الرد على الحملة الغربية لتشويه صورة الأمة العربية والاسلامية

2002:: الوطن

 

لم يكن العرب مهمومين بالصورة السلبية التي صنعها الاعلام الغربي لهم كما هم عليه في هذه الحقبة• وقد أصبح تغيير هذه الصورة الهوس الحقيقي لوسائل الاعلام والسياسيين في الوقت نفسه• بل إن جدول الأعمال الدولي عند العرب يكاد يقتصر على الدفاع عن حقيقة العرب والاسلام كما أصبح رد التهمة بل التهم العديدة التي ألصقت بالعرب والمسلمين هو الشاغل الرئيسي للرأي العام• وفي هذا الإطار جاءت دعوة أمين عام الجامعة العربية للقاء الذي عقد في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة في نهاية شهر نوفمبر 1002 وكان موضوعه الرد على الحملة المغرضة الغربية ضد العرب والمسلمين.
وإذا كان من المؤكد أن للصورة التي يصنعها الغرب للعرب دور كبير في تبرير السياسات العدوانية عليهم وإضفاء طابع المشروعية على سياسات واستراتيجيات السيطرة المباشرة على مواردهم وتجاهل مصالحهم الحيوية كما هو واضح في فلسطين وغيرها من المناطق، إلا أن المشكلة الحقيقية ليست في هذه الصورة السلبية بقدر ما هي في واقع العرب ذاته. وليس من الممكن إصلاح هذه الصورة بالطرق الإعلامية كما أنه ليس من المؤكد أن هذا الاصلاح حتى لو حصل قادر على أن يغير لوحده من مصير العرب ونمط تعامل الدول الكبرى معهم•
ولو تأملنا في المسألة بقليل من العمق لوجدنا أن ما يقوم به الغربيون ليس تشويه صورة العرب أو صبغها بالسواد فهي ليست بعيدة عن ذلك، ولكن في التفسير الذي يعطيه الغربيون لمصدر هذه السلبية وأسباب وجودها. فهم يبرزونها على أنها انعكاسا لحضارة العرب والمسلمين وتجسيدا لهويتهم أو لهوية تبدو هي نفسها بمثابة ماهية جامدة وتعبيرا عن حقيقة دائمة, في الوقت الذي يجدر النظر إليها بوصفها مظاهر لأزمة تحول تاريخية وثمرة صراعات مرحلية وانهيارات داخلية وتقلبات استثنائية وانعدام السيطرة الذاتية. وفي هذه الحالة سوف تظهر الملامح السلبية في صورة المجتمعات، وهي موجودة بالفعل، تجسيدا لمشكلات اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية تاريخية يمكن وينبغي التصدي لها ونقدها في سبيل تغييرها، وفي هذه الحالة تبدو المظاهر السلبية ظاهرة عرضية لا تدين شعبا بالدونية أو تنقص من أهليته الانسانية بدل أن تبرز كسمة مستمرة وكيانية. 
ومن جهة أخرى لا أدري إذا لم يكن من الممكن تفسير اهتمام العرب الزائد وهوسهم بتحسين صورتهم لدى الغرب على أنه مناسبة أيضا للهرب من مواجهة الواقع، واقع الانحطاط والبربرية الفعلية التي تعرفها نظمنا الاجتماعية، والتغطية عليها باسم هوية إسلامية وعربية نظيفة وإنسانية، أي مناسبة تستخدمها النخب الحاكمة من أجل حرف الانظارعن المعركة الداخلية الحقيقية للاصلاح وتوجيهها نحو معارك خارجية ثانوية. 
ثم إن ما يرد به العرب لاقناع الغربيين بخطأ تصورهم لا يمثل حجة مقنعة في أي حال. فمن جهة أولى لا بنكر الغربيون عظمة الحضارة الاسلامية الكلاسيكية ولا يفتقرون لتقدير انجازاتها وكتابها ومفكريها ولكنهم يعتبرون، وهم على حق في ذلك، أن هذه الحضارة قد زالت، تماما كما زالت حضارة اليونان العظيمة، وأن العرب يعيشون اليوم في حجر نظم اجتماعية بعيدة جدا عن تجسد قيم الحضارة كما هي عليه اليوم وكما تتطلبنا قيمنا الحديثة السياسية والاجتماعية والأخلاقية. ومن جهة ثانية لا يغير البرهان على نصوع صورة الاسلام والحضارة الاسلامية الكلاسيكية وتمسكهما بقيم العقل والحرية والانسانية والمساواة والعدالة من حقيقة أن المجتمعات العربية تعيش اليوم في ظروف تجعلها قريبة جدا مما يسمه الفكر الحديث بالمجتمعات القرسطوية أو حتى البدائية.
