الضياع السوري

2019-08-26:: العربي الجديد

1

أثبتت تجربتا تونس 2012 والسودان 2019 أن المخرج السلمي الوحيد للأزمة السياسية التي دشنتها ثورات الشعوب العربية كان التفاهم، بين جزء من النخب الحاكمة، التي تتحكم بالدولة ومؤسساتها وأجهزتها، والقوى السياسية والمدنية الممثلة للمجتمع، على صيغة للخروج من المواجهة، والاتفاق على مرحلة انتقالية هدفها الرئيس قيادة البلاد نحو انتخابات حرة ونزيهة يختار الشعب بمقتضاها ممثليه الشرعيين، ومن ثم تدشين حياة ديمقراطية سليمة تحسم قضية تداول السلطة وتضمن الاستقرار السياسي وتوجه طاقات المجتمع نحو الانتاج والابداع والتقدم المادي والعلمي والثقافي. وهذا ما أطلق عليه اسم طريق الحل السياسي للتحدي التاريخي الذي فتحته دورة الانتفاضات الشعبية في منطقة عربية تأخرت عقودا عن ركب التقدم المدني والحضاري العالمي. 

وفي المقابل، في جميع الحالات التي أخفقت فيها الشعوب في سلوك هذا الطريق، وفشلت في فتح الحوار بين الاطراف الرسمية والشعبية، للبحث عن حل وسط تلتقي فيه إرادة الجمهور الثائر ومصالح الحفاظ على الدولة والنظام العام، وبالتالي على البنية المؤسسية والاجهزة البيرقراطية والعسكرية والامنية الرئيسية للدولة، كانت النتيجة مأساوية، تراوحت بين ثلاث حالات جميعها كارثية. 

الأولى هي الحالة الليبية التي انهارت فيها الدولة تماما وتفككت وأصبحت البلاد فريسة للصراع بين مجموعات مسلحة لكل منها مشروعه الخاص، وهي تعمل أكثر من ذلك تحت وصاية الدول الاجنبية وبمساعدتها. وهذا هو الوضع أيضا في اليمن الذي يتخبط في حرب داخلية وإقليمية لا أفق واضحا للخروج منها بعد. 

والثانية هي الحالة المصرية التي ما إن أدت فيها أول انتخابات نظامية إلى نجاح ممثل المعارضة في الانتخابات الرئاسية حتى ارتدت النخب الحاكمة، التي خشيت على مصيرها ومصالحها، على أعقابها، واختارت الانقلاب على الديمقراطية بذريعة مقاومة خطر سيطرة القوى الاسلامية. وكان من الطبيعي أن تؤسس هذه النخب، التي خانت التزاماتها تجاه الشعب والقضية الديمقراطية، حكما تسلطيا أكثر تطرفا من سابقه. إذ لم تعد تكتفي باستعادة السيطرة على المجتمع بالقوة وتشديد القبضة الأمنية وإنما أرادت، أبعد من ذلك، القضاء على إرث الثورة واجتثاث أفكارها وتنظيماتها ونخبها من الجذور، حتى أصبح حكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك يبدو أمام النظام الجديد "ديمقراطيا" رغم فساده المدوي. 

أما الحالة الثالثة، الأسوأ بين جميع الحالات، فهي الحالة السورية التي حافظ فيها النظام، بفضل الدعم غير المشروط لحلفائه الدوليين، على تماسكه ووحدة اجهزته ونخبته القائدة امام الانتفاضة الشعبية، وصمم مند البداية على رفض أي مقاربة سياسية، وقطع دابر ما أطلق عليه اسم المؤامرة الكونية على البلاد، والاصرار على الانتصار العسكري، مع شعار لا يمكن أن يكون أكثر وضوحا وتعبيرا : الأسد أو نحرق البلد. وكانت النتيجة، بدل الانتقال السياسي الذي كان يحلم به الجمهور المتطلع إلى التغيير نحو حكم ديمقراطي يضمن احترام القانون وحقوق الأفراد وحرياتهم، ويحافظ في الوقت نفسه على مؤسسات الدولة، وبالتالي على أطرها الرئيسية وبنياتها الأساسية، تم القضاء على الدولة والمجتمع، و شرعت أبواب البلاد للتدخلات الأجنبية، وصارت مسرحا تفرغ فيه هذه الدول نزاعاتها وتدرب فيه جيوشها وتجرب اسلحتها، وتبني فيه الميليشيات المحلية والأجنبية، الأهلية والرسمية، وزعماؤها إماراتهم الشخصية المتنافسة والمتنازعة. 

