريا، وما السبيل إلى التفكير في إيجاد أرضية لهوية سورية جامعة بعد تلاشي مفهوم الوطن والمواطنة بشكل كامل.
 
 غليون
لا يوجد في سورية اي حرب طائفية بالرغم من الاستخدام الواسع للطائفية في تعبئة القوى والجماعات على مختلف الجبهات. الخلاف الأول كان على قواعد ممارسة السلطة واسلوبها، والتي انطوت بالتأكيد خلال العقود الماضية على تمييز طائفي واجتماعي وديني وقومي لصالح طبقة صغيرة فاسدة ومستبيحة لحقوق الجميع. لكن الصراع سياسي بالدرجة الأولى.
وقد ركبت على هذا الصراع السياسي لتغيير قواعد السلطة، وتحرير الشعب من حكم الاسد المؤبد، أطماع ونزاعات إقليمية ودولية كان الدافع لها بحث النظام نفسه عن حلفاء خارجيين وفتحه الأبواب امام التدخلات العسكرية الواسعة، والتي اتخذ بعضها شكل تدخلات طائفية علنية ومقصودة لاستثارة رد فعلي طائفي مقابل، والتغطية على الحرب السياسية ضد الديكتاتورية المنحطة إلى حكم استباحة كاملة بحرب طائفية مفروضة، تساوي بين الاطراف والضحايا، وتحرم الشعوب من شرعية نضالها ضد الاستبداد والتعسف والافقار. وهذا هو الهدف ايضا من دعم التنظميات المتطرفة الاسلاموية ومدها بالمال والسلاح.
أما في ما يتعلق باعادة بناء الوطنية السورية فالامر يتعلق بما إذا كان هناك حل سياسي للكارثة التي نتجت عن العدوان المتعدد الأطراف ضد الشعب أم لا. من المؤكد أنه اذا استمرت الحرب واصر النظام وحلفاؤه في موسكو وطهران على الحسم العسكري فلن يكون هناك أي أمل في استعادة سلطة الدولة ووحدة الشعب والبلاد. وربما كان هذا ما تسعى إليه طهران وبشكل متزايد الأطراف الدولية التي انتزعت مناطق للنفوذ خاصة بها وتريد الحفاظ عليها من خلال تغذية انقسام السوريين السياسي والطائفي والقومي.
لكن في حال نجحنا في قطع الطريق على الحل العسكري الذي يعني سحق الثورة ونشطائها من فصائل مسحلة وناشطين سياسيين ومدنيين فستكون تلك نقطة البداية لإعادة بناء العقد الوطني السوري وإرساء اسس دولة جديدة على قاعدة حقوق المواطنة المتساوية ووضع حد لكل اشكال التمييز. فمن دون السلام القائم على مباديء وأسس واضحة، ومن ضمنها تحقيق العدالة، بما تعنيه من محاسبة المسؤولين وجبر الضرر والاعتراف بالأخطاء من الجميع والمصالحة العامة، لن يكون هناك حل لأزمة الهوية ولا أعادة بناء الدولة ولا استقرار المجتمع ولا إعادة إعمار إقتصادي أو سياسي ولا سيادة.
 
لم يكن لأحد أن يتصور إلى أين ستصل مآلات الثورات وتداعيات الربيع العربي على عموم المنطقة. برأيك ماهو مستقبل الديمقراطية في دول الثورات، وهل مازالت الشعوب قادرة على صناعة التغيير.
 
غليون : الديمقراطية ليست هدفا للمجتمعات إلا لأنها وسيلة لتحقيق السلام والأمن فيها وايجاد آلية لخفض التوترات وحل النزاعات بالطرق السلمية. هي إطار للتفاوض وآلية لتسوية النزاعات الداخلية من دون عنف. ولم تهدف الحرب الدموية التي شنتها الطبقة الحاكمة عليها في السنوات الماضية إلا لحرمان المجتمعات من هذه الآلية وتعميم منطق حسم النزاعات بالعنف والقمع، وإجبار الشعوب على القبول بقاعدة الاذعان والخضوع أو الخنوع من دون سؤال.