ولا ينبغي أن يمنعنا كوننا عرب ومسلمين من أن نتحلى بحس النقد الذاتي وأن ندرك بأنفسنا الصورة السلبية والمشوهة الحقيقية التي أصبحت صورتنا في الواقع لا في الذهن فحسب. بل إن هذا النقد هو التعبير الأصفى عن وفائنا لعروبتنا وإسلامنا. فلا تعني البربرية العيش حسب شروط وفي ظروف الحضارة القديمة الزراعية أو الرعوية ما قبل الصناعية والحداثة. ولكنها تعني العيش في شروط الحداثة ذاتها لكن مع الافتقار للقيم الأخلاقية والانسانية المجسدة لها. ولا نستطيع أن نخفي عن أنفسنا أننا أضعنا القيم الانسانية والعقلانية والأخلاقية في العديد من المجالات أو أننا الكثير من القيم التي احتفظنا بها لا تتفق مع التصور الانساني السائد للانسان وحرمته وحقوقه وغايته، وأصبحنا نبدو بالفعل كمجتمعات همجية وبربرية لم تستوعب بعد أو لن تستوعب قيم المدنية. 
فمن الناحية الوطنية، ما ذا يمكن أن نقول عن شعوب لا تعرف أسلوبا للتعامل فيما بينها وفيما بين أعضائها إلا القتال والنزاع والحروب وتكاد تفتقر إلى أي قدرة على التفاهم والتعاون والعمل الايجابي المشترك في الوقت الذي تجمعها فيه لغة واحدة ويوحد أغلبيتها دين واحد ولها حضارة وتاريخ مشتركين لا ينكرهما أحد من أعضائها، وهي تنادي منذ قرن بانتمائها لأمة واحدة وتبحث عبر حركات كانت من أكثر الحركات السياسية شعبية وجمهورا عن وحدة لا تزال تشغل نخبها منذ أكثر من نصف قرن من دون انقطاع، لكن من دون تحقيق أي نتيجة• إن التشاحن والتنابذ والاقتتال الدائم وعدم القدرة على وضع قواعد ثابتة للعمل والسلوك والعجز عن التراكم والتقدم والانجاز كل ذلك من صفات المجتمعات البربرية التي تفتقر إلى قواعد أخلاقية ونظم سياسية ومؤسسات مدنية فعالة وجدية تساعدها على تحقيق التفاهم وتأسيس أطر التعاون والتبادل السلمي الذي يسمح لها بتطوير مواردها وتفجير طاقاتها وتأهيل مواهب أعضاءها والاستفادة من كل فرد منهم. وبالعكس، إن النزوع الدائم إلى الاقتتال والحرب والتطاحن والتشاحن هو التعبير المباشر عن انعدام العناية بالمصالح الجمعية وغياب المسـؤولية السياسية والمدنية وسيطرة المصالح المادية والوقتية على أي مصالح عمومية وبعيدة أو طويلة المدى وبالتالي عن رفض التفكير بالمستقبل بشكل عام ومستقبل الشعوب والمجتمعات بشكل أخص أو العجز عنه، والانغماس بدلا من ذلك في زمن اللذات الحسية والفورية• وهذا ما يفسر غلبة القيم والمتع الحسية والجسدبة المادية المتعلقة بالبطن والجنس والمال على حساب كل ما تجاوز ذلك من قيم ومتع جمالية وأخلاقية وعقلية ومدنية وسياسية عند جميع الشعوب البدائية.
