التغيير الديمقراطي في سورية

2005-05-01:: الرأي

 

1- أسباب التغير
ثلاث أسباب للتفاؤل:

هناك ثلاثة عوامل تعمل لصالح التغيير السياسي والديمقراطي منه بشكل خاص في سورية وعموما في العالم العربي الذي بقي بعيدا عن موجة التحول الديمقراطي الكبيرة التي أعقبت سقوط جدار برلين وانهيار التكتل السوفييتي. العامل الأول هو إفلاس النظم الاستبدادية والشمولية والديكتاتورية عموما في المنطقة العربية كما هو الحال في غيرها من المناطق وظهور النتائج الوخيمة والمدمرة لسياساتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية والثقافية معا. وهذا الإفلاس وما يرتبط به من زوال الأوهام التي كانت معلقة عليها، يشكل عامل تدمير مستمر للأسس التي كانت تقوم عليها شرعيتها السياسية أو ما تبقى من هذه الشرعية في الوقت ذاته الذي يدينها بانعدام الصدقية ويجعلها تلجأ للحفاظ على بقائها إلى مختلف أساليب الكذب الفاقع والمراوغة والخداع والازدواجية والاحتيال كما يتجلى ذلك في خطابات وأحاديث مسؤوليها.
والعامل الثاني هو تبدل البيئة الدولية الجيوسياسية والفكرية معا بدءا من زوال مناخ الحرب الباردة الذي ألغى التنافس العدائي بين القوى العظمى وحاجتها في سبيل كسب الدول الزبونة المؤيدة لها إلى التساهل مع الحكومات الصديقة أو الحليفة وانتهاءا بما أحدثه هجوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 من اهتزاز في ثقة الولايات المتحدة بالنظم العربية الحليفة التي كانت تراهن عليها للحفاظ على مصالحها الحيوية والاستراتيجية في الشرق الأوسط وفي العالم عموما. وبعد الضياع الواضح والتردد في تحديد مصادر الخطر الرئيسية على هذه المصالح يبدو أن الرأي العام الغربي الرسمي قد بدأ يأخذ بالأطروحة التي لم نكف عن الدفاع عنها في السنوات الماضية والتي تقول بإن حكم الاستبداد والطغيان والارهاب الداخلي ليس هو السد الحقيقي ضد تفجر حركات العنف والارهاب الشرق أوسطية وامتداداتها في الدول الغربية بقدر ما هو الحاضنة الحقيقية لهذا العنف والسبب الأول في تفجره ونموه وانتشاره.
وهكذا نشهد اليوم إحلال خطاب الديمقراطية ونشر الحرية عند المسؤولين الأمريكيين والغربيين عموما محل الخطاب الذي ساد لأكثر من سنتين بعد أحداث 11 سبتمبر عن الحرب العالمية الصليبية على الارهاب. ولم يعد يمر يوم من دون أن يجد الرئيس الأمريكي الفرصة كي يردد أمام الصحافة أو الرأي العام تعلقه بمثل الحرية وحربه التي لا هوادة فيها ضد نظم القهر والاستبداد في العالم العربي