هكذا تحولت سورية بعد سنوات قليلة من الحروب المتقاطعة إلى مسرح للصراعات الاقليمية والدولية، وفقد السوريون الهوية الجامعة وأي مشروع يجتمعون عليه أو إطار مشترك يوحد جهودهم أو يعكس إرادتهم السياسية، ولم يعد لديهم أي موقع يسمح لهم بالمشاركة في تقرير مصيرهم. بل فقد السوريون، أكثر من ذلك، البوصلة الوطنية، فصار كل فريق، بل كل فرد، يبحث لنفسه عن مخرج وموطن بديل وموقع يضمن له المحافظة على البقاء والعيش في أي شروط ممكنة. فصار نصف شعبها لاجئا من دون حقوق في أرضه، ونصفه الآخر نزيل المخيمات، أو تحت ظلال أشجار الزيتون المدفوعة الثمن

أمام تلاعبات الدول المختلفة بمصيرهم، وفشل المنظمات الدولية السياسية والإنسانية في مساعدتهم على استعادة قرارهم في وطنهم، ونتيجة هشاشة مؤسساتهم المدنية وخبراتهم التنظيمية والسياسية، إن لم نقل انعدامها بعد نصف قرن من الاعدام السياسي والمدني، يعيش السوريون اليوم حالة من الضياع الفكري والسياسي والاجتماعي معا. فبعد ان فقدوا المبادرة واصبح اعداؤهم هم الذين يتحكمون بسير العمليات العسكرية والسياسية والإغاثية، لم يبق لهم من قدرة على الفعل سوى  رد الفعل، ولم يعد أكثرهم يرى مخرجا قريبا من دون التعلق بأذيال هذه الدولة الأجنبية أو تلك. أما قادتهم، أو من هم في حكمهم، فلا يعرف أكثرهم أين وكيف يتوجهون، بعد أن فشلوا في تنظيم انفسهم واختيار قيادة سياسية توجه  خطاهم وتثمر جهودهم وتضحيات جنودهم وتؤطر عملهم في مشروع واحد وطني مشترك. وبالرغم من أن سياسييهم ومثقفيهم، أو القسم المنخرط في الصراع من بينهم، لا يكفون عن تأكيد تمسكهم بالحل السياسي وبتطبيق أساس قرارات الأمم المتحدة، إلا انهم لا يزالون عاجزين عن اتخاذ أي موقف مشترك أو تنظيم أي مبادرة أو جهد جماعي فعال لدفع المجتمع الدولي إلى الخروج من شلله والدفع في هذا الطريق. 

يبدو وضع المعارضة وقوى الثورة ونشطائها مأساويا اليوم أكثر من أي مرحلة سابقة. فالقسم الأكبر من نخبها لا يزال متجمدا على مواقفه وتنظيماته ومناهج عمله ذاتها ولا يرى أمامه خيارا آخر سوى انتظار ما يمكن أن يسفر عنه صراع  الدول المتنازعة على تقاسم النفوذ في الأرض السورية أو تفاهمها ، في استانا أو واشنطن أو جنيف. ويبحث القسم الثاني بأي ثمن، في شخص قائد/زعيم مخلص لاهداف الثورة، عما يعتقد أنه القيادة الوطنية الشريفة والمخلصة التي افتقدت إليها الثورة خلال ثمانية سنوات، والتي تستطيع وحدها إعادة لم الشمل، وتحدي مشاريع قوى الاحتلال الأجنبية، وتجسيد روح السيادة السورية المنتهكة في مواجهة روح التبعية والاستزلام السائدة في مؤسسات المعارضة الحالية. أما القسم الثالث فيراهن على تعزيز ايمان الثوار وإخلاصهم لدينهم، وحثهم على الطاعة لعل الله يأخذ بيدهم فيضرب الظالمين بالظالمين، ويخرج أنصاره من بينهم سالمين. بينما غسلت فئة رابعة يدها تماما من الثورة وشعاراتها، وسلّمت، وأصبحت مصنعا لليأس والاحباط وتعميم الاتهامات المتبادلة حتى ليكاد بأسها على أخوانها يكون أشد من بأسها على النظام الذي أسلم قياده لحماته واطمأن إلى الاستمرار في ظل الاحتلال. 

