مقابلة ل نينار بريس: لا اطار موحد ممكن للمعارضة لتبعيتها

2022-09-11 :: نينار برس

 

نينار برس: يشهد العالم تغييرات متلاحقة نتيجة شن الروس الحرب على أوكرانيا 

تداعيات هذة الحرب ستنعكس في جزء منها على القضية السورية. كيف ترون حجم واتجاهات هذا التغيير في سياسات الدول المنخرطة في الصراع السوري على هذة القضية، وعلى دول المنطقة، وتحديداً الموقف الأمريكي والتركي والروسي بالدرجة الأولى ؟

غليون:

الحرب الاكرانية في منعطف كبير ولا احد يمكن ان يتنبأ بما سوف تشهده المرحلة القادمة منها ومن ثم اثر ذلك على القضية السورية. لكن على العموم زادت هذه الحرب من اهمية الوجود العسكري والاستراتيجي الروسي في سورية بالرغم من انها اضطرت موسكو لسحب بعض قواتها منها. فهي اليوم نقطة ارتكازها الرئيسية في المنطقة التي عصفت رياحها بها. ويحصل هذا للاسف لصالح مزيد من تغلغل الحرس الثوري الايراني وميليشياته وكذلك المؤسسات الدينية والشركات الايرانية في النسيج الوطني السوري. لكن طهران تشهد اكبر انتفاضة على نظام ولاية الفقيه بإعلان نسائها التمرد على حكامها الظلمة والفاسدين. وهذا يضعف من شرعية النظام الايراني ويهزه، وربما يشعر هو ايضا بان اي تنازل في سورية سيزيد من خسارته ويهدد استقراره بشكل اكبر. لكن ربما يشكل ما يواجهه الروس والايرانيون من مصاعب في سياساتهم الاقليمية حافزا للأمريكيين كي يزيدوا ضغوطهم على الحليفين المعاديين على الاراضي السورية. وفي هذه الحالة يمكن ان يمكن ان ينجم عنه احياء "للملف السوري" لكن ليس في سبيل الحل وانما من اجل فتح جبهة جديدة على طهران وموسكو في سورية وزيادة الضغط على نظام الأسد لتقديم بعض التنازلات. لكن احدا لا يعرف اليوم فيما اذا كان الامريكيون لا يزالون يفكرون بالقضية السورية في ذاتها، اي بمعزل عن صراعهم مع موسكو وطهران. واصدقاؤنا السوريون في واشنطن لا يفيدونا كثيرا بمعرفة ما يجري في كواليس الإدارة الامريكية.

 

نينار برس: أثبت الصراع في سورية أن قوى المعارضة بكل أطيافها لم تستطع بلورة إطار صراع متكامل المهمات ضد النظام الأسدي، يقود الى حل سياسي حقيقي عبر أدوات تستخدمها تفرض هذا الحل على النظام الأسدي وحلفه. هل تعتقدون أن هكذا محور يمكن أن يقوم في ظل هذه المتغيرات التي تجري حالياً في العالم ؟ ما الشروط الموضوعية والذاتية لدى قوى الثورة والمعارضة لخلق إطار صراعها؟

غليون:

لا يوجد امكانية الآن، بعد 11 عاما من الصراع، في ان تعيد القوى السورية المعارضة تنظيم نفسها في إطار واحد. والسبب انها تخضع جميعا، او اكثرها تنظيما، لوصايات او تحالفات دولية واقليمية لا مصلحة لها في ان تستقل القوى السورية المرتبطة بها بنفسها وتخرج من يدها. إنما من الممكن ان يتغير الوضع اذا نجح النشطاء في تشكيل فريق صغير من الشخصيات السياسية المعروفة للتواصل مع بعض العواصم العربية كالرياض والقاهرة وغيرهما، ومعرفة فيما إذا كانت على استعداد لاتخاذ مبادرة جديدة، للضغط على الدول الخمس التي تحتكر النفوذ اليوم في سورية، وتشجيعها على حل خلافاتها، وتخفيض سقف توقعاتها، في سبيل فتح نافذة في جدار سجن الشعب السوري وفك أسره والبدء الجدي بتطبيق القرارات الدولية. في إطار التوازنات الراهنة على الأرض السورية، وهي بالأساس توازنات دولية، لن نستطيع  التقدم كثيرا من دون وقوف المجموعة العربية بقوة معنا والمبادرة الى جانبنا في تحريك القضية. ولا شيء يمنع من المحاولة مهما كانت توقعاتنا للنتائج محدودة. 

