على هامش القمة أو في اسباب قصور العمل العربي

2002-3:: الاتحاد

تكاد المنطقة العربية تكون من بين المناطق التي شهدت أقل درجة تقدم في العشرين سنة الماضية بالمقارنة مع جميع مناطق العالم الأخرى. فلم يتجاوز معدل النمو الاقتصادي فيها الصفر بل كان سلبيا في بعض الاحيان. وارتفت نسبة البطالة آلى 20 بالمئة كحد ادنى بينما زادت نسبة السكان الذين يعيشون تحت حد الفقر من حوالي 7 بالمئة في الستينات الى حوالي 27 او 30 بالمئة في عام 2000. ويشكل العالم العربي اليوم أكبر منطقة للهجرة الى الخارج بالمقارنة مع عدد السكان. أما الأمن فيكاد يغيب عنه, سواء ما تعلق منه بامن الأفراد أو بالأمن الوطني. فيما تظل ممارسة الحريات الاساسية فيه, السياسية والمدنية معا, متدنية جدا ان لم تكن معدومة تماما. ويواجه العالم العربي منذ سنة حربا مفتوحة ضد الفلسطينيين ولا يبدو أن لديه في مواجهتها خيارات أخرى غير مناشدة الأمريكيين والاوروبيين التدخل لاجبار حكومة شارون على وقف المذابح ووضع حد للحرب التي لا تهدف الى شيء اخر سوى توسيع رقعة الاستيطان والابقاء على الاحتلال. وعلى المستوى الثقافي لم تكن صورة العرب وهويتهم معرضة للتشويه وملتصقة بصور العنف والفوضى وعدم المسؤولية كما هي عليه اليوم.
ان غياب الانجازات وتراكم العجز في أكثر من ميدان يدفع العالم العربي الى الغرق بشكل اكبر في الازمة ويظهر المستقبل غامضا ومليئا بالمخاطر بالنسبة للأغلبية الساحقة من السكان.

واذا لم نشأ أن نضع أنفسنا في الموقع نفسه الذي يوجد فيه العنصريون الذين يعتقدون ان ما يعيشه العرب من اوضاع سيئة يعكس حقيقة العرب وقيمة ثقافتهم المتخلفة, فلا بد ان نعترف بأن المسؤول الأول عن هذه الاوضاع هو السياسات الوطنية والقومية التي اتبعناها جميعا وفي كل قطر في نصف القرن الماضي, وفي مقدمة هذه السياسات الاختيارات الانفرادية ورفض التكامل والاندماج. فليس هناك شك اليوم في ان عجز الحكومات عن التعاون وتوحيد الجهود والتنسيق في المواقف والتفاهم حول أهداف مشتركة وحول الوسائل التي ينبغي توفيرها لتحقيقها هو احد الاسباب الرئيسية للاخفاق واستمرار الوضع الراهن. ذلك أن غياب التعاون يقلص كثيرا فرص جميع الدول والمجتمعات على خلق الشروط الملائمة للاستقرار والسلام والاستثمار المادي والفكري وللحريات الضرورية للابداع والابتكار. باختصار للذهاب بشكل أعمق في تحديث العقليات والمؤسسات معا.
كيف يمكن تفسير هذا العجز وانعدام القدرة على التفاهم والتعاون بين الدول العربية في الوقت الذي لا تزال جميع الاطراف, من حكومات ومعارضات, ومثقفين وتقنيين, تلح منذ اكثر من نصف قرن في عموم العالم العربي على اهمية توحيد الجهود والاتحاد الاقتصادي والسياسي من أجل تجاوز مشاكل التنمية والامن والتقدم التقني والعلمي معا؟
هل يرجع هذا العجز الذي اصبح الراي العام العربي يشير اليه بعبارة : اتفق العرب على ان لا يتفقوا, الى الوضع الجيوسياسي الخاص او الصعب للعالم العربي وهل تفسره الضغوط الاجنبية؟
هل هو ثمرة تضارب المصالح الاقتصادية وعدم وجود فرص حقيقية للتكامل وتبادل المصالح؟
هل هو النتيجة المرة لرد الفعل من قبل النخب الحاكمة على فكر قومي عربي كلاسيكي اتسم الى حد كبير بالشعبوية والمغامرة والارادوية ومثل بالنسبة للكثير منها مخاطر او كان حامل تهديدات حقيقية لاستقرارها, أم نتيجة الاختلاف في معنى أن يكون المرء عربيا والتباين في انماط تصور الانتماء الى العروبة؟
هل هو ثمرة غياب المجتمع المدني المنظم او القطيعة القائمة بين الحكام والمحكومين ومن ثم فهو انتاج نظم سلطة وانظمة حكم ليس لديها أي اهتمام بالمصلحة العامة على المدى الطويل ولا تفكر الا من وجهة نظر مصالحها الخاصة وتدرك أن حفظ هذه المصالح وتعظيم الريع الناجم عن الموقع يقتضي بشكل اكبر احكام القبضة على المجتمع وعزله بصورة مؤكدة واستثنائية؟
ومن هنا فنحن نجد أنه, فيما وراء مسالة التعاون والتكامل الاقليمي, تبقى المسالة الرئيسية المهمة المطروحة هي من دون شك مسألة العلاقات العربية العربية والاسس الواهية التي لا تزال تقوم عليها بالرغم من التفاهم حول الجلسات الدورية للقمة العربية, وهي العلاقات التي يتوقف عليها في الواقع أي تعاون متعدد الاطراف. ولا يبدو أن دورية القمة العربية قد حملت جوابا شافيا او يمكن ان تحمل مثل هذا الجواب على هذه المسألة حتى الان.