 

2

والحال، لن يخرج من المداولات الدولية أي حل يحقق الحد الادنى من تطلعات الشعب الذي مايزال يضحى منذ ما يقارب العقد من السنوات من دون حساب. لن يقبل الروس أي حل تفاوضي يفضي إلى فتح ثغرة تهدد بقاء نظام الاستبداد والقمع الشمولي القائم، وتحمل امكانية خروج سورية والسوريين عن السيطرة. وسوف تستمر موسكو في قضم المواقع التي تحتلها المعارضة، بتطبيق سياسة الأرض المحروقة، لفرض إرادتها وإجبار السوريين على القبول بتأهيل النظام القائم، بوجود الأسد أو من دونه. ولن يتجاوز المجتمع الدولي والغرب الديمقراطي في موقفه من موسكو سقف العقوبات والضغوط الاقتصادية والدبلوماسية، كما أعاد تذكيرنا بذلك منذ أيام المبعوث الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط جيمس جيفري في حديثه الأخير للصحافة ( الشرق الأوسط 22 آب 2019). وأكثر ما يمكن توقعه من هذا المسار السياسي الذي لم يعد يعرف رأسه من ذنبه، هو قيادة البلاد نحو ما يسمى ب"انتخابات نزيهة" تحت إشراف الامم المتحدة، لن ينتج عنها سوى التجديد الكاريكاتوري لشرعية الأسد وسلطته الزائفة. كما أن مساعي البعض الآخر لاختيار قائد للثورة من خلال تصويت مواقع ومجموعات التواصل الاجتماعي لن ينجح في التوافق على اسم وإذا نجح لن يحل مشكلة القيادة وإنما سوف يعقدها أكثر لأن غيابها لم يرتبط بالافتقار لشخصيات وأسماء مخلصة وبارزة ولكن لانعدام الرأي الموحد والرؤية المشتركة ووضوح الأهداف، ومن ثم غياب الاجندا الواحدة أو الجامعة عند جمهور الثوار والمعارضة أنفسهم. ومن المستبعد أن يشملنا الله برحمته ويؤيدنا بجنود من عنده لا نراها بينما نحن على ما نحن عليه من التنافر بل الكراهية المتبادلة التي يغذيها فيما بيننا عجزنا عن استيعاب اختلافتنا وتجاوزها، ومن الجحود الذي يطبع علاقاتنا فيجعل الواحد منا لا يرى في أخيه صديقا أو شريكا ولكن منافسا أو عدوا أو مرتدا عن العقيدة، ينبغي تجريده من أي صفات أو قيم ايجابية، وإذا أمكن تحييده، ورفض الاعتراف بدوره وأهليته مهما كانت. وهذا ما يجعل من المراجعات الشكلية الجارية مناسبة للكشف عن العيوب والمثالب الشخصية، وتوزيع الاتهامات وتعميم  جو من الريبة وعدم الثقة والتشكيك المتبادل عند أغلبية من جمهور الثورة وأنصارها.