لا شك أن الشعوب خرجت من المواجهة محطمة سياسيا واجتماعيا. وربما لن تستطيع ان توجه مقاومة كبيرة في المرحلة الأولى لنظام القهر السياسي الذي يتحول بسرعة بعد قمعه الاحتجاجات إلى نظام إرهاب. لكن الأحوال لن تتحسن أبدا بالنسبة للحاكمين. وسيحتاجون، بعد فترة قصيرة من الهدوء النسبي، بسبب الكارثة التي تكبدتها الشعوب،إلى مضاعفة الاستثمار في أجهزة القمع والعدوان. وبعد موجات احتجاجات متتالية لا مهرب منها مع تدهور أوضاع السكان والعجز عن الإقلاع الاقتصادي وغياب الحلول المتفاوض عليها، ستصبح كلفة اعادة انتاج هذه الأنظمة، الانسانية والمادية معا، غير قابلة للاحتمال. إما أن تسقط تحت أقدام شعب من الجوعى والحفاة والمشردين فاقدي أي أمل أو شعور إنساني، أو تستمر الحرب ويتحصن الطغاة بتسليم أمرهم، كما حصل مع طغمة الأسد، إلى الدول الأجنبية ووضع انفسهم تحت الحماية الخارجية لتمديد زمن بقائهم، لكن النتيجة ستكون توقيع صك نهاية الدولة ذاتها والالتحاق بغيرها على شكل مستعمرة أو مناطق نفوذ سائبة.
إن نظام الحكم الذي فشل في انتزاع الشرعية والقبول الشعبي عندما كان في أوج قوته لن يستطيع أن يكسبها بعد أن تحول إلى ركام لا يمسكه عن الانهيار سوى ائتلاف من المحتلين.
 باختصار الديمقراطية ليست منة ولا هدية تقدم للشعب من قبل حكامه، إنها في عصرنا شرط وجود الدولة والمجتمع واستمرارهما. وإذا استمرت الطبقة الحاكمة في إنكارها أو إنكار الحاجة إليها فلن يكون مصيرها سوى مصير العصابات المارقة ونهايتها.
الحرب في سوريا صارت أشبه بحرب عالمية مصغرة...مؤخراً شهدنا أول استهداف أميركي مباشر  للقوات الروسية في ريف دير الزور. ماهي فرضية تصاعد المواجهة العسكرية بين الطرفين.
 غليون :
لا نستطيع أن نقول إن هناك علاقة تفاهم بين الروس والامريكيين في سورية على مستقبل البلاد ولا تعريف واضح لما يعتقدون انه المصالح القومية لهؤلائ وأؤلئك وذاك. وهناك غموض مقصود وتعمية على استراتيجية كل منهما. المواجهة حقيقية تعيد ذكرى الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي. لكن ليس هناك ولن يكون هناك صدام بين الطرفين، وانما اختلاف على توزيع المصالح على الارض السورية وتقاسم أشلاء الضحية. ما لم يحدث خطأ غير متوقع كبير من طرف أو آخر تكاد تكون حدود اقتسام مناطق النفوذ والمصالح قد رسمت. واشنطن انتزعت منطقة سيطرة خاصة ومطلقة لها في الشرق السوري ذات اهمية استراتيجية من الدرجة الأولى تطل على جميع الجبهات الحامية في العراق والجزيرة وايران وتركيا وغيرها، وروسيا تقتسم مع ايران المنطقة الغربية والمدن الرئيسية. الخاسر الوحيد حتى الآن هي سورية والسوريين الذين لم يعد لهم اي منطقة نفوذ أو سيطرة ذاتية بعد أن وضعوا بجميع طوائفهم وقومياتهم تحت الوصاية الخارجية وأصبحت اكثر تشكيلاتهم العسكرية تعمل مرتزقة عند الدول الأجنبية.
