لايزال منطق الحرب هو المسيطر في واشنطن وتل أبيب

2002-04:: الوطن

مع عودة وزير الخارجية الامريكية الى الشرق الاوسط عادت المناورات الامريكية الاسرائيلية الى سيرتها الطبيعية كما لو ان شيئا لم يحصل في السنتين الماضيتين من عمر الانتفاضة الفلسطينية وبشكل خاص في الاسبوعين الماضيين الذين شهدا الغزو الاسرائيلي المنظم للمدن والقرى الفلسطينية مع ما رافقه من فظائع يندى لها جبين البشرية. والواقع ان المسؤولين الامريكيين المختلفين لم يخفوا منذ بداية قبولهم العودة الى الانخراط في عملية وقف اطلاق النار في الضفة الغربية موقفهم التقليدي الذي يلقي المسؤولية الكاملة تقريبا فيما حصل في فلسطين على الفلسطينيين انفسهم وعلى رأسهم ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية. وعندما سئل كولن باول قبل سفره الى المنطقة بقليل عن غايته من مقابلة بعض الزعماء العرب قبل وصوله الى الاراضي الفلسطينية قال من دون تردد بأنه يريد ان يدفع الزعماء العرب الى الضغط على ياسر عرفات كي يوقف العمليات الارهابية ويعلن عن تصميمه على القضاء على العنف. ومع ذلك يمكن القول ان تصريحات كولن باول كانت ودية الطابع تجاه العرب بالمقارنة مع تصريحات آري فليشر الناطق باسم البيت الابيض الذي قال في اليوم التالي لوصول باول الى المنطقة وعلى سبيل تكذيبه وإفشال مهمته : إن الرئيس الامريكي يعتقد ان آرييل شارون رجل سلام وأن كل ما يفعله هو السعي لضمان امن شعبه على طريق السلام وتطبيق اتفاقات اوسلو بينما لم يف الرئيس عرفات بالتزاماته ويضع حدا للارهاب. وقد طالب الرئيس الفلسطيني باسم جورج بوش من جديد ان <يعلن للملأ ادانته للعمليات الدموية وكل اشكال الارهاب وكذلك عن التخلي عن العمف كأداة للعمل السياسي.

وإذا كان هذا هو الموقف الامريكي بالفعل فنحن مازلنا بالرغم من كل ماحصل في العتبة ذاتها التي بدأنا منها في الثمانينات عندما طالبت الولايات المتحدة ياسر عرفات بنبذ الارهاب كشرط للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية. ولا يختلف الموقف الامريكي في هذه الحالة شعرة واحدة عن موقف الحكومة العنصرية في تل أبيب. ذلك ان الاسرائيليين يرددون هم ايضا ان الحرب التي يخوضونها في الاراضي الفلسطينية ليست الا جزءا من الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة ضد الارهاب في العالم كله. ولو تأكد ذلك وهو مؤكد حتى الان على ما يظهر من تصريحات الساسة الامريكيين على مختلف مشاربهم  فلن يكون الغرض من الانخراط الجديد للولايات المتحدة في الشرق الاوسط العمل من أجل ايجاد حل او المساعدة على ايجاد حل للنزاع العربي الاسرائيلي كما يعتقد العرب وينتظرون في الوقت نفسه ولكن تهدئة الوضع العربي وتخدير الحكومات العربية والرأي العام للحد من احتمال تحول الحرب الاسرائيلية الفلسطينية الى حرب عربية اسرائيلية, وبالتالي مساعدة اسرائيل على كسب الحرب والتخلص بشكل دبلوماسي من ذيولها السياسية والاخلاقية المدمرة واخراجها من الورطة التي وضعت نفسها فيها بأقل الخسائر الممكنة.

