المحنة السورية بين فيتو موسكو ومخاوف واشنطن

2014-03-31:: العربي الجديد

هل تغير روسيا بوتين من موقفها في الأزمة السورية؟   

هذا هو السؤال الذي كنا نطرحه على بعضنا، داخل منظمات الثورة والمعارضة، وتطرحه الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة. والسبب أن تعطيل موسكو مجلس الأمن، باستخدامها الجاهز لحقّ الفيتو، كان يشكل عقبة رئيسية على طريق بلورة أي مبادرة دولية، لوقف يد القتل المنفلتة لنظام المافيا السورية. لم نكن على خطأ بالتأكيد، لكن المشكلة لم تكن كلها مرتبطة بقرار موسكو، ولا رهينة مجلس الأمن. السؤال الذي يتردد اليوم بيننا، وفي جميع الأوساط المعنية بما أصبح يسمى الأزمة السورية، هو العكس:
هل تغير الولايات المتحدة من موقفها، وتسمح بتزويد جيش المقاتلين السوريين من أجل الحرية السلاح الذي يمكنه، ليس من التقدم، فنحن نعرف مخاوف كثيرين منه، وإنما من الحفاظ على حد أدنى من التوازن اللازم، للتوصل إلى الحل السياسي الذي يبدو أنه أصبح مركز إجماع دولي، بموازاة تراجع شروط تحقيقه، وتبخر إرادة العمل من أجله، عند الأطراف المعنية به؟ تغير موقف موسكو لصالح اتخاذ قرار في مجلس الأمن كان ضرورياً، للقيام بأي تدخل إنساني، تقوده الأمم المتحدة لمساعدة الشعب السوري على مواجهة الحرب اللامشروعة التي شنها نظام المافيا السورية الدموي على المحتجين المدنيين، وعلى تحقيق الانتقال السياسي نحو نظام ديموقراطي، ينسجم مع قيم المجتمعات الإنسانية الحديثة، وتطلعات جميع الشعوب. وهذا ما خسره السوريون، وخسرته المنطقة والعالم، بعدما عمل شلل الإرادة الدولية على حصول تطورات متسارعة، غيرت طبيعة الصراع ورهاناته، وحولت سوريا إلى بؤرةٍ، تلتقي فيها كل التواترات والتناقضات والنزاعات العقائدية والسياسية والدينية، الاقليمية والدولية، وتجعل منها برميل البارود الذي يتفجر، ويهدد بتفجير المنطقة بأكملها، ومعها الأمن والسلام في العالم أجمع. وبعدما قطع الجميع، وفي مقدمهم السوريون، الأمل بمثل هذا التدخل، وانتقلت الأزمة إلى طور جديدٍ من العنف الشامل، والدمار والخراب، استقر الرأي على أنه لا حل للصراع الجاري على الأرض السورية، بما يعكسه من أَبعادٍ ورهانات متعددة ومتزايدة، إلا الحل السياسي. وباسم هذا الحل، ومن أجل توفير المناخ المناسب له، صرف النظر عن دعم المقاتلين السوريين، وقيل لهم، وهذا كلام وزير خارجية الولايات المتحدة نفسه، رداً على مطالبة وفد "الائتلاف" في لقائه الأخير في واشنطن، بسلاح يصحح الاختلال المتزايد في ميزان القوى، لتشجيع الثوار على الانخراط في الحل، ودفع النظام إلى القبول به.
ما الفائدة من تغيير موازين القوى، إذا كان الهدف من مفاوضات السلام تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، لا مكان فيها، ولا دور، للأسد وزمرته المارقة؟ والنتيجة، بدل الحفاظ على الدولة، ووحدتها وسيادتها، من خلال تدخل أممي منظم ومحدود، لوضع حد للمأساة، فتح فيتو موسكو الجاهز الباب أَمام كل التدخلات العسكرية الممكنة، القومية والمذهبية والدينية، وقاد إِلى تفكك الدولة، وحوّل مؤسساتها العسكرية والأمنية إلى حاضنة للميليشيات والتنظيمات الارهابية متعددة الجنسيات.
وبدل أن يساعد منع تسليح واشنطن الجيش الحر بالأسلحة الضرورية، لتحقيق حد أدنى من التوازن الميداني، على تحسين فرص الحل السياسي، قاد، على العكس، إلى تشجيع مافيا السلطة على مضاعفة القتل والعنف والدمار، لتجبر السوريين على الاستسلام والتسليم، والهرب بنفسها من أي مساءلةٍ أو محاسبة، وطنيةٍ أو دوليةٍ. والخلاصة، حتى لا يخسر الشعب السوري الحل السياسي، للخروج من الكارثة، كما خسر، من قبل فرصة التدخل الإنساني، لمساعدته على مواجهة محنته بأقل الخسائر الإنسانية والمادية، أصبح السؤال عن تغير الموقف الأميركي من تسليم السلاح لمقاتلي المعارضة ذا أهمية كبيرةٍ، وأَصبح تمكين المعارضة من مواجهة الفوضى والخراب الذي تنشره ميليشيات الأسد في سوريا والمنطقة أولوية سياسية وأخلاقية. -