هكذا لم يتطور وضع المعارضة ولا وضع النظام أو ما تبقى من عوارضه، منذ التدخل الروسي عام 2015. حيث بدأت عملية تحييدها باستخدام القوة العسكرية المفرطة، والتحايل على المقاتلين باسم المصالحات، بينما فرض على السلطة الحاكمة الانصياع لإرادة سلطة الانتداب الروسي والعمل على استراتيجيتها. من هنا يجد السوريون أنفسهم اليوم، معارضين وموالين، معلقين في الفراغ، أو بالأحرى في حالة انعدام الوزن، مشتتين وعاجزين عن تشكيل قوة مؤثرة، ومجردين من أي إرادة مستقلة أو قرار.  فمن جهة أولى، انتهى النظام القديم ولم يعد بالإمكان إعادة تأهيله، وانهارت معه قواعد عمله وقيمه وتقاليده. فقد تحطمت دولة الأسد كما تتحطم سفينة ضلت طريقها، وارتطمت بالصخور، بسبب حماقة قبطان اختار أن يكون ماسح أحذية لدى السيد المحتل على أن يرى أبناء شعبه أسيادا وهو واحد منهم. ومن جهة ثانية عجز المعارضة او المعارضات وقوى الثورة على مختلف تياراتها عن التفاهم والارتقاء إلى مستوى تأمين النظام البديل الذي يستمد شرعيته من إرادة الشعب، والذي يستطيع وحده إعادة ترميم سفينة الدولة السورية المحطمة والغارقة. وكما يشكل هذا الفراغ الثغرة التي تستمد منها سلطة الانتداب الأجنبي قوتها، يمثل بالنسبة للسوريين حالة من العجز الدائم الناجم عن فقدان القوة المستقلة وانعدام الآفاق وغياب الفرص والخيارات، والتي تقود إلى التخبط والضياع والافتقار لروح المبادرة والابداع في الوقت نفسه. 

من أين يمكن لنا أن نبدأ العمل في هذا الوضع الذي انهار فيه النظام وتفككت المعارضة، وفي تلك الشروط الجائرة؟

 

3

الجواب: من الكارثة ذاتها. فمن رحم الثورة المغدورة، ومن الدمار والخراب والموت الذي قادت إليه حرب الابادة الجماعية التي نظمها حكم جائر على شعب مجرد من السلاح ومفتقر لأي حماية سياسية أو قانونية، خرج ويخرج كل يوم من بين أنقاض دولة الأسد المنهارة والمفككة والمحتلة، مجتمع سوري جديد مستقل عن المجتمع العبودي القديم ومتحرر أكثر فاكثر من قيوده وقيمه ورهاناته. وهو لا يقتصر على الملايين الذين غادروا سورية لاجئين أو نازحين ومشردين، ولكنه يتشكل من العديد من أولئك الأفراد الذين خاب أملهم بالنظام ودمرت أسس حياتهم الطبيعية، في مناطق سيطرة النظام وخارجها. فقد طلق هؤلاء جميعا قفص العبودية الحديدي الذي حبسهم فيه النظام وأصبحوا خارج سلطته المعنوية والسياسية، وهم ينتشرون اليوم في مختلف بقاع الأرض، يعيدون بناء وعيهم وتأهيلهم العلمي والمهني والانساني، في شروط حياة مناقضة تماما لتلك التي عاشوها في الماضي. لقد انتهى الحصار الذي كان يفرضه النظام على الشعب بأكمله ليمنع عنه النور والرؤية والتفكير المشترك والتواصل. وعلى الهوامش وفي المغتربات وداخل مخيمات اللاجئين وصفوف المشردين والمنكوبين، وفي مئات الجامعات العالمية التي يدرس فيها عشرات آلاف الطلبة السوريين في كل الاختصاصات، يتكون مجتمع سوري جديد خارج عن سلطة النظام ونقيض لها. وعندما نتكلم عن مجتمع فنحن نعني نشوء المؤسسات التي حرم منها السوريون لنصف قرن، من احزاب ونقابات وجمعيات مدينة حرة على مختلف أشكالها، بهدف أن يظلوا أفرادا منفصلين ومتعادين وشاكين بعضهم ببعض، متساوين، كذرات الرمل، أو كجسد هلامي من دون عمود فقري يمكنهم من الوقوف والسير. في عالمهم الجديد الحر، يعيد السوريون تواصلهم المقطوع فيما بينهم، ويتعرفوا على ذاتهم ومناقبهم ونقائصهم أيضا، ويطورا وعيا أكثر موضوعية وعقلانية بوجودهم الجمعي، ويعترفوا أكثر فأكثر باختلافاتهم ويستوعبوها ويتمثلونها، بل يحتفون بها، ويعيدوا أيضا تواصلهم الذي انقطع مع العالم، ويكتشفوا إرادتهم الحرة وينسجوا علاقاتهم المدنية والسياسية التي مزقها الاستبداد عبر آلاف الجمعيات والمنظمات الاهلية والسياسية والانسانية التي تخضع لإرادتهم، ويطورون قدراتهم في البحث والتنظيم والمبادرة والعلاقات الدولية. 