ومن الناحية السياسية، كيف يمكن أن ننظر إلى مجتمعات لا تزال تعج بالنظم السياسية والمؤسسات التي تجسد أقسى أشكال الديكتاتورية، فتقتل وتنكل بالأفراد وتهجر وتنفي وتلغي الحقوق السياسية والمدنية وتعتقل وتسجن وتعذب من دون حساب ولا رقيب، وتنكر على الأفراد أي حق من الحقوق الانسانية. لقد بدأ بحر الديكتاتورية ينحسر في جميع بقاع العالم، بما في ذلك في أكثر البلاد فقرا وأقل المجتمعات مواردا، في الوقت الذي لا تزال تشهد فيها أكثر حقبها ازدهارا في البلاد العربية ولا يزال التغيير يختلط بتجديد النظم الشمولية وترسيخ أركانها بدل أن يعني الخروج منها. وماذا يمكن أن يقال عن مجتمعات لا تزال النخب الحاكمة فيها تتعامل مع السلطة من منظار حق الفتح والسيطرة بالقوة وترفض الاعتراف للجمهور بأي حق من الحقوق التي أصبحت من قبيل البداهة في المجتمعات الأخرى وفي مقدمها الحقوق السياسية التي تجعل من المواطن الفرد الحر مصدر السلطة والمرجع الأخير فيها، من دون الحديث عن الحقوق الفكرية والاجتماعية والنقابية والاقتصادية• وكيف يمكن أن تنمو المدنية في مجتمع لا يزال الفرد فيه مكبلا بجميع الأغلال الروحية والفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ومحروما من أي وسيلة من وسائل التعبير أو التظاهر أو التنظيم أو النقد أو الكلام، تحت طائلة العقوبات وسلطان سيف قانون الطواريء والأحكام والمحاكم الاستثنائية والعسكرية والأمنية. وكيف يمكن أن توصف بالانسانية أنظمة لا هم لها سوى قهر الانسان ومسخه وإلغاء شخصيته وتجويف حسه ووعيه وفرض التبعية الشخصية الأبدية عليه سواء أجاء ذلك باسم الأمن أو الوحدة الوطنية أو الخطر الأجنبي الداهم أو الحفاظ على النظام التقدمي أو الثوري أو الشعبي أو الولاء لزعامات خنفشارية فرضت نفسها بقوة السلاح واعتقدت أنها تجسيدات أو تجليات إلهية. فقهر الأفراد واحتقار عقولهم والدوس على حقوقهم والتنكيل بهم والتمثيل بصورهم وذواتهم وتحويلهم من بشر أحرار أصحاب إرادة ووعي وحرمة إلى أذناب ومحاسيب وزبائن وأنصاب وأزلام هو أيضا سمة بارزة من سمات الهمجية والبربرية.
ومن الناحية الأخلاقية اعتدنا نحن العرب على أن ندين الغرب لاستخدامه بحقنا معايير مزدوجة في الوقت الذي تمارس فيه مجتمعاتنا ونظمنا معايير خماسية وسداسية وسباعية. فنحن أقرب من أي مجتمعات أخرى اليوم إلى العنصرية التي نمارسها على أنفسنا بالدرجة الأولى. فنحن لا نجد حرجا في النمييز بين الناس صراحة وعلنا حسب معيار العائلة أو العشيرة أو الجنس أو الأصل أو الدين أو الطائفة أو المنطقة الجغرافية أو الثروة أو المنصب أو الموقع من السلطة والسلطان ونعتبر أن للفئات العليا أو المتسلطة حقوقا وقيما ومقامات ومزايا وامتيازات مقبولة ومفروغا منها• فليس لدينا أي مفهوم للمواطنية ولا حتى للأخوة الدينية أو في الانسانية• ومن المستحيل أن يتساوى في تفكيرنا غني وفقير ولا امرأة ورجل ولا ذو أصل مع من لا أصل له ولا ابن حاكم مع من لا سلطان له ولا حتي ابن حزبي من أنصار الحزب الحاكم مع من لا حزب له، مهما كانت كفاءات الآخر وتضحياته ومواهبه الفكرية وقيمه الانسانية• وإذا كانت هناك سمة بازرة للمدنية والحداثة فهي سمة المساواة القانونية والأخلاقية التامة بين الأفراد بصرف النظر عن أوضاعهم الجنسية والدينية والعائلية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في حين لا تظهر النظم الهمجية والبربرية ولا يتجلى انحطاطها الأخلاقي والانساني إلا عبر التمييز الدقيق والقاطع والثابت بين الأفراد والجماعات واختلاق الأعذار المختلفة الوهمية والواقعية لتعميق خطوط التمييز والتمايز وعزل الناس بعضهم عن بعض وتجميد احتمالات اختلاطهم وارتقائهم أو انتقالهم من طبقة إلى طبقة أو من درجة إلى أخرى.
