التسوية المطلوبة والحوار المنشود

2012-12-19:: face book

زاد الحديث عن التسويات السياسية في الأزمة السورية في الأيام الأخيرة، بعد تصريحات فاروق الشرع التي ليس فيها من جديد سوى اعتراف النظام بأنه لن يستطيع ان يربح الحرب التي أعلنها هو نفسه على شعب مسالم لم يحمل البندقية إلا للدفاع عن نفسه بعد تعرضه للقتل المتعمد والمنظم خلال ستة أشهر متواصلة.
وجوابي أنه لا تسوية بين نظام مجرم وجائر وشعب انتهكت جميع حقوقه وأولها وأخطرها الحق في الحياة. على من أعلن الحرب أن يوقفها، وعلى الدول الكبرى والصغرى التي تريد أن توقف الحرب أن تجبر القاتل على وقف عملياته. وليس هناك تسوية ممكنة بين الجلاد وضحيته. ولا ينبغي أن يكافأ القاتل والمجرم، الذي دمر بلده وقتل عشرات الألوف من شعبه ليبقى في السلطة، على جرائمه ولا أن تقدم له تسوية يخرج منها مبرءأ من الذنب، وربما شريكا في حكم شعب حكم عليه بالإبادة الجماعية والفتك والدمار. ولا أعني رئيس العصابة وحده ولكن العصابة بأكملها. ينبغي على هؤلاء أن يحاكموا ويدفعوا ثمن ما اقترفوه بحق شعبهم بطوائفه وأطيافه جميعا دون تمييز.
وإذا كانت هناك مخاوف عند بعض الطوائف الصغيرة، وهي حقيقية ومحقة، ينبغي على جميع السوريين الحوار من حولها والعمل مجتمعين على الوصول إلى الترتيبات التي يحتاج إليها التفاهم الوطني وتضمن تطمين الجميع.
ليس هناك أي سبب كي لا يبدأ الحوار منذ الآن، لكن ليس مع عصابة الاجرام، وإنما بين أطياف المجتمع المختلفة نفسها، ومع من يمثلها فعلا ويعبر عن مطالب الناس المواطنين السوريين الحقيقية والشرعية المتساوية وحقوقهم. وليس لأحد أن يعطي ضمانة لأحد سوى الشعب نفسه، ولا يستطيع أن يعطي مثل هذه الضمانات الحقيقية سواه. أما الضمانات الشكلية أو الأجنبية أو الانقسامية التي يراد إقامتها على حساب السوريين أو بالأحرى وحدة الشعب السوري وسيادته واستقلاله ووحدة أراضيه فلن تقدم أي ضمانة فعلية، بل إنها ستكون منبع نزاعات جديدة لا تنتهي. أما بشار وعصابته فهو لا يمثل وليس من المقبول أن يمثل أي فئة اجتماعية أو طائفةو ولا أن يتحدث باسم أحد من السوريين الذين دفعهم إلى الانقسام والدمار والموت وهو عارف ومصمم وقاصد . ولا يكون التطمين بالقوة وإنما بالتفاهم حول دستور الدولة الذي يحكم السوريين ويحتكمون إليه جميعا، والقوانين التي ينبغي أن تضمن المساواة والحرية والعدالة للجميع، من دون أن يظلم أحد أو أن تحصل التسوية إذا كان هناك حاجة إلى تسوية على حسابه، مهما كان وزنه أو عدده أو موقعه.
من هنا الحديث عن تسوية مع النظام لا يعني سوى مكافأة المجرمين على إجرامهم، لكن التسوية والصفح والمصالحة بين جميع طبقات وفئات وطوائف ومذاهب الشعب، هذا هو المطلوب وهو ما ينبغي تحقيقه. ولا مانع أن تساعد الدول المعنية بوقف العنف في تنظيم طاولة حوار وطنية بين ابناء الشعب أو أطيافه لتذليل عقبات التفاهم وتطمين الجميع وإعادة بناء الوحدة الوطنية لجميع السوريين. لكن ليس هناك أي سبب بأن لا نبدأ هذا الحوار الوطني نحن السوريين بأنفسنا.
وربما كان هذا هو المدخل الأول لعزل عصابة الحكم وتجاوز الشك وعدم الثقة بل العداء الذي سعت إلى خلقه بين أبناء الشعب الواحد للاحتفاظ بالسلطة. وأنا أدعو منذ الآن جميع الوطنيين المخلصين للعمل على تنظيم هذا الحوار الوطني الذي سيعيدنا إلى أرضية الوطنية الجامعة بعيدا عن أصحاب المشاريع التسلطية والطائفية البغيضة.