اخر الانقلابات

:: face book

 

لم يكن لدى الانقلابيين أي امل في النجاح. وتنفيذ مثل هذا الانقلاب دليل على محدودية تفكير صانعيه، وعدم قدرتهم على التكيف مع ما شهدته تركيا من تحولات عميقة. فبعد ما يقارب العقدين من الممارسة الديمقراطية الجدية، والانجازات الكبرى التي حققها الشعب التركي بسبب هذه الديمقراطية أيضا على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والدعم الشعبي الأكيد الذي يتحلى به حكم حزب العدالة والتنمية، بصرف النظر عن كثير من الملاحظات، صارت الديمقراطية مكسبا شعبيا وليس مجرد لعبة انتخابيةومصدر شرعية قانونية للحكم. وكان من المنتظر أن لا يسمح الشعب لطغمة عسكرية، مهما كانت شعاراتها، أن تنتزع منه ما حققه من إنجازات وتحطيم قاعدة الاستقرار السياسي وفتح الباب على المجهول.
لذلك لم يفشل الانقلاب فحسب، ولكنه سيكون آخر الانقلابات في تركيا، وسوف يساهم في تعزيز النظام الديمقراطي وحكم حزب العدالة والتنمية والدور القيادي للرئيس طيب رجب أردوغان. وسيكون لفشله تأثير سلبي كبير على جميع النظم العسكرية أو المستندة إلى إنقلابات عسكرية التي هي أصلا في حالة سياسية ومعنوية يرثى لها.
ما أظهره الانقلاب الفاشل هو أن العملية الديمقراطية لم تعد عقيدة تتنازع مع عقائد أخرى لتبرير حكم النخب العسكرية وغير العسكرية وإنما صارت تجسيدا حقيقيا لسيادة الشعب وحضوره الفعلي في الحياة السياسية وحرصه على المشاركة في صنع القرار وتقرير مصيره بيده. وهذا الدرس لن يقتصر تعلمه على تركيا والشعب التركي وإنما سيعم صداه ومضمونه شعوب المنطقة برمتها.
وفي اعتقادي أن إفشال هذا الانقلاب يقدم لأردوغان وحكومته فرصة استثنائية لتحقيق الوحدة الوطنية والاستفادة من الالتفاف الشعبي الرائع حول النظام الديمقراطي من أجل تجاوز التناقضات وحل المسائل الكبرى التي لاتزال تقسم الشعب التركي وتزرع الشك والتوتر بين الحكم والمعارضة، وفي مقدمها المسألة الكردية.