تركيا كانت حليفاً قوياً للمعارضة بداية الثورة،واليوم اختلفت الأولويات التركية وباتت مسألة تحجيم دور حزب العمال الكردستاني مُقدَّمَةً على أي شأن آخر. ماهي توقاعتك لعملية غصن الزيتون في عفرين وماهي حدود التدخل التركي العسكري في سوريا.
 غليون :
بالمقارنة مع وضع موسكو وواشنطن وإسرائيل إلى حد كبير في سورية لا احد يستطيع أن يقول او يتوقع حجم المصالح التي سوف تستطيع كل من القوى الاقليمية، ايران وتركيا أساسا، أن تطمح إلى تحقيقها او الحفاظ عليها. هنا نحن في حقل رمال متحركة، وبشكل اوضح بالنسبة لتركيا التي لا تملك هامش مبادرة كبير وتسعى إلى انتزاعه بالقوة والتحايل على القوتين الرئيسيتين، الروسية والامريكية. وهذا يعني ان حدود مصالح الايرانيين والاتراك لم ترسم بعد وهي موضوع مساومات وشد وجذب ونزاع دائم، يعتمد على حجم المخاطر التي تستعد لقبولها الدولتان في سورية وقوة التحالفات العميقة التي تنجح في ترسيخها مع موسكو وواشنطن. هذا يعني ان مواقع ايران وتركيا الراهنة في سورية ليست نهائية ولا تزال عرضة للتغير، توسعا او تراجعا. ما نجح في تحقيقه الأتراك هو فرض وجود عسكري لهم في سورية، بصرف النظر عن الذرائع، وهو الوجود الذي يسمح لهم بالاحتفاظ بدور لهم في الصراع على تحديد مستقبل سورية ومستقبل الجماعات القومية والدينية التي تعيش على أرضها، في الوقت الذي كانت فيه ايران تحتل مواقع حيوية وواسعة في كل الميادين العسكرية والسياسية والادارية، وتكاد تشكل البطانة الحقيقية المباشرة لنظام الاسد ودولته إن لم تشكلها بالفعل.
النظام يعيش حالة الوهم، وهم الانتصار على المعارضة ووأد الثورة،وروسيا تعيش وهم الانتصار العسكري وتحاول تجييره سياسياً لكنها في فشلت حتى الآن، وماحدث في سوتشي أكبر دليل. إيران أيضا تتوهم أنها تملك القرار الرئيسي لماتبقى للنظام . برأيك متى سيبدأ تضارب المصالح بين روسيا وإيران ليتطور لاحقاً إلى مايشبه الصراع بينهما.
غليون :
 تضارب المصالح قائم منذ الآن. طهران تعتبر أن سورية هي الفريسة التي انتزعتها بقوتها الخاصة، وهي التي تسيطر سيطرة عميقة عليها، وتتحكم باجهزتها، وتقدم لها القوة العسكرية الرئيسية التي تحافظ على نظامها الذي يضمن بقاؤه وحده مصالح الروس ايضا. وروسيا تنظر إلى نفسها كقوة عظمى لا يمكن ان تقارن ايران نفسها بها، وهي بالتالي التي تتحكم باللعبة او المواجهة الدولية وتتحمل أعباءها السياسية ومخاطرها الاستراتيجية، بالاضافة إلى الدور الحاسم الذي لعبه طيرانها في حسم المعركة العسكرية لصالح طهران والنظام.
لكن تضارب المصالح لا يستدعي بالضرورة الصدام الشامل أو تحويل محور النزاع إلى نزاع داخلي بين الحليفين. هناك دائما شد وجذب يحاول فيه اي طرف أن يفرض رأيه في قضية أو أخرى، ويمكن ان يفرضه في ملف ويتراجع في ملف آخر، ولكن المصالح المشتركة كبيرة، وهي أكبر حتى من التعاون على السيطرة على سورية، وتشمل تفاهمات حول القوقاز وآسيا الوسطى وبحر قزوين، إلى جانب التعاون النووي، وهي تدفع إلى التفاهم الاستراتيجي بين الطرفين. ايران الخامنئية مع ميليشياتها وسياساتها التوسعية المغامرة ورقة مهمة في يد الروس للضغط على المعسكر الغربي وحلفائه في العالم بما في ذلك في المشرق العربي ولن تتخلى عنها. وروسيا ورقة مهمة أيضا لايران بما تؤمنه لها من مظلة جيواستراتيجية تجنبها العزلة الدولية وتقدم لها شبكة حماية دبلوماسية وعسكرية عظيمة القيمة في مغامراتها العسكرية الخارجية، كما هو الحال في سورية اليوم.
