حول موقف الأقليات في الثورة السورية

:: face book

 

 كنت دائما أقول للسياسيين الغربيين الذين كانوا يبدون قلقا خاصا على مستقبل المسيحيين في سورية بعد الثورة أن المسيحيين ليسوا في سورية أقلية، ولا أحد ينظر إلى أي مكون سوري كأقلية. هم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري التاريخي، ووجودهم في سورية ليس طارئا بل غيابهم هو الطاريء لو حصل. وأن المسلمين الذين لم يعرفوا حقبة في تاريخهم لم يكن المسيحيون أخوانهم وجيرانهم وأصدقاءهم فيها، لا يمكن أن يخطر ببال أحد منهم، حتى لو مسه جرثوم التعصب، أن يرى فيهم جماعة غريبة أو أجنبية بأي معنى من المعاني. والتعايش بين الجماعات المختلفة الدينية والإتنية ليس مجرد فضيلة في اخلاق السوريين ولكنه هوية. سورية من دون تنوعها والانسجام الرائع بين عناصر هذا التنوع لن تكون ولا تكون سورية وإنما بلدا آخر، ولن يجد السوريون أنفسهم فيها، لا هويتهم ولا تاريخهم ولا ثقافتهم ولا إنسانيتهم، مهما كان دينهم ومذهبهم. ولا تقل مساهمة المسيحيين وغيرهم من الطوائف الدينية والمذهبية في تأسيس وبناء سورية الحديثة عن مساهمة السوريين المسلمين، لا في الثقافة ولا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في الحرب، وذلك منذ بداية النهضة الفكرية والأدبية والسياسية في المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر.
ربما لم تكن مشاركتهم في الثورة السورية الكبرى الراهنة بقدر مساهمة أخوتهم المسلمين. بيد أن هذا لا يرجع إلى انتمائهم الديني ولا حتى إلى موقفهم الفكري أو السياسي من الثورة وقيمها ومبادئها، ولكنه يرجع لعوامل سوسيولوجية محضة. فغالبا ما تنأى الجماعات الصغيرة المميزة دينيا أو قوميا بنفسها عن الدخول في الصراعات الكبرى التي تهز المجتمعات. و هي تنتظر عادة أن تحسم الأغلبية الصراع حتى تصف مع الغالب. هذا هو الحال في سورية وفي جميع البلدان، في التاريخ القديم والحديث. والسبب أن وضع الأقليات هش في كل المجتمعات. وقد تعلمت من الخبرة التاريخية أن أي خطأ صغير منها في الاختيار يمكن أن يكلفها ثمنا باهظا، وربما وجودها. المجموعات الصغيرة الدينية تنزع في كل البلدان إلى المسالمة وتميل إلى أن تكون محايدة في الصراعات الكبرى، وحتى عندما تتعرض لهجومات تفضل الرحيل والهجرة إلى سماء أرحم على الدخول في معارك حاسمة تعرف أنها ستخسرها أمام أي أغلبية.
لحسن الحظ بالنسبة لنا، وهذه فرصة لتحية ثوار سورية، لا يزال إسقاط النظام وليس الانتقام من أحد ولا السعي إلى زج أحد، هو محور جهد جميع أو القسم الساحق من مقاتلي الثورة. وهذا ما يجعلنا ننفي احتمال تفجر حرب اهلية حتى لو أن التوترات والحساسيات الطائفية بدأت تتعمق هنا وهناك. بالتأكيد لن بطمئن أبناؤنا من مختلف المذاهب والأديان إلا بانتهاء الصراع وحلول الامن والسلم الأهلي. ومن هو الفرد المطمئن اليوم في سورية، بصرف النظر عن أصله ودينه، من بين الأهالي والسكان؟