وعلى امتداد الكرة الأرضية. ومهما كانت صدقية هذا الخطاب وبصرف النظر عن النوايا يشكل الالتزام العلني بالدفاع عن الحرية والديمقراطية في العالم والاعتراف بخطأ السياسات القديمة القائمة على تعزيز النظم الاستبدادية شرخا كبيرا في نظام القهر الذي يتخذ أكثر فأكثر صفة النظام العالمي الواحد أو المتضامن حتى لو تركز في مناطق معينة من العالم. فلم يكن من الممكن لأي نظام استبدادي البقاء حتى اليوم في العالم العربي وغيره لو لم يحظ بالدعم المادي وبالتغطية الواسعة السياسية والاستراتيجية والإعلامية الدولية.
والعامل الثالث هو انبعاث المطالب الاجتماعية وانتعاش المجتمع المدني في العالم العربي بموازاة تقهقر أوضاع النظم السياسية الاستبدادية وتبدل البيئة الدولية وانتشار الوعي بأهمية الديمقراطية وبقيم المواطنية لدى أوساط متزايدة من المثقفين ونشطاء المجتمع السياسي ومن ثم بعث المجتمع المدني بعد فترة طويلة من الضياع والصمت والاستسلام للقدر نتيجة غياب الآفاق والفرص المفتوحة. ولا شك أنه كان ولا يزال لوسائل الاتصال الجديدة التي أدخلتها ثورة المعلوماتية وشبكة الانترنت والإعلام الفضائي دورا كبيرا في هذا الانتشار السريع للقيم والأفكار الجديدة وفي تنامي الشعور بأن المجتمعات العربية جزء لا يتجزأ من عالم واحد وتصاعد وتيرة الطلب على الانخراط في هذا العالم والمشاركة في معايير الحضارة المدنية الصاعدة.
هذه العوامل الثلاثة هي التي تكمن اليوم وراء ما ينبغي تسميته الموجة الرابعة من التحول الديمقراطي والتي يشكل العالم العربي بؤرتها الرئيسية. وليس هناك شك في أن مسألة التحول الديمقراطي والانتقال من نظم واحدية استبدادية مغلقة نحو نظم تعددية تنزع نحو الديمقراطية هي التي ستحتل القسم الأكبر من السنوات الخمس أو العشر القادمة في البلاد العربية. وإذا لم تعد الدول الأطلسية التي تتمتع بنفوذ أساسي في المنطقة الشرق أوسطية إلى سياسة تعزيز النظم الاستبدادية كما كانت عليه سياستها التقليدية في المنطقة ولم تستخدم خطاب الحرية كوسيلة لتعزيز دورها في تقرير مصير البلاد العربية وفي إضفاء الشرعية على تدخلاتها المباشرة أو غير المباشرة في شؤونها الداخلية خاصة في تكريس الاحتلال والاستيطان اليهودي في فلسطين، يمكن لهذا التحول أن يحصل بوتيرة أسرع وأن تنتج عنه أوضاع تسمح بسهولة في إعادة بناء الحياة السياسية العربية على أسس جديدة تساهم في تحقيق حد كبير من الاستقرار وإطلاق عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية.

