الأسد على خطى المالكي، نعم ولكن

2014-08-17:: العربي الجديد

  سقط المالكي أخيرا وقبل بعد ممانعة مشهودة بالتنحي عن الحكم والاعتراف بحكومة العبادي، وغدا ربما سيزاود في التعبير عن دعمها. وأهم ما أظهره هذا التنحي أن مفتاح سر المالكي كما هو الحال بالنسبة للأسد هو طهران. رفض المالكي كل نداءات العالم، بما في ذلك باراك اوباما الذي سلم المالكي السلطة بيده، بل رفض أكثر من ذلك نداء المرجع الشيعي الأكبر في العراق، علي السيستاني ولم يرد عليه. وحدها طهران اقنعته في ليلة واحدة بالحماسة للتنحي وأشعلت روح "الوطنية" فيه.

أكدت طهران بالفعل انها هي التي تملك النفوذ الاكبر والحاسم في العراق ولا أحد غيرها، لكن اعترفت في الوقت نفسه بان سياستها التوسعية قد وصلت إلى طريق مسدود ولم يعد أمامها إلا القبول بالتراجع أو ترك الهيكل الاصطناعي الذي أقامته من قم إلى المتوسط ينهار على رؤوس ايران والايرانيين.
لم يكن تمسك طهران بالمالكي حبا به أو تقديرا لمواهبه وإنما بالعكس لأنه قبل بأن يلعب لعبة تقسيم العراق، ودفعه إلى التنازع مما يوفر لها الفرصة الوحيدة للإمساك بكل مقاليد السلطة فيه. فأي تفاهم بين العراقيين سوف يفرض مشاركة وبالتالي مراقبة السياسيين العراقيين غير التابعين للحرس الثوري الايراني في حكم العراق ويضعف بالتالي من تحكم طهران الكامل بالقرار العراقي واستخدامه السهل لخدمة أجندة الهيمنة الإقليمية الايرانية. ما يحصل اليوم في العراق هو إدن نهاية حكم قاسم سليماني المطلق للعراق وتسلط النظام الايراني عليه. ومنذ الآن على طهران أن تأخذ بالاعتبار مصالح العراقيين الآخرين ومصالح الدول الأخرى التي ساهمت أيضا في "تحرير" العراق.
لا يختلف الوضع في سورية كثيرا. فطهران تدفع قصدا إلى تقسيم الشعب السوري وتغذي الحرب بين أبنائه حتى توثق ارتباط النظام السوري بها وتستخدمه في خدمة اجندتها الأقليمية وورقة من أوراق مفاوضاتها الدولية. وهناك من كتب عن حق يقول إن تخلي طهران عن المالكي يعطي الأمل بتخليها عن بشار في سورية. هذا أكيد، لكن لا يزال هناك طريق طويل ينبغي على السوريين أن يقطعوه قبل أن يأملوا بتفاهم امريكي ايراني في سورية. أولا لأن المطلوب في سورية ليس التفاهم على رئيس جديد فحسب ولكن تغيير النظام بأكمله، وثانيا لأن ايران هي الدولة الأقل حقا في المطالبة بتقاسم النفوذ مع واشنطن في بلد كسورية يشكل مركز مصالح استراتيجية حيوية للدول الإقليمية الكبرى الأخرى، من الخليج إلى مصر إلى تركيا، بالإضافة إلى المصالح الغربية عموما. ولن يسلم احد من هؤلاء لطهران بالنفوذ الأول، كما هو الحال في العراق حيث تملك أوراق لعب قوية من دون شك.
لكن في ما وراء هذا وذاك، في سورية شعب دمرت طهران بقيادتها المباشرة وتحت إشراف قاسم سليماني نفسه حياته بأكملها، ومحت جزءا كبيرا من حضارته ومدنه وعمرانه، وشردت الملايين من أبنائه، ولا تزال تدفع إلى الموت كل يوم عشرات السوريين الأبرياء لتحافظ على نفوذ لا شرعي، وتتصرف بقسوة وعنف وعدم اكتراث للحياة الانسانية أكثر مما تصرف به أي استعمار على وجه الأرض، بما في ذلك الاستعمار العنصري في جنوب أفريقيا السابقة.
في سورية، بخلاف العراق، لن يمكن التحرر من نظام القتل والدمار والتشريد من دون التحرر من الاحتلال الذي مكن للنظام وقاد خطواته ودفعه إلى طريق الخيانة والانتحار.