مقابلة صحيفة عنب بلدي 31 مارس 2022

2022-03-31 :: عنب بلدي

طريقان امام السوريين لقلب الطاولة

 1 عنب بلدي: بعد ١١ عام من بدء الحراك السلمي الشعبي برأيك ما الأدوات السياسية التي خسرتها الثورة اليوم، وما الأدوات السياسية التي تملكها اليوم، وهل برأيك هذه الأدوات كفيلة بحفظ استمرارها؟ 

غليون: 

كانت الثورة السورية من نمط الثورات الخضراء التي قامت في أوروبا الشرقية بعد زوال الاتحاد السوفييتي وانهيار امبراطوريته. وهي ثورات شعبية عفوية  وسلمية معا، وهذا سبب تسميتها الخضراء أو ثورات الياسمين. فهي بعكس الثورات التي سبقتها في القرن العشرين بأكمله لم تكن تملك أدوات، لا حزبا ثوريا محترفا كما كان عليه الحال في روسيا والصين وفيتنام ولا جبهة وطنية كما في الجزائر وغيرها، ولا دعوة عقائدية عالمية تؤمن لها دعما دوليا من القوى الموالية لها. بمعنى آخر لم يكن لديها أدوات، بل كانت هي ذاتها، أي الانتفاضة العامة والشاملة هي أداتها وجوهرها معا. لذلك أمكن للنظم، لقاء تنازلات بسيطة، استنزافها والقضاء عليها. 

اما في سورية فقد عمل تقاطع مصالح اقليمية ودولية عديدة مع النظام القائم على تحويلها إلى حرب طويلة المدى، ما كان من الممكن ان تكون، أعني الحرب، إلا على حساب الثورة وشعبها، وأن تضمن لكل طرف شجع عليها وشارك فيها تحقيق الأهداف التي كان يجري وراءها أو جزءا منها، ونظام الاسد واحد من هذه الأطراف. وهكذا لم تحرم الثورة ومن ثم الشعب السوري من تحقيق اهدافه او حتى جزء منها فحسب وإنما حطمت الدولة كدولة سورية، أيضا، واحتلت البلاد، وأصبحت سورية فريسة تتجاذبها الأطراف المختلفة التي استثمرت في الحرب ومولتها. 

لم يعد امام السوريين إلا أحد طريقين لقلب الطاولة على المتآمرين عليهم بالمعنى الحرفي للكلمة: انتفاضة شعبية عفوية جديدة في المستقبل، القريب او الابعد، تعيد تذكير السلطات الوصائية وذيولها بالحقوق الاساسية للسوريين، في المناطق شبه المستقلة، او في عموم سورية. والكثير من الذين عاشوا الثورة لا يزالون يحلمون ويعملون على أساس هذه الفرضية. 

والطريق الثاني بدء السوريين ، منذ الآن، في التفكير بإعادة تنظيم قواهم سياسيا، وخوض معركة متعددة الأبعاد والميادين، ايديولوجية وفكرية لاعادة تنوير الرأي العام السوري وتوحيده، وسياسية لاستعادة التفاهم والتعاون بين القوى الديمقراطية التي ولدت من الثورة وتلك التي كانت قائمة قبلها، وإقامة تحالف وطني واسع لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة، واستراتيجية تهدف الى عزل قوى الوصاية الاجنبية عالميا ومحاصرتها بشتى الوسائل من أجل انتزاع السيادة السورية من جديد وإرجاع سورية الى المجتمع الدولي كدولة حرة، وعضو شريك وفاعل، لا مستعمرة أو أرض استعمار واستيطان وتغيير ديمغرافي ومذهبي ومستودع للمرتزقة أو وكر لعصابات الجريمة والمخدرات والإرهاب الدولية. 

ولا نستطيع منذ الآن أن نحكم في اي الطريقين سوف تذهب امورنا. لكن إذا فشل السوريون، والجيل الجديد الذي ولد في الثورة وعلى اصوات هتافاتها بالكرامة والحرية، في سلوك الطريق الثاني، طريق إعادة بناء الوطنية السورية وتكوين الحركة الوطنية الفاعلة والنشطة، فلن يكون أمام السوريين، عاجلا أو آجلا، خيار آخر إلا العودة الى الانتفاضة الشعبية العفوية، التي يتوقف نجاحها ايضا على وجود قيادة موحدة أفضل مما حصل في ثورة ٢٠١١، وعلاقات دولية تحول، في حال غياب مجتمع دولي فاعل، دون تغول القوى المترصدة لأي خلل في منطقة ما لتوسيع دائرة نفوذها وهيمنتها. 

س 2:

أمام خسارة المعارضة اليوم لجزء كبير من الأراضي السورية التي سيطرت عليها خلال فترات من عام ٢٠١١

لا أعرف إن تتفق مع المقولة السياسية التي تقول بأن "الكلمة لمن يملك الجغرافيا"

برأيك هل تملك المعارضة السياسية أوراق ضغط تحرك بها الملف السوري

ج:

إذا تحولت القضية السورية الى ملف على مائدة المفاوضات والمساومات الدولية، كما هي عليه اليوم بالفعل، فهذا يعني أنه لم يعد هناك لا معارضة ولا مقاومة ولا حركة شعبية ولا وطنية. المعارضة او الحركة الوطنية لا تقدم ملف ولا شكوى أمام الدوائر الدبلوماسية والسياسية الدولية وإنما تعمل على الأرض، ومع الشعب، لتحقيق اهدافها. وهذا العمل بمقدار قوته ومصداقيته ونجاعته يحول القضية من ملف، أي شكوى لا احد يلتفت اليها، حتى لو عبر عن مشاعر طيبة تجاه ضحاياها، إلى تحد للقوى التي تريد وأدها أو التهرب من مسؤولياتها تجاهها. لا تملك المعارضة أي وسيلة للتأثير إلا بمقدار ما تعمل على الأرض وتلتحم بالناس وتنظم مقاومتهم واحتجاجاتهم ونشاطاتهم المختلفة من أجل تغيير الواقع الأليم بل المأساوي القائم. 

التسول على أعتباب الدبلوماسية الدولية لا ينتج معارضة ولا يقدم قضية.

3 س: 

ما حاجة الثورة لمنبر سياسي يعبر عنها؟

ج: 

الثورة لا تحتاج الى منبر وإنما إلى قيادة سياسية توحد الرؤية وتبلور الاجندة وخطط العمل لتطبيق أهداف معينة ضمن استراتيجية واضحة.  أحد أكبر مشاكل الثورة السورية كانت منذ البداية والى اليوم تعدد المنابر والتنافس على خلق المنابر. مما يعني تكريس الناشطين والنخب التي كان عليها العمل على الأرض جهدهم للإعلام وللظهور في الوسائل الإعلامية. وأكاد أقول إن النشاط الوحيد عند هذه النخب السياسية أو المهتمة بالسياسة أصبح يتجلى للاسف في ميدان الإعلام. ولأن الإعلام لا قيمة له إلا بمقدار ما يعبر عن نشاط عملي سياسي ويعكسه، أصبح إعلامنا ايضا من دون مصداقية كبيرة، بل تكرارا وترديدا لاطروحات ومطالب وبيانات وشعارات قديمة، كما تحول نشاطنا السياسي إلى تدبيج وثائق وبيانات وعقود واتفاقيات تعكس العجز عن الفعل أكثر مما تساعد على تطويره. 

4 س:

منذ عام 2011 تعددت المنابر السياسية المتحدثة باسم الثورة هل هذا خدم الثورة وأوصل صوتها للخارج؟

برأيك ما معوقات توحيدها؟

ج: 

لا يمكن توحيد المواقف والرؤى إلا بالعمل. فبالعمل والممارسة والسعي إلى تحقيق أهداف واحدة أو مشتركة يتقدم الوعي المشترك ويتبلور الطرح الواحد وتزول الحزازات والاختلافات الشخصية، او بالاحرى ننتقل من شخصنة القضايا الى تجريدها او تنزيهها عن العواطف الشخصية حتى يستطيع جميع من له مصلحة فيها أن يشارك فيها بصرف النظر عن علاقته الشخصية بهذا او ذاك وحبه او كرهه لهذا الفريق أو الفريق الآخر. ونحن لا نزال للأسف نضع العلاقة الشخصية والشخص عموما قبل القضية، وتبويس اللحى قبل الخطة والسياسة والقدرة على المبادرة والعمل والإنجاز. وهذا ما يعمق انقسامنا وتفرقنا وما يفسر عجزنا إلى اليوم عن تجاوز خلافاتنا التي هي بنسبة 90 بالمئة شخصية وليست سياسية. 

:س 5 

كيف يمكن إنعاش سياسة المعارضة لتلبي مطالب الثورة السورية ومطالب الشعب

ج: 

السؤال الأصح: كيف يمكن بناء معارضة لا كيف يمكن انعاش معارضة هزيلة أو هرمة او غائبة او تحولت الى جثة متعفنة في بعض ما يسمى مؤسساتها. وهذا ما ذكرته في الجواب السابق. المعارضة تبنى بالممارسة ومن خلالها، لا عبر الإعلام ولا بالتسول على اعتاب الدبلوماسية الدولية والاقليمية، ولا بالتدمير المتبادل المستمر منذ 11 عاما للأشخاص والقيادات او المرشحين للقيادة، أو بالرفض والتنديد بأي قيادة باسم الديمقراطية والشعبوية أو، وهذا الاخطر، تعهير هذه الوظيفة القيادية ذاتها. 

ما نحتاجه هو صحوة وجدانية ووقفة تأمل وتفكير ومراجعة جدية، أي باختصار شعور أفضل بالمسؤولية.

https://www.enabbaladi.net/archives/558118

برهان غليون