 

2- علاقة الداخل بالخارج:
أكثر عضوية مما نظن

هل صحيح كما قال الرئيس بوش في خطابه في الثالث عشر من أبريل 05 أن سقوط تمثال صدام حسين والنظام العراقي كان بالنسبة للعالم العربي بمثابة سقوط جدار برلين في أوروبة الذي سمح للبلدان الشيوعية وشبه الشيوعية التحرر من النظم الشمولية، وبالتالي هل كان التدخل العسكري الخارجي في العراق كما يؤكد الأمريكيون هو أساس الديناميكية الديمقراطية الجديدة التي تفجرت في العالم العربي بعد طول انتظار؟ من حق الرئيس الأمريكي أن يبحث عن شرعية متأخرة لغزوته العراقية التي أثارت ولا تزال الكثير من الاعتراض والاحتجاج بسبب ما تتعرض له من مصاعب وانكشاف انعدام مبرراتها بعد أن تبين خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل التي كانت إزالتها هي الهدف الرئيسي لها. لكن الحقيقة غير ذلك تماما.
فبالعكس مما يردده الرئيس الأمريكي، لم تعزز الحرب الأمريكية على العراق التوجه العربي نحو الديمقراطية ولكنها أخرته وجمدته لفترة لأنها زرعت الشك في محتوى التحولات الديمقراطية العربية وغاياتها وأوحت للرأي العام المتردد أصلا بسبب الخوف أو عدم الثقة بالنفس أن ما تدعيه النظم الاستبدادية من أن مشروع الديمقراطية هو بالأصل خيار خارجي مرتبط بالهيمنة الأجنبية وبعودة النظم الاستعمارية. وقد أصاب هذا الاختلاط الرأي العام العربي بالشلل بقدر ما قسمه وصدع الوعي الديمقراطي العربي. ولم تستعد الدعوة الديمقراطية التي انطلقت منذ بداية العقد الأخير من القرن العشرين ديناميكيتها إلا بعد أن تأكدت من أن مشروع الاحتلال الأمريكي للعراق قد باء بالفشل وأن مشروع الديمقراطية ليس مشروعا داخليا فحسب كما أظهرت ذلك المشاركة الواسعة في انتخابات فبراير وإنما هو أكثر من ذلك مشروع لا يتناقض بالضرورة مع برنامج الوطنية العراقية والعربية نفسها.
إن الذي دعا الأمريكيين إلى تبني الديمقراطية هو إدراكهم بأن حصان النظم الاستبدادية الذي ربطوا نفوذهم في الشرق الأوسط به خلال نصف قرن قد فقد السباق بل هو في طريقه لأن يلفظ النفس الأخير وأنهم إذا أرادوا الحفاظ على مواقعهم ودورهم ومصالحهم في المنطقة فلا بد لهم من أن ينقلوا البندقية من كتف إلى كتف آخر وأن يستبقوا الأحداث وينتزعوا هم أنفسهم زمام المبادرة في مسألة التحول الديمقراطي. فلن يقدم لهم هذا الموقف فرصة لا تفوت لركب موجة الديمقراطية والتحكم بها فحسب وإنما أكثر من ذلك تبرئة أنفسهم من خطايا الدعم الكامل وغير المشروط الذي قدموه خلال العقود الخمس الماضية لنظم الطغيان والإرهاب المحلية من دون أن يتذكروا لحظة مباديء الحرية والتعددية وتقرير المصير أو أن يشعروا بأي شكل من أشكال التعاطف مع الشعوب العربية أو التأثر بمعاناتها وآلامها.
لكن مهما كان الدافع إليه، يشكل هذا التبدل في الموقف السياسي والفكري الأمريكي إذا صدق واستمر عاملا حاسما في خلق ظروف ما أسميه مرحلة تفكيك النظم الشمولية والانتقال إلى التعددية في العالم العربي. وإذا كانت التعددية مدخلا لا مهرب منه لولوج الديمقراطية إلا أنها ليست متطابقة معها، ومن الممكن وجود تعدديات سياسية خالية من أي قيمة أو ديناميكية ديمقراطية وقائمة على تلاعب القوى الخارجية أو شبكات المصالح ومافيات المال بأصوات الناخبين ومصائرهم معا. لكن من الممكن إذا تغير هذا الموقف الامريكي من التعددية أن نعود بسهولة إلى الوضع الذي سمح لأنظمة الطغيان أن تستمر بمأمن من أي خطر، أي إلى نشوء شروط عقد صفقة جديدة بين النظم الاستبدادية والهيمنة الاستعمارية أو شبه الاستعمارية التي سمحت للعنف الأعمى المسلط على الشعوب أن يستشري بعيدا عن رقابة الرأي العام الدولي. لكن حتى لو حصل ذلك فلن تكون النتائج هذه المرة من النوع ذاته الذي ساد في الماضي ولكن تفجيرا للمجتمعات التي فقدت القدرة على الاحتمال وفتح الباب أمام حقبة طويلة من الاضطرابات وأعمال العنف الداخلية والخارجية.