ونستطيع أن نقول الشيء نفسه في ميدان القانون. فمن سمات المدنية والحياة المتحضرة الحديثة أن يكون للأمم قواعد ثابتة للعمل والتعامل والسلوك. ويكرس هذه القواعد ويحفظها عادة دستور يصار إلى صوغه عبر نقاشات طويلة تشارك فيها الأمم على جميع مستوياتها، عبر ممثليها المباشرين مثل النواب أو غير المباشرين مثل أعضاء المجتمع المدني من صحفيين ومفكرين ونقابيين وغيرهم ممن يشارك في تطويرالنقاش عبر الصحافة والكتب والبرامج السمعية أو المرئية. وبالرغم مما يتمتع به هذا الدستور من قدسية في تنظيم الأحكام القانونية فهو لا يعامل معاملة الكتاب المقدس والحرز الأمين والرقية ولكنه يظل بالرغم من قدسيته القانونية دستورا حيا أي موضوع نقاش عمومي هدفه التجديد والتطوير والتنقيح والتعديل كي ييقى وفيا لإرادة المجتمع وحاجاته المتجددة وقادرا على استيعاب التحولات الحضارية وصون وحدة الجماعة وتعزيز فاعليتها وفاعلية أعضائها معا. وعلي هذه الوثيقة التي تجسد الاجماع الشعبي والوطني يعتمد المشرع في إصدار القوانين وضبط أصول تنفيدها وبالرجوع إليها يتحقق من صحتها وعدالتها. وفي المجتمعات الحديثة التي تشكل المساواة القانونية شرطا بنيويا لقيامها ليس للدستور ولا يمكن أن يكون له قيمة ومعنى إلا إذا كان ثمرة اختيار جماعي حقيقي ومشاركة شعبية فعلية. أما الدستور المفروض من قبل الحاكم والمدافع عنه بالقوة العسكرية المحضة فليس له من الدستور إلا الاسم لأنه يفتقر إلى جميع الأسس الأخلاقية والسياسية التي تجعل منه مرجعا دستوريا، أي مقبولا من الجميع. فالدستور المفروض من دون مشاركة شعبية حقيقية أو بأساليب إنقلابية والذي يستخدمه الحاكم أداة لتمكين سيطرته الأبدية على الحكم، والقوانين التي يسندها إليه لتكون وسيلة لقهر الخصوم السياسيين والفكريين وتركيع المجتمع تحت أقدامه، والتجاوزات التي يبررها لنفسه ولقواه الأمنية نظام الديكتاتورية، يلغي مفهوم الدستور ذاته كمرجعية عمومية ويحوله إلى أداة من أدوات السلطة القمعية. وليس هناك مناقشة في أن انعدام الحياة الدستورية الحقيقية وغياب روح القانون والشرائع والتسليم في تنظيم العلاقات الاجتماعية الفردية والجماعية، بما في ذلك ما يشمل علاقات الشعب بالحكم والسلطة الدنيا بالسلطة العليا، لقانون القوة والعنف كل ذلك يشكل سمة أساسية من سمات الهمجية والبربرية.
ومن الناحية الاجتماعية، تكاد المجتمعات العربية التي يلح دينها على التكافل والتعاون والتضامن تكون اليوم أقل مجتمعات العالم عدالة في توزيع الثروة بل في بناء نظم وشبكات العناية الاجتماعية الضرورية للتخفيف من وطأة هذا التفاوت الصارخ في توزيعها. وتكاد الشعوب تتحول بغالبيتها إلى كتل فقيرة ومهمشة ومحرومة من جميع الحقوق السياسية والمدنية والثقافية. ومناخ التوتر والعدوان المتبادل والحروب الأهلية الكامنة والمتفجرة مميزات أساسية لحياة المجتمعات البربرية.