كل ما نحتاج إليه اليوم لنسرع في انتقال آثار هذه الثورة الحقيقية إلى داخل سورية القديمة والمتفسخة القائمة وبالرغم منها، هو أن يعمل من تبقى على قيد الحياة السياسية والفكرية من قوى المعارضة التقليدية الماضية على تنشيط التفاعل بين هذه القوى ومساعدتها على تعميق التواصل فيما بينها، وإنشاء الروابط التي تجمع بين الأفراد، على مستوى التجمعات المهنية والجمعيات الاهلية، والمجالس المحلية، والمؤسسات السياسية والاجتماعية والثقافية. ووسائل ذلك تنظيم الحوارات واللقاءات والندوات التي تجمع السوريين، وربما تطوير نوع من البوصلة التي تعنى بالتوجهات الفكرية والسياسية، وتطلق عبر الاعلام الأفكار الجديدة والمبادرات وتعمم نتائج التقدم في أي ميدان على الميادين الأخرى. ومن صلب هذا المجتمع الجديد سوف يولد النظام البديل، بمؤسساته وأساليب عمله وتنظيماته الجديدة، وتتطور قيم التعاون والتضامن المطلوبة للارتقاء بسلوك الأفراد ونوعية تطلعاتهم، وتتخلق قوى النظام الجديد. 

مفارقة التاريخ أنه بالرغم من الكارثة التي أصابته أصبح المجتمع السوري اليوم أكثر قوة وغنى وتماسكا سياسيا مما كان عليه قبل الثورة والحرب حيث لم يكن هناك سوى مؤسسة وحيدة حاكمة وموجهة ومنظمة وسيدة، هي أجهزة الأمن التي يديرها ويشرف عليها سيد مطلق الصلاحية وكلي السطوة والقرار. وهذه هي خدع التاريخ أو بالأحرى جدليته حيث لا تنفصل القوة عن الضعف والعكس صحيح. واليوم، وسورية شبه مدمرة لا نخطيء عندما نقول إن المجتمع السوري لم يعد يفتقر للقوى الحرة والحية والنشطة القادرة على التغيير. ولكنه يفتقر إلى بوصلة تساعده على توحيد الاتجاه، وإلى الأمل الذي يشكل تلك الروح الجامعة والمحركة التي تبعث الثقة وتوحد الإرادة وتشعل العزيمة وتقضي على روح الاحباط واليأس الذي يبعث النفور والتنفير المتبادل داخل صفوف قوى الثورة والمعارضة كما في كل مكان. ولن نستطيع بناء هذا الأمل ما لم نخرج ونخرج السوريين جميعا من تقسيمات الحرب وجدراتها ونعود من جديد إلى سورية ونفكر بمصير السوريين، ونكتشف، فيما وراء انتماءاتهم الطبقية والطائفية والقومية، وعبرها الأفراد الذين تحرروا من ثقافة العبودية، وشفيوا من روح الانانية، وشره السلطة والمال، وانعدام الشعور بالمسؤولية الجماعية، ونقرب بينهم. فهم وحدهم من نستطيع أن نراهن عليها للتغلب على روح الهزيمة والخوف واستبدال أخلاقيات: أنج سعد فقد هلك سعيد، بأخلاق التضامن والأخوة التي قامت على آثارها الجمهوريات في جميع البلدان الديمقراطية، بمقدار ما أسست لمجتمع الحرية والعدالة والمساواة، وعمقت روح التعاون والتفاهم بين الأفراد، وجعلت خلاص الفرد وضمان حقوقه وحرياته مرتبطين بخلاص المجتمع وتطوير دولة الحربة والعدالة وحكم القانون. أما الدول والأقاليم التي فشلت في إرساء أسس التضامن والتكافل الجماعي فقد أخفقت في بناء أسس التعاون بين الأفراد والمجتمعات، وفقد أكثرها فرص التقدم والارتقاء بشروط حياة المجتمعات، وبقي لذلك فريسة سهلة للحروب والنزاعات الداخلية التي لا تنتهي، والتي لا تنتج غير الدمار والموت والخراب، تماما كما هو حالنا اليوم في المشرق الحزين. 

https://www.alaraby.co.uk/opinion/2019/8/25/%D8%A7%D9%84%D8%B6%D9%8A%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A-1