 

3- جاهزية المعارضة:
نكتة الحوار والمؤتمر الوطني وضعف فكري وسياسي محير

تشكل المعارضة من دون شك العامل الأضعف في عملية التحول الديمقراطي المطروحة اليوم على جدول العمل السياسي السوري. فبالرغم من التطور الدراماتيكي في الأحداث بعد اغتيال الحريري وبروز موضوع التغيير السياسي في سورية على رأس جدول الأعمال السورية والعربية والدولية لا تظهر المعارضة الكلاسيكية السورية حتى الآن مع الأسف أية جاهزية لا من الناحية الفكرية ولا من الناحية السياسية. فلا تزال تهوم في عالم الخيال وتحلم بالديمقراطية التي تريد أن تقدم لها على طبق من فضة وتطمح، عن طريق ما تسميه بالمؤتمر الوطني، إلى تفاهم مع القوى الحاكمة حول مسائل فتح النظام أو تغييره بدل أن تفكر ببناء جبهة المعارضة الديمقراطية التي تشكل وحدها أداة ثابتة لتحقيق التحولات الديمقراطية سواء أجاءت هذه التحولات نتيجة تصدع النظام وانقسامه أو نتيجة انهياره وتحلل قواه المختلفة. ولا تزال هذه المعارضة تعاني أيضا من الناحية السياسية من التخبط والانقسام وضعف التنظيم والعزلة الكبيرة عن الجمهور الواسع. وتعاني المعارضة من الأمراض نفسها التي يعاني منها النظام في الواقع، أعني أنها لاتزال مثله تعيش في عالم آخر ينتمي هو أيضا إلى مناخ حقبة الحرب الباردة ولم تستبطن التحولات الكبيرة التي حصلت على الصعيد الجيوسياسي والجيوثقافي وتستوعب دروسها للانتقال بوسائل التفكير والعمل والممارسة إلى آفاق وأنماط جديدة تتفق ومشاعر الجمهور العربي الراهن ومتطلباته وأساليب عمله وتفكيره. ومن هنا فهي لا تزال تستخدم أساليب عمل بالية وتحلم ببناء الأحزاب على الطريقة القديمة وتتخبط بسبب ذلك في مشاكل الانقسام الفكري والتنظيمي. مما يفسر ما تعيشه من انعدام التفاهم ونقص القدرة على المبادرة والتخبط في الخيارات المتاحة أو عدم الوضوح فيها.
ومن الصعب لأي محلل موضوعي أن يفهم تكتيكاتها التي صبت ولا تزل تصب في طاحونة النظام وتساعد على بقائه ووحدته. فلا يعني مطالبتها المتكررة للسلطة بالمشاركة في عقد مؤتمر وطني إلا استمرارها في الرهان على النظام القائم والعمل كما لو كان هو محور عملية التغيير القادمة. ولا يمكن لمثل هذا التكتيك إلا أن يعزز شعور الرأي العام بهامشية المعارضة من جهة وبمركزية النظام من الجهة الثانية وأن يغلق أمام المعارضة جميع آفاق الخروج من العلاقة الثنائية التي تربطها بالنظام ومن الشرنقة التي وضعت نفسها فيها وهو يعزلها بشكل متزايد عن جمهورها العريض الذي ينتظر قيادة حقيقية لبدء مسيرة التحولات الديمقراطية الفعلية. والواقع لا أستطيع أن أفهم ماذا تنتظره المعارضة الداعية منذ سنوات إلى مؤتمر وطني للحوار من نظام لم يظهر لها سوى الاحتقار والازدراء ويرفض منذ سنوات أن يتعامل معها من خارج وسائل القمع المخابراتية؟ وكيف يمكن للمعارضة أن تقنع نفسها بجدية مثل هذا الحوار مع السلطة لترتيب أوضاع البيت الداخلي كما تقول هي في مواجهة المخاطر الخارجية في الوقت الذي لا يرى أصحاب النظام وسيلة للتعامل معها أفضل من تلك التي استخدموها ويستخدمونها لكسر اعتصام آذار أمام القصر العدلي للمطالبة بإلغاء القوانين العرفية وحالة الطواريء المسلطة منذ أكثر من أربعين عاما على رقاب البلاد والعباد.
إن فكرة مؤتمر الحوار الوطني هي أكبر هدية يمكن للمعارضة أن تقدمها للنظام. وغطرسة أصحاب هذا النظام وقادته هي وحدها التي منعتهم من تلقفها وإحراج المعارضة وفرض التسوية من مواقع هامشية عليها. فما الذي يمكن أن يقود إليه مؤتمر حوار وطني يجمع بين السلطة والمعارضة اليوم سوى تكريس شرعية النظام القائم وتوسيع وتحسين صيغة الجبهة التقدمية الحاكمة والاستمرار في عزل المعارضة عن جمهورها الواسع الذي يئس من التلاعب والوعود الكاذبة والتغيير الشكلي في الأشخاص والقوانين للحفاظ في النهاية على الوضع نفسه وعلى السيطرة الأحادية والكلية للفئة الحاكمة والمالكة نفسها. إن شعار مؤتمر الحوار الوطني قد عطل عمل المعارضة خلال السنين الخمس الماضية وأفقدها صدقيتها بقدر ما أظهرها أمام الرأي العام وكأنها تركض وراء سراب دون ماء، في الوقت نفسه الذي أضفى على النظام الشرعية بما تضمنه من الاعتراف به كطرف وطني أو شريك محتمل في مشروع وطني وغسله من جميع ذنوبه وعواقب سياساته التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه. لقد ساعد هذا الشعار في دعم استراتيجية النظام القائمة على كسب الوقت بقدر ما أبرز عدم نضج المعارضة وطفولية تفكيرها وبين كم هي عاجزة عن بناء استراتيجية تغيير مستقلة عن السلطة وكم هي مفتقرة لمشروع خاص بها يميزها عن مشروع النظام القائم. لقد أظهرها وكأن كل همها هو الدخول في النظام والعمل تحت جناحه وجناح أصحابه.