إن تحسين الصورة الخارجية مهم للتقليل من عزلة البلاد العربية وتقليص مخاطر الاستفراد بها وتبرير ضربها. لكن تحسين الصورة العربية غير ممكن اليوم من دون تحسين الواقع. ومن الممكن أن يكون للعمل الاعلامي تأثيرا كبيرا إذا كان جزءا من مشروع متكامل للاصلاح الشامل لكنه لا يمكن أن يكون هو نفسه بديلا من تغيير واقع العرب في جميع المجالات. ومن دون تعيير الواقع نفسه بحيث تظهر الصورة السلبية المنتشرة الآن في تناقض فعلي مع الحقيقة لن يقوم الاعلام إلا بزيادة سلبيتها ذلك لأنه سيضيف إلى القبح الطبيعي الكذب الرخيص.
إن أي عمل ناجع وجدي في سبيل إصلاح صورة العرب والمسلمين ورد الحملات المعادية لهم في الاعلام الغربي ينبغي أن يبدأ بالاعتراف بالواقع وبالاقرار كما بينا بأن هذه الصورة ليست مختلقة بالضرورة أو بالكامل. وأنه إذا أردنا أن نوقف عملية الغش والتلاعب التي تقوم على استخدام سلبيات الواقع العربي الراهن لتبرير العنصرية الموجهة ضد العرب وتكريس العداء لهم والسيطرة عليهم فينبغي أن نبدأ بتغيير الواقع العربي ذاته بما يتفق وقيم الحضارة الانسانية الراهنة، أي قيم احترام الانسان والاستثمار في تربيته وتكوينه لا المراهنة على القوة والعنف ومراكمة الوسائل المادية وترك الشعوب تنوء تحت أعباء الفقر والجهل والمرض وتطحن نفسها في دوامات الحروب الأهلية التي لا تنتهي. وكسر حلقة العنصرية المعادية للعرب لا يمر بتغيير الصورة الشائعة عنهم أي باختلاق صورة وهمية مستقاة من تاريخ الاسلام القديم أو من النزوع إلى تمجيد الذات وغياب الحس الواقعي والنقدي، ولكن بتغيير واقع العرب ذاته : أساليب تنظيمهم وتفكيرهم وتعاملهم مع بعضهم البعض ومنظومات قيمهم وطرق تربيتهم. وعندئذ سيكون العرب في وضعية لن يؤثر فيها اتخاذ الآخرين صورة سلبية عنهم، بل إن مثل هذا العمل سيكون له آثار سلبية على الآخرين الذين يقعون في المطب ذاتها الذي يقع فيه العرب اليوم، وهو سوء معرفة الواقع والتعامل معه. 
باختصار إن تغيير الصورة لا يتم بالكلام أو الدعاية ولكن بالفعل• وهذا يعني أنه لا يمكن لأي استراتيجية إعلامية وتسويقية، مهما كانت نجاعتها، أن تكون بديلا عن استراتيجية تنمية حضارية شاملة• وهنا يكمن التحدي الحقيقي. وما عدا ذلك من الأمور الثانوية. وليس من الضروري أن يحظى العرب بعطف العالم إذا كانت لديهم القدرة على الدفاع بأنفسهم عن مصالحهم وحقوقهم، ولن يضيرهم أن لا ينالوا محبة الآخرين إذا كانوا واثقين من ذاتهم ويحظون بتقدير أنفسهم . فلا يؤثر كثيرا على الولايات المتحدة الأمريكية اليوم أن يكون كل العالم كارها لها ولسياساتها ، ولا يمنعها هذا من أن تضمن لشعبها السلام والأمن وشروط حياة من أفضل ما هو موجود على سطح الكرة الأرضية. فمشكلة العرب الرئيسية لا تكمن في الصورة السيئة التي يصنعها الرأي العام الغربي أو العالمي عنهم ولهم ولكن في واقع شروط حياتهم المحزنة التي تكاد تقرب مجتمعاتهم من البربرية وتلغي لديهم أسس أي حياة أخلاقية وقانونية وسياسية حقيقية. إنها تكمن في فقدانهم للثقة بذاتهم واستبطانهم النظرة الدونية التي تجعلهم ييأسون من تغيير واقعهم وواقع مجتمعاتهم وتوجههم نحو حلم كسب المعارك الشكلية والوهمية الخارجية.