هناك بالتأكيد كما تنقل جميع المصادر المطلعة اختنلافات قوية في التحليل وفي الموقف السياسي داخل الادارة االامريكية نفسها بين فريقين فريق الصفور وفريق الحمائم كما يقال وربما بين  الخارجية من جهة والبنتاغون والكونغرس من جهة ثانية. فالخارجية تميل كما يبدو الى الاطروحة التي تقول ان على الولايات المتحدة واسرائيل اذا أرادت أن تدفع الفلسطينيين الى التخلي عن العنف والارهاب  -  فارجاع الوضع الراهن الى االارهاب الفلسطيني واعتبار جوهر المسألة هو الارهاب هي نقطة الالتقاء عند الطرفين – فينبغي ان تقدم لهم أملا بالحصول على شيء ملموس, وبالتالي ان نربط وقف العنف والارهاب – الفلسطينيين دائما – بأفق مفاوضات سياسية واضح وان تكون مفاوضات وقف اطلاق النار مدخلا للمفاوضات السياسية حول الدولة الفلسطينية. وبالعكس تميل أوساط الصقور التي تخفي من دون شك تأييدها الكامل للمخططات الاستيطانية التوسعية الاسرائيلية الى تأييد السياسات الاسرائيلية اليمينية الرامية الى تطويق الفلسطينيين وعزلهم وحصارهم تحت شعار انه لا ينبغي ان يسمح بتقديم أي تنازل للارهاب أو امام الارهاب. ولعل مما شجع هؤلاء على اعطاء الضوء الاخضر لشارون لبدء العمليات العسكرية الوحشية ضد الفلسطينيين ما حصل من اعتقاد في الايام القليلة السابقة على الحرب بأن الفلسطينيين الذين تمكنوا بفضل بعض العمليات الاستشهادية الناجحة من زعزعة  ثقة اسرائيل بنفسها وتهديد استقرارها وأثاروا من جديد الشك في احتمال بقائها على قيد الحياة قد داخلهم الشعور بالانتصار وخامرهم الاعتقاد بأنهم اكتشفوا في النهاية في العمليات الاستشهادية السلاح الفتاك الذي يهدد اسرائيل. وكان من  الممكن لهذا الشعور الفلسطيني الجديد والخطير باكتشاف القنبلة البشرية التي تستطيع أن توازن القنبلة النووية الاسرائيلية وتحد من قيمتها الردعية إذا استمر وتنامى ان يدفع الفلسطينيين الى الاعتقاد بفعالية التكتيك الارهابي وبشجعهم على استخدامه في سبيل وضع وجود اسرائيل نفسه في خطر. وكان من الضروري في نظر هؤلاء تذكير الفلسطينيين من جديد بالحقيقة الاساسية  وهي أن العنف والارهاب لن يساعدهم على تحقيق أي هدف ولن يتمكنوا بذلك من فرض الاذعان على اسرائيل ومن باب اولى ان يطردوها من الشرق الأوسط. وكي يجبر الفلسطينيون على فهم هذه الحقيقة واستيعابها وكي يكفوا عن عدوانهم على اسرائيل ينبغي ان يخسروا الحرب بأي ثمن.  وهذا هو الموقف الامريكي الذي عمل على تشجيع اسرائيل على تنفيذ مشروع الحرب الاسرائيلية الجديدة ضد الفلسطينيين واعادة احتلال مدن وقرى الضفة الغربية. وهو الموقف الذي لا يتردد ولن يتردد عن دعم اسرائيل في مشروعها لطرد الفلسطينيين وترحيلهم الى الاردن اذا لم يتعظ الفلسطينيون في نظر هذا الفريق الصقوري المتطرف من الادارة الامريكية ويوقفوا اعمالهم الارهابية. ويلتقي هذا الموقف مع مخطط ارييل شارون ايضا وتيار اليمين العنصري الاسرائيلي المتطرف الذي نجح في الدخول الى الحكومة اليمينية ليعطي لاسرائيل اكثر حكومة قومية متطرفة عرفتها في كل تاريخها.

يقودنا هذا التحليل الى التأكيد على أنه, ومنذ الأن, ومع الضغوط التي ستمارسها القوى القومية الدينية المتطرفة التي دخلت حكومة شارون, لا ينبغي ان نستبعد من ذهننا أي احتمال من احتمالات تطور الاوضاع الفلسطينية. فليس هناك شك اولا أن التيارات السائدة والتي ستستمر سائدة في واشنطن لفترة طويلة بعد ترسخ نظريات واستراتيجيات حرب الارهاب  الدولي هي التيارات اليمينية المتطرفة والنازعة الى التدخل واستخدام القوة لحل النزاعات في أي بقعة تظهر فيها في العالم. وليس هناك شك ان هذه التيارات هي التي تنسجم اكثر وتتفاهم بشكل أكبر مع حكومات مثل حكومة شارون, إضافة الى انها مرتبطة جوهريا بالتيارات الصهيونية المناصرة للدولة الاسرائيلية مهما كانت سياساتها. وهي تيارات لا تعترف بقانون ولا بحقوق انسانية أو وطنية وتؤمن ان مصلحة امريكا وحلفائها هي المقياس الوحيد للسلوك الاستراتيجي والاخلاقي والقانوني الصحيح معا. وليس هناك شك ايضا ان الولايات المتحدة ترى في الحرب ضد الفلسطينيين حربا ضرورية لاخضاع العرب جميعا وإذلالهم وأنها لا تمانع في أن  يكون لاسرائيل التي تخوض هذه الحرب لحسابها ايضا حصة كبيرة من المغانم وفي مقدمها الضفة الغربية التي تعتقد ان السيطرة عليها شرط اساسي لضمان مستقبل اسرائيل وتوسيع هامش قدرتها البشرية والدفاعية.  وليس هناك شك أخيرا في أن المنطقة سائرة حتما, اذا استمر هذا الوضع ولم يحصل تبدل في آسلوب عرض القضية الفلسطينية ومشاكل المنطقة الشرق اوسطية بشكل عام في واشنطن, نحو حالة من التصعيد المتسارع في العنف مفتوحة على كل الاحتمالات وأخطرها. فمنطق آرييل شارون وحلفائه مثله مثل منطق اليمين القومي الامريكي المتطرف الذي يسيطر اليوم في الادارة الامريكية, وهو منطق الاخضاع والاملاء وفرض الاذعان بالقوة, لا يمكن ان يقود الى شيء أخر في عالم عربي فقد كل امل بالعدالة والقوانين الدولية ومن قبل ذلك بوسائل المفاوضات والتسويات السياسية سوى الرد على القوة بالقوة.

 ومالم ينجح العالم العربي, بما فيه من حكومات مسؤولة ومنظمات مدنية وقوى شعبية في العمل والمبادرة القوية والسريعة لتعزيز موقف الفلسطينيين ومساعدتهم بجميع الوسائل والاساليب على وقف ابتزاز الولايات المتحدة واسرائيل بالقوة والعنف وعلى كسب الحرب او على الاقل عدم خسارتها أمام اسرائيل وبالتالي الخروج من دون أي نتيجة سوى العذابات التقليدية والبؤس والاغتراب والطرد والترحيل فإن المنطقة سوف تسير بأكملها نحو  مواجهة انتحارية.

 لن تربح اسرائيل في النهاية شيئا وربما عرضت وجودها نفسه للخطر لكن العالم العربي سوف يواجه ايضا حالة من الدمار والبؤس والانهيار تطيح لا محالة بجميع التوازنات والترتيبات الحالية.