 

4- احتمالات التغيير
الانقلاب الأبيض أو الانفجار:

إذا لم تطرأ تغيرات سريعة على سلوك المعارضة السورية في الأشهر القادمة فليس من المستبعد أن يتخذ التغيير طابع الثورة من الداخل أو الانقلاب الأبيض الذي تسعى فيه فئة داخل النظام بالتفاهم مع الولايات المتحدة إلى التخلص من الأجنحة المترددة وإعادة توزيع الأوراق بما يسمح لها بإدخال قوى جديدة للحقل السياسي وتوسيع دائرة المشاركة في النظام مع تعديل قواعد عمله وإقرار التعددية الشكلية التي تخدم استمرار المصالح الطفيلية القائمة أو جزءا منها.
والمطلوب من أجل تجنب هذا التحول الانقلابي الشكلي ( بما يعنيه من تعزيز الاتجاه نحو تحولات ديمقراطية حقيقية تعيد إدماج الشعب في العملية السياسية وتدفع إلى إعادة تنظيم الحياة العمومية على مباديء تقديم المصلحة العامة والمحاسبة والمسؤولية) تحرير المعارضة السورية من المفاهيم والممارسات والتجارب التي ارتهنت لها خلال العقود والسنين الماضية والارتقاء بعملها إلى مستوى القوة الفاعلة والقائدة لعملية التحول التي هي بالأساس عملية مجتمعية مفتوحة لمشاركة جميع أبناء المجتمع وليست حكرا على رئاسة الجمهورية أو الحكومة أو النظم السياسية. ويستدعي ذلك من المعارضة العمل السريع على تكوين إئتلاف واسع يضم إلى جانب القوى والتجمعات السياسية المعروفة هيئات المجتمع المدني الناشطة على أرضية التغيير الديمقراطي واحترام حقوق الانسان كما يستدعي إبراز تميز خياراتها السياسية والاجتماعية والثقافية والاستراتيجية أيضا عن خيارات النظام القائم.
وهذا يعني أن على المعارضة التفكير في استراتيجية عمل مغايرة لا تسعى إلى التغيير من خلال التفاوض مع النظام الذي أظهر بما فيه الكفاية رفضه للحوار والتفاوض خلال أكثر من أربعين عاما وإصراره على الانفراد بالسلطة حتى لو سمح لبعض الفئات بالمشاركة في بعض فتاتها، ولكن من خلال الحوار مع الجمهور الشعبي الواسع والتفاهم معه والتفاعل مع قضاياه وتعبئته وتنظيمه. وهذا يتطلب رفع شعارات تظهر استقلال المعارضة عن السلطة وتصميمها على التغيير وايمانها بهذا التغيير وبالقيم التي تدافع عنها واستعداداها لتقديم التضحيات في سبيل تحقيق أهدافها جميعا. وفي هذه الحالة ليس ما تحتاج إليه هو التذكير كلما تفاقم الخطر الداخلي أو الخارجي بضرورة الحوار الوطني الذي يوحي بإرادة المصالحة والتفاهم مع النظام ولكن بالعكس العمل على تكوين جبهة المعارضة الوطنية وترميم الشروخ القائمة في ما بين أطرافها وتذليل الصعوبات الفكرية والسياسية التي تحول دونها. ولا يمكن تحقيق ذلك أيضا من دون تبني شعارات واضحة وصحيحة تلف من حولها عناصر المعارضة الكلاسيكية والجديدة وتقدم للجمهور وللرأي العام السوري الذي أبعد بالترهيب والترغيب عن السياسة أفقا واضحا للعمل من أجل التغيير وايمانا حقيقيا بإمكانية تحقيقه.
وإذا كنا نرفض التغيير من الخارج كما نرفض التغيير عن طريق العنف فالشعار الوحيد الذي ينبغي رفعه والهدف الوحيد الذي ينبغي الوصول إليه هو فرض انتخابات نزيهة وشفافة تنبثق عنها حكومة تمثيلية تكون مهامها إعداد الدستور الجديد وقيادة مرحلة الانتقال نحو حياة ديمقراطية سليمة تشارك فيها جميع الأحزاب والقوى الاجتماعية والسياسية بما في ذلك حزب البعث نفسه على قدم المساواة مع الأحزاب الأخرى.
وكل ما عدا ذلك من شعارات مرفوعة اليوم حول المؤتمر الوطني والحوار الوطني التي تهدف إلى إحراج النظام في مسألة الإصلاح و التغيير سوف تنقلب وهي تنقلب على المعارضة بقدر ما تغذي الوهم بإمكانية الإصلاح من داخل النظام وتعطل التفكير في دفع المجتمع نفسه إلى أخذ مسؤولية التغيير على عاتقه والانخراط في معركة الإصلاح مع المعارضة أو من دونها. فلا يمكن لمثل هذا الشعار في نظري إلا أن يصب في طاحونة النظام. فإذا كانت المعارضة نفسها تراهن عليه وتنتظر مبادرته لإشراكها في جهود الإصلاح فما بالك بالرأي العام المعبد عن السياسة والمفتقر لأي تنظيم؟