وضع المعارضة اليوم ضعيف وهش،فهي لا تملك قرارها العسكري بشكل كامل،ولا تستطيع إيجاد مخرج ما لانسداد الأفق أمام الحل السياسي بعد تخلي كل المجتمع الدولي عن مطلب رحيل الأسد.
ماهي خيارات المعارضة  وأدواتها المتبقية التي تستطيع من خلالها الحفاظ على  ثوابت الثورة ومطالب الشعب وحقه  في التغيير 
 غليون :
 في الوقت الراهن لا أرى سوى الصمود من أجل انتزاع تسوية تحظى بالحد الادنى من التوازن وروح العدالة، ويقبل بها الشعب الذي ضحى بكل ما يملكه في مواجهة غير متوازنة وغير انسانية تجمعت فيها وحوش الارض، وجميع الدول التي كان الاسد قد استعداها ضده وابتزها ليرفع سعر خدماته لها، وكبدته خسائر لا يستطيع أحد بعد تقدير هولها.
لكن الصمود مهمة قاسية وكبيرة يحتاج تحقيقها إلى معرفة أدق بموازين القوة العسكرية وتوزيع القوى والفصائل وتسليحها وقدرتها على المقاومة. وهذا ما ليس لدي، وربما لدى احد في اعتقادي، امكانية تقديره بدقة بسبب الغموض الذي تفرضه الفصائل وهي على حق في ذلك على أوضاعها الداخلية وتشتتها وانقساماتها وربما ضعف الكادر القيادي فيها.
يحتاج وضع استراتيجية فعالة للصمود واستمرار المقاومة، ورفع تكاليف الحرب على النظام وحلفائه إلى حد يصبح من الصعب احتماله، إلى وحدة فصائل المعارضة أولا، وإلى قيادة واحدة تملك القدرة على بناء استراتيجية طويلة المدى، ولديها السيطرة على المعلومات التي تمكنها من تقدير حدود المخاطر التي تستطيع ان تقوم بها ثانيا، ولديها السيطرة على الموارد والحق في توزيعها حسب حاجات المواجهة،ثالثا. وهذا ما نفتقر اليه بقسوة، ويشكل أعظم عامل في ضعف في مواجهتنا.
البديل عن ذلك ان يسعى كل فصيل او مجموعة فصائل متقاربة في الجغرافية او العقيدة إلى التنسيق في ما بينها في غرف عمليات ضعيفة وهشة، وبلورة خطط محدودة ومؤقتة أيضا خاصة بكل منها للدفاع عن موقعها الخاص أو عن جبهة أوسع تشكلها مع فصائل أخرى في منطقة محددة، كما حصل ويحصل في حلب والغوطة وإدلب وغيرها اليوم. ومخاطر مثل هذا التنظيم الذي ساد صفوف الثورة منذ بداية انطلاق العمل المسلح أنها تقسم القوى وتثبت الجهد في مواقع ساكنة وتترك للخصم ان يجمع قوته كاملة ضدها، قبل ان ينطلق إلى الجبهات الأخرى التي تنتظر المعركة الفاصلة للنظام من دون أن يكون لديها اي خيارات بديلة.
غياب وحدة الفصائل، والافتقار إلى قيادة سياسية وعسكرية موحدة تدرس الموقف على المستوى الوطني، ولديها معرفة بحجم القوى من جميع الأطراف وتوزعها، وقادرة على رسم خطة واحدة للخروج من مواقع الدفاع الساكن التي تحاصر فيها الفصائل اليوم نفسها بنفسها، والانتقال نحو دفاع متحرك يستخدم القوى المتوفرة بعقلانية أكثر ومن أجل تحقيق اهداف سياسية تزيد من قوة موقف المعارضة وفرصها في فرض التسوية المطلوبة على الدول المحتلة، هو العطب الاساسي في جسم الثورة الراهن، والسبب الاول في خساراتها المتكررة. في الوضع الراهن لسياسة الفصائل واستراتيجياتها الساكنة، التي تقيد نفسها بمواقع جامدة لا تتغير وتترك للنظام حرية الحركة لتجميع قواه ومهاجمتها،يضعف كثيرا من قدرتها على الصمود ويوحي للخصم الروسي والايراني ان حسم المعركة العسكرية ليس مستحيلا من دون تسوية سياسية، ويشجعه بالعكس على الاعتقاد بانه في متناول اليد، وانها مسألة وقت فحسب.
وقد كان هذا من الاسباب التي جعلت الروس والايرانيين يتراجعون عن وعودهم بالدخول في مفاوضات جدية من اجل الحل السلمي وأقنعهم بإمكانية تمرير خيار فرض الأمر الواقع على السوريين.
معروف عنك قربك من الشباب ومن نبض الشارع بشكل عام،كان هذا واضحًا من خلال أطروحاتك الكثيرة التي كنت فيها دائمًا تؤكد على وعي الشعوب المتقدم على نخبه التي وصفتها بالمُسْتلبة.
ماذا تقول لشباب سوريا اليوم بعد سبع سنوات على انطلاق ثورتهم.. ثورة الكرامة؟
غليون :
أقول للسوريين جميعا اليوم : خسرنا جولة أولى دامية وباهظة الكلفة، انسانيا وعمرانيا، من دون أي شك، لكننا لم نخسر الحرب ولا ينبغي ان نخسرها، أعني الحرب على الاستبداد والفساد والاستهتار بحقوق الشعب ومن أجل الكرامة والحرية والاستقلال ونيل الاحترام. ولا ينبغي علينا أن نيأس من المستقبل،فقد انهارت اركان الاستبداد ولن تقوم له من جديد قائمة. ولو كان لدى النظام ما يمكن أن يقدمه للسوريين غير الاستغلال والنهب والسلب والاهانة والاحتقار لما سلك طريق الحرب والتحالف مع القوى الاجنبية وتبنى خيار حرب الابادة الجماعية، ولو كان لدى المحتلين، على اختلاف اصولهم ودوافعهم، ما يقدمونه للشعب السوري، لما اصطفوا وراء قاتل لا يهمه مستقبل شعبه ولا مصير بلده. من نظام التمييز الطائفي والقتل والابادة والاحتلال لا يمكن أن ينتج سوى المزيد من النهب والقمع والنصب والتمييز العنصري والاحتيال. وهذا هو ما يعد به الروس والايرانيون وغيرهم الشعب السوري. وهو أيضا السبب الذي سيزيد شعلة الثورة اتقادا بالرغم من الخسائر والتضحيات. فلا يمكن لنظام الحرب أن ينتج سلاما، ولا لنظام القهر ان ينتج كرامة واحتراما، ولا لنظام الاحتلال أن يبني دولة ويصون سيادة، ولا لنظام البطش أن يطلق حرية ولا لنظام الاستعباد أن يولد مواطنة وحقوقا، ولا لإرادة الشر أن تنتج خيرا من أي نوع كان.
مقابلة مع غسان الياسين تلفزيون سورية

https://www.syria.tv/content/%D8%BA%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%AE%D8%B3%D8%B1%D9%86%D8%A7-%D8%AC%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89-%D9%84%D9%83%D9%86%D9%86%D8%A7-%D9%84%D9%85-%D9%86%D8%AE%D8%B3%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D9%88%D9%84%D8%A7-%D9%8A%D9%86%D8%A8%D8%BA%D9%8A-%D8%A3%D9%86-%D9%86%D8%AE%D8%B3%D8%B1%D9%87%D8%A7