 

نينار برس: أفلست الإيدلوجيات التقليدية (القومية _الاسلامية _الماركسية )في فهم بنى المجتمعات العربية ومنها المجتمع السوري، وبالتالي جعلها تقع في فشل  قيادة تنمية وطنية حقيقية في البلاد .

هل تعتقدون أن نواة قوى ليبرالية تتشكل الأن داخل وخارج البلاد بإمكانها تصدر المشهد السياسي السوري في المرحلة القادمة؟ وتحديداً الليبراليون الذين يتبنون ما يسمى الليبرالية الاجتماعية؟ كيف تقرأون المشهد السياسي السوري بعد تغيير بنية نظام الحكم الاستبدادي؟

غليون:

لا توجد بعد قوى ليبرالية منظمة ووازنة تستطيع القيام بمبادرة وتشجيع المعارضين الاخرين على الالتفاف من حولها لتصدر المشهد. وأي نواة صغيرة مهما كان صدق نواياها ونزاهة اصحابها واستقلالهم لن تستطيع ان تصمد أمام السكاكين التي ستوجه إليها من أولئك الذين يحتلون مواقع المعارضة  في الجيش الوطني والادارة والإئتلاف والذين سوف يرون فيها متعديا على مصالحهم ومواقعهم المكتسبة، بصرف النظر عن طريقة اكتسابها. والإيمان بالقيم الليبرالية لا يعني الاخلاص للقضية بالضرورة ولا القدرة على التعاون مع الآخرين ولا تجاوز الحساسيات والمنازعات الشخصية على الوجاهة ومناصب المسؤولية والمواقع الأمامية.

 

نينار برس: انعقد في واشنطن مؤتمر لأمريكيين من أصل سوري، هدف المؤتمر وضع أسس ميثاق وطني سوري فوق دستوري. هل مثل هكذا مؤتمرات قبل الوصول إلى حل سياسي شامل في سوريا هي في الاتجاه الصحيح؟ أم الأصح أن يتحقق انعقاد مؤتمر وطني سوري جامع وشامل لكل المكونات السياسية مع بدء المرحلة الانتقالية مهمته وضع هذا الميثاق الوطني فوق الدستوري؟

غليون:

نحن في وضعية "شخصيات تبحث عن مؤلف". أولا، لا تنقصنا الشخصيات ولا النصوص والمواثيق والروايات ولكن النزول الى الميدان وممارسة العمل. وثانيا، لا اعتقد ان شروط انعقاد المؤتمر الوطني متوفرة اليوم او سوف تتوفر غدا، ولا ان الحاجة الملحة اليوم تتعلق بعقد مثل هذه المؤتمر، الان او غدا، ولا تكمن في التوصل الى وثيقة دستورية، واي وثيقة كانت.  وثالثا لا ينبغي ان نعيش في الفراغ بانتظار قدوم المرحلة الانتقالية التي وعدنا بها قرار مجلس الامن، بوجود هيئة حكم انتقالي وحكومة تضم الفريقين المتنازعين، والتي كانت مجرد تصور خيالي لتمرير الوقت. فلا تسوية ممكنة بين الضحية والجلاد ولا بين الجرح والسكين. نحن، ونظام حكمنا، واوضاعنا الاجتماعية والسياسية الايديولوجية في مرحلة انتقالية الآن، لكن من السيء الى الأسوأ. ورابعا، لا يوجد ميثاق وطني دستوري وميثاق وطني فوق دستوري. هذا كلام لملء الفراغ والتغطية على انعدام القدرة على التقدم والنزول الى الميدان، اي على التنظيم والتدريب والعمل. 

نحن مازلنا نهرب من السؤال المطروح علينا منذ سنوات: ما العمل لتغيير هذا النظام ومواجهة المحنة القائمة اذا فشلت المساعي الدولية وقد فشلت، واستقال وسطاء الامم المتحدة أو هم على وشك، وانتهت القرارات الاممية إلى الأدراج، تغطيها طبقة سميكة من الغبار؟ ينبغي ان نوقن اننا لن ندخل دمشق لا على يد غويتيرس ولا بايدن ولا اردوغان ولا الخامنئي ولا ليبيد. كلهم يساعدهم اكثر ان نبقى بعيدين عن الحل وعن المكان. وليس من الضروري ان تتوحد جميع الاطراف ولن تتوحد ابدا، ولا ان تتوافق على ميثاق واحد، ومنذ الآن اصبح لدينا مواثيق عديدة. يكفي ان يشمر فريق عن ساعديه وينزل الى الميدان ويبدأ العمل. وطريق الالف ميل تبدأ بخطوة واحدة. ففي العمل تتوحد الاطراف لا بالمواثيق.

ميسون محمد

https://ninarpress.net/?p=16347