إن الإصلاح لا يمكن أن يتحقق إلا مع تغيير النظام، أي مع تغيير قواعد ممارسة السلطة التي اعتمدت، منذ انقلاب آذار 1963، على تطبيق صيغة حكم الحزب الواحد وانفراده بالسلطة وتسيير البلاد والمجتمع معا بأوامر إدارية وعسكرية وأمنية، مهما تعددت الواجهات الشكلية. وهذا يعني أن الاصلاح يبدأ بتحرير الدولة من السيطرة الحزبية الفئوية، وضمان استقلال مؤسساتها تجاه أي حزب أو فئة حاكمين، الآن وفي المستقبل. وإصلاح السلطة وتبديل قواعد عملها في اتجاه تكريس التعددية والديمقراطية يبدأ بانتخابات نزيهة وشفافة تعكس بشكل سليم وفعلي إرادة المجتمع وتنوع مصالحه وتوجهاته واختياراته المختلفة. وخروج حزب البعث المسبق من الحكم ضروري لتحريره من استلاب السلطة وشرط لا غنى عنه لنجاح عملية إعادة تأهيل أعضائه الذين حولتهم السلطة المطلقة والمكرسة بالدستور خلال عقود طويلة من دون إرادتهم إلى أدوات في يد آلة حكم قهري غشيمة وغاشمة بقدر ما سمحت لهم بممارسة سلطة بعيدة عن أي مساءلة أو محاسبة وطنية سياسية أو أخلاقية، وبالتالي لإعداده للمشاركة الايجابية في الدولة الديمقراطية القادمة.
إن الاستمرار في نهج استجداء الحكم للحصول على جلسة حوار يفرض فيها بمزاوداته المعروفة بالوطنية جدول أعمال النظام المتمحور حول البقاء في السلطة بأي ثمن ومهما كانت عواقب السياسات التي يتبعها لحماية مصالح شبكاته المختلفة يعني إلغاء أفق التفكير ببناء حركة التغيير الديمقراطي الواسعة التي ينبغي أن تضم إلى جانب قوى المعارضة الكلاسيكية المنظمة جميع هيئات ومنظمات المجتمع المدني الناشئة وقطاعات الرأي العام المتعددة المطالبة بالتغيير خارج النظام وداخله أيضا. وبالعكس أن النجاح في بناء هذا التفاهم الديمقراطي الواسع هو الطريق الوحيد لفرض التنازلات السياسية والاجتماعية الحقيقية على فئات قليلة تماهت مع الحكم وطابقت دورها مع وظائفه وكرست نفسها مالكة أبدية للدولة والمجتمع.
وبالمثل، كما أن استمرار توجه المعارضة إلى مخاطبة الحكم بدل مخاطبة الرأي العام والمجتمع يجسد ما تعيشه هذه المعارضة من ضياع استراتيجي فإن تجاهلها للعالم الخارجي وتنكرها لضرورة الحوار مع أطرافه المختلفة وتعففها في البحث عن حلفاء لها ولقضيتها من بين القوى العربية الرسمية والشعبية وبين القوى الدولية، في الولايات المتحدة وأوروبة أيضا، يعكس استسلامها وتسليمها بالعجز ويهدد بترك المجال مفتوحا أمام صعود دور القوى الأجنبية في إحداث التغيير وتنامي قوة المنظمات التي ترتبط بها في الداخل والخارج على حساب تبلور وتعاظم وزن القوى الوطنية الداخلية. إن التردد في التوجه بقوة نحو المجتمع الدولي والحوار مع أطرافه وفئاته وقطاعات رأيه العام المتعددة والمختلفة لصالح الاستمرار في الرهان على تغير النظام من الداخل ورفض الانخراط في عملية السياسة الخارجية وتركها حكرا كاملا على النظام وتجاهل أهمية التحالفات مع القوى الصديقة أو المؤيدة للتغيير الديمقراطي وللمطالب الوطنية السورية يضعف الثقة بالمعارضة ولا يطمئن الرأي العام، لا في سورية ولا في العالم العربي ولا في العالم عموما على مستقبل التحولات السورية. إنه يثير الشك بقدرتها على الانجاز ويبعد الجمهور الواسع والقوى الدولية أيضا عن المراهنة عليها من أجل التغيير ويقدم لها الدليل على أن المعارضة السورية لا تزال خائفة من ممارسة المعارضة ولا تزال تحلم بالمشاركة في السلطة من خارج النظام أو من داخله أكثر مما تعنى بتغييره.

 

5- المؤتمر القطري:
تكريس الوصاية على الدولة والشعب

أكبر إساءة للمعارضة وللشعب السوري أن يفكر النظام باستيلاد الإصلاح من داخل التنظيم ذاته الذي قاد إلى الخراب العام والذي يعترف أصحابه أنفسهم أنه بحاجة إلى إصلاح. وسبب هذه الإساءة أن الحكم وأصحابه لا يزالون يتصرفون كما لو أن حكم الحزب الراهن هو قدر سورية وأنه يختصر بوجوده وأفكاره واختياراته الشعب السوري كله، يحل محله ويتكلم باسمه ويعمل وكيلا عنه. إن ربط الاصلاح القادم بمؤتمر الحزب هو إهانة للمجتمع السوري بقدر ما هو تعبير عن استمرار إرادة تغييبه باسم الاصلاح كما تم تغييبه من قبل باسم الثورة أو باسم النضال ضد الإمبريالية والصهيونية. فما هي قيمة هذا الشعب الذي رهن مصيره كاملا وللأبد بمجموعة من الحاكمين الذين لم يظهروا حتى الآن نجاحا في أي ميدان من ميدان السياسة أو الإدارة ولم ينجحوا بعد عقود من الحديث المكرور في التصحيح والتغيير والاصلاح والتطوير في صوغ أي برنامج أو أجندة أو أي مسودة مشروع يستحق هذا الاسم في إصلاح أي قطاع من القطاعات التي أصابها الخراب بفضل السياسات العشوائيه واللامسؤولة التي استمرت عقودا طويلة.
إن تكليف الحزب الحاكم ببلورة مشروع الإصلاح هو تأكيد لاستمرار نهج التمييز بين المواطنين واغتصاب حقوق الشعب من قبل حزب واحد وتكريس الوصاية الأبوبة على المجتمع.
يعدون الشعب بأن المؤتمر ربما يقر مبدأ إصدار قانون للأحزاب. وعلى الأغلب سيفعل ذلك لأنه ليس لديه اختيارات أخرى لقطع الطريق على الضغوط الخارجية ووضع حد للانتقادات التي توجه إليه كنظام قائم على التسلط والانفراد بالسلطة من قبل الحزب الواحد. لكن أي تعددية يمكن أن تصمد امام ما ينبغي تسميته بالاستعمار الرسمي الشامل للدولة ومؤسساتها من قبل الحزب وأجهزته وممثليه وما ينجم عن ذلك من تفريغ الدولة نفسها من مضمونها واستخدام أدواتها القانونية والأمنية والمادية والإعلامية لخدمة حزب واحد وسلطة برهنت خلال العقود الماضية أنها لا ترى غير مصالحها الخاصة ومصالح أفرادها وشبكات زبائنها ولا تملك أي مفهوم لمعنى المصالح العامة والعليا وليس لديها أي إحساس بوجود جماعة وطنية أو سياسية تستحق السؤال أو الحوار أو المشاورة حتى لا نتحدث عن المشاركة، اللهم إلا عند الحاجة إلى تكريس السلطة المفروضة بالقوة من خلال استفتاءات شكلية يراد لها أن تكون مصدرا لشرعية شعبية. هاهو النظام المصري لا يزال مستمرا في السياسة التسلطية ذاتها منذ عقود تحت سيطرة الحزب الوطني واستبداده وانفراد رئيسه بالسلطة المطلقة بل ونزوعه إلى توريث ابنه بالرغم من وجود قانون التعددية الحزبية ووجود صحافة معارضة نقدية قوية أيضا. إن المؤسسات السياسة ليست في مثل هذه الأنظمة إطار إنتاج السلطة وممارستها على الإطلاق. فهي ليست إلا قشرة رقيقة تغطي على المؤسسات التي تمارس بالفعل السلطة وتديرها وتتحكم بها كما تتحكم بالمجتمع والأفراد والمنظمات التي تتعامل بها عن طريق الضغط والتلاعب والتحييد والترغيب والترهيب، أعني المؤسسات الأمنية المدنية والعسكرية المتحالفة مع مؤسسة الرئاسة ذات الصلاحيات والسلطات الاستثنائية. وهكذا تتحول السياسية إلى مجرد لعبة لتمضية الوقت وإلهاء المثقفين النقديين والتغطية على السلطة المطلقة التي تمارسها الأجهزة التي لا تخضع لأي مراقبة أو مساءلة حقيقية لا في البرلمان المضمون لصالح السلطة القائمة ولا خارجه.
يعدون أيضا بتغيير القادة وتشجيع جيل جديد شاب على الحلول محل الجيل القديم المحافظ. ماذا يحمل مثل هذا التغيير في الواقع العملي؟ لا شيء على الإطلاق بل ربما حمل سلبيات أكثر من الايجابيات. يشهد على ذلك ما حصل خلال السنوات القليلة الماضية من تغييرات شملت العديد من المواقع في الرئاسة والإدارة والإعلام.
ليست حكومة الجمهورية السورية أو لا ينبغي أن تكون رهينة بقرارات فريق خاص أو فئة من قطاعات الرأي السورية بعثية كانت أو غير بعثيه ولا ينبغي أن تربط برنامج عملها بها. فهذا يعني أنها ليست ذات سيادة وأن السيادة هي ملك فئة محددة من الرأي العام. وبناء الإصلاح السوري على قرار حزب سياسي يدمر الأسس السياسية للإصلاح لأنه يرهنه بمصالح فئة خاصة من المجتمع ويسيء إليه. إذا كانت هناك نية حقيقية في الاصلاح فينبغي أن تعلنها الحكومة للشعب وتطرح برنامجها للاصلاح وتفتح حوارا حوله مع جميع أبناء الشعب الذي ستطلب منه المشاركة في تحقيق هذا البرنامج وفي بذل التضحيات لإنجاحه بما فيهم البعثيون.

 

6- ثمن استمرار النظام القائم
الموت تحت الأنقاض:

ماذا سيحصل إذا رفض نظام الوصاية الحزبية وتغييب الشعب والإخضاع بالقوة وتقييد الحريات والاستهتار بمعنى الحق والقانون أن يرحل؟
الجواب أن ما سيحصل هو ما نعيشه منذ سنوات طويلة قبل ظهور العهد الجديد وبعده، أي التراجع المستمر على جميع الجبهات الاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والمعنوية وربما الانهيار. فلا يستطيع أحد أن ينكر أننا أضعف اليوم في موقفنا تجاه إسرائيل مما كنا عليه منذ عقد أو عقدين ونكاد لا نملك خيارا واحدا لمواجهة احتلال اسرائيل لأراضينا وتكريس استيطانها لها وزرعها بالمستعمرات. ونحن في وضع إقتصادي أسوأ اليوم، بالرغم من جميع القوانين والاصلاحات التي قمنا بها في السنين الماضية، فقد تخلينا عن اقتصادنا المخطط ولكننا لم ننجح في بناء اقتصاد سوق نشيط، واستثماراتنا الخاصة، المحلية منها والأجنبية في تراجع مستمر. ومواردنا تتناقص في حين تتزايد نفقاتنا مع الركود الاقتصادي ومتطلبات الاندماج في السوق العالمية. ولا يزال معدل تزايد السكان عندنا أعلى من معدل نمونا الاقتصادي مما يعني تدهورا مستمرا في مستويات المعيشة وشروطها بالنسبة للأغلبية الساحقة من السكان. وهذا يعني تزايد التوترات ومخاطر انفجار النزاعات في المستقبل القريب. ونحن في وضع اجتماعي أكثر سوءا بما لا يقاس مما كنا عليه في العقد الماضي إذ تبلغ نسبة السكان الذين يعيشون على حافة الفقر 60 بالمئة بينما تبلغ نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر 30 بالمئة في حين يبلغ معدل البطالة حسب إحصاءات المنظمة العربية للعمل 30 بالمئة من القوة العاملة. وهو معدل مؤهل للارتفاع لأن الركود الاقتصادي لا يسمح بامتصاص أكثر من 10 بالمئة من 250 ألف شخص من الداخلين الجدد كل عام إلى سوق العمل. ونحن في وضع أسوأ أيضا من الناحية السياسية. فالنظام الأحادي الذي خضعنا له خلال عقود طويلة ماضية بدأ يتعرض لتحديات وضغوطات داخلية وخارجية زعزعت استقراره ولم يعد قادرا على احتواء قوى وتيارات الاحتجاج المتنامية والتي ستتفجر بسرعة في الأشهر والسنوات القادمة. فبدل أن يستفيد من السنوات الهادئة الماضية من أجل تطوير القنوات التي تسمح باستيعاب مطالب الاحتