على أسوار موسكو العاصية المستعصية

:: face book

 

قبل أن تبدأ المباحثات الرسمية بين وفد المعارضة السورية والمسؤولين الروس، أصبحنا نعرف أو بالأحرى نخمن، من الحديث مع بعض الصحفيين المحليين، ماذا سيطرح الروس، وماهي محاور اهتمامهم في هذا اللقاء اليوم، وهو الرابع بالنسبة لي مع وزير الخارجية ونائبه للشؤون العربية. 

يريد الروس، كما سرب لنا، أن يوسعوا دائرة المشاركين في وفد المعارضة في مباحثات جنيف، وربما لضم أقسام من المعارضة التي لديهم علاقات قوية بهم. كما يريدون أن يساعدوا وفد النظام المتهالك على التماسك أمام الضغوط التي يتعرض لها، بما في ذلك من قبل الأمم المتحدة، لتنفيذ بيان جنيف١، بدءا من تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات. 
ومن أجل تحرير النظام من التزاماته، التي قبل بها منذ استلام رسالة الدعوة الموجهة من قبل الامين العام للأمم المتحدة، من الممكن أن يقترح الروس أن يجري التفاوض على هيئة الحكم الانتقالي بالتدريج، وعلى الأغلب يقصدون من ذلك أن تترك صلاحيات الرئاسة إلى المرحلة النهائية، مما يسمح لهم باللعب على ورقة تجريد الاسد من صلاحياته حتى اللحظة الأخيرة، وطوال فترة المفاوضات.
ولتغريق السمكة وحرف المفاوضات في جنيف عن محورها وهدفها الأول والرئيس، ربما يقترحون، كما سمعنا، تقسيم فريق المفاوضين إلى لجان فرعية متعددة تهتم كل منها بموضوع محدد. 
ليس من الواضح في ما إذا كان لدى الروس أي رغبة في طرح الملف الانساني الحارق، والوقوف مع السوريين ضد السياسات الوحشية التي يمارسها نظام القتلة على شعبه، سواء بقصف المدنيين بالبراميل المتفجرة أو حصار المدن أو تعذيب المعتقلين حتى الموت.
بالنسبة لنا، لا يشكل توسيع الوفد المفاوض أي مشكلة، بل إن إغناءه بالشخصيات الوطنية والاعتبارية، التي تعكس تنوع اطياف المجتمع السوري، وسعة قاعدة المعارضة للنظام، من الداخل والخارج، يقويه، وقد كانت هدف رئيسي من أهداف الإئتلاف قبل المفاوضات، لولا الحاح الوقت. لكن على أن يكون هذا التوسيع في اتجاه بقية أطياف المجتمع والمعارضة خيارا داخليا خاصا بالائتلاف نفسه، وقائما على أساس المصلحة العامة، ومصلحة الثورة، ومن منطلق تقوية صف المعارضة وضمان انسجام أعضاء الوفد وتعزيز قدراته.
 بالمقابل يضع التدرج في نقل الصلاحيات للهيئة الحاكمة الانتقالية، إذا كان واردا، المسألة في مأزق. وربما يقضي على الفكرة نفسها، إذا كان المقصود منه إعطاء النظام المزيد من الوقت ليدمر ما تبقى من البلاد ويمارس القتل والارهاب، أو تفكيك فكرة الهيئة نفسها وتحويلها إلى مجموعة من الصلاحيات المتباينة والمتباعدة أو غير المتكاملة، أو إذا كان الهدف مساعدة الأسد على الاحتفاظ بصلاحياته إلى أطول فترة ممكنة. 
عندما تعلن الهيئة ينبغي أن تكون كاملة الصلاحيات، وهذا يعني أنها صاحبة سلطة واحدة وسيدة لا تخضع لأي سلطة أخرى. 
وبالمثل، ليس لتشكيل اللجان قيمة إلا إذا كانت تستجيب لتحقيق الهدف الأول من المفاوضات، وهو الاسراع في تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، وإعادة السلم والأمن إلى البلاد.من الممكن أن تكون هناك لجان متخصصة، بعضها يهتم بالاطار الدستوري لعمل الهيئة وبعضها يتولى تبادل الرأي في قائمة المرشحين لشغر مناصب في الهيئة، والآخر يعمل على تحديد صلاحياتها وآليات نقل السلطة إليها فور تشكيلها. في هذا المجال فقط يمكن النقاش حول لجان فرعية لكن ليس من أجل الابتعاد عن الهدف الأول أو خلط الأولويات والأهداف.
وأخيرا، ليس من الممكن أن لا يشعر الروس بالمسؤولية عما يجري في سورية من تدمير وقتل بالجملة بسبب القصف العشوائي على الاحياء المدنية، وتجويع المدن والبلدات، وأن يستمروا في الوقوف مكتوفي الأيدي أمام كارثة إنسانية محققة وجرائم فاضحة لنظام تحول إلى عصابة من القتلة مع سبق الاصرار والتصميم، بينما هم لم يخفوا يوما دعمهم للنظام. مثل هذا الموقف يجعل منهم عكس ما نتمناه، طرفا متواطئا، ويدفع إلى التشكيك بصدقية ادعائهم الحرص على مصلحة الشعب السوري. 
نأمل من أصدقائنا الروس، وكنت قد أكدت منذ أول زيارة لي لموسكو ومقابلة المسؤولين قبل سنتين تقريبا، تمسكنا بهذه الصداقة من منطلقات العلاقات التاريخية والمصلحة الوطنية معا، أن يأخذوا قضية القتل المجاني بالمتفجرات أو بالتجويع أو بالتعذيب، مما درج عليه نظام الأسد منذ عقود، ببالغ الجد، ولا يعيقوا مرور القرار الدولي الذي تعده المجموعة العربية لاتخاذ الاجراءات الكفيلة بوقف هذه المأساة اليومية. وهذا مهم لحفاظ روسية على دوروها وسمعتها ليس في سورية وحدها ولكن في العالم العربي والعالم أجمع. لا يمكن لانتهاكات حقوق الانسان أن تخضع لأي تسويات أو مساومات. والقبول بمعيار آخر في التعامل مع الجريمة لا يمكن أن يفيد إلا في التشجيع على ارتكابها وتعميم استسهال خرق القانون والدوس على كل القيم الانسانية التي لا يستقيم من دونها نظام اجتماعي، ولا منظومة دولية، ولا مجتمع إنساني.