النظام العلقة

:: face book

 

لا يكاد أحد يصدق في سورية والعالم العربي أن ما يحصل في سورية من تدمير وقتل بالجملة ومن دون حساب هو من عمل سوريين يحتلون موقع المسؤولية في أعلى مراتب الدولة والجيش والإدارة. كيف يمكن لسلطة تتحكم بها مجموعة من الأشخاص ينتمون للمجتمع نفسه، تشربوا بالرغم من كل شيء ثقافته وتلقوا تربيتهم فيه وعاشوا بين ظهرانيه، من بين كل الملل والطوائف والقوميات، أن يستمروا خلال سنوات أربع في عملية قتل منظم وجماعي لأبناء شعبهم وتدمير منهجي لمدنهم وبلداتهم وحضارتهم، ويشردون أبناء جلدتهم، من دون تردد وبتصميم متزايد على التصعيد في القتل والدمار مهما كان الثمن؟

ولا يكاد أحد يصدق أن العالم يقف مكتوف اليدين، بالرغم من كل ما حصل، أمام المجازر اليومية التي ترتكب على مرأى ومسمع الجميع، وأن الأمم المتحدة والدول المدافعة عن حقوق الانسان لم تعد تعثر على الكلمة التي تستطيع أن تدين بها جرائم الابادة الجماعية اليومية والتدمير المنهجي للبلاد السورية.

ما يفسر عمل النظام ويشرط أقواله وأفكاره وأعماله هو أنه ليس نظاما سياسيا نابعا من إرادة المجتمع ومعنيا بسلامه وأمنه واستقراره وازدهاره، ككل النظم السياسية، وإنما هو نظام احتلال واستعمار للدولة واستخدامها كأداة للسيطرة على المجتمع وشل إرادته وتفتيته وزعزعة استقراره وخنقه حتى تسهل السيطرة عليه وامتصاص دماء أبنائه. فهو جسم غريب لا علاقة له بجسم المجتمع ولا أمل له في الاستمرار من دون تحطيم هذا  المجتمع وتفريغه من مضمونه، أي من إرادته العامة ووعيه الجمعي وأخلاقياته. هو بالنسبة للسوريين كالعلقة التي تعيش على مص دم ضحيتها من الانسان أو الحيوان.  لا تعيش الأولى إلا على حساب الضحية أما الثاني فلا يستمر ويتقوى إلا على حساب المجتمع وبإضعافه ماديا ومعنويا، موت الواحد هو شرط حياة الآخر.

أملنا في أن ندفع نظام الطبقة الطفيلية الاستعماري إلى التفكير في المجتمع والحوار معه وحل مشاكله لا يختلف عن أمل الحصان في أن يعقد صفقة مع العلقة التي تمص دمه ليل نهار ولا تعيش إلا على حساب موته.  أما الدول الكبرى فليس لديها في حياة الشعب السوري ويقظته أي مصلحة فعلية. ولا يمكنها الاستفادة من الموقع الاستراتيجي الذي تحتله أرضه إلا في تغييبه وأخراجه من أي معادلة قوة إقليمية ودولية.

هكذا التقت في هذا البلد الجميل وضد هذا الشعب النبيل مصالح الهيمنة الدولية الاستعمارية مع مصالح سلطة الاستعمار الداخلي وآلته العنصرية، فاستبيحت كل الحقوق والشرائع الداخلية والدولية ولم يبق هناك أثر لسياسة وطنية أو لحكم قانون أو لمعنى السلوك الاخلاقي والعاطفة الانسانية.

لم يحصل في التاريخ أن تكالبت قوى الشر الخارجية ونظام الحقد والاحتلال الداخلي  على شعب كما حصل للسوريين، ولم يظهر بؤس العالم الأخلاقي وضعف التضامن مع شعب في أي وقت كما ظهر في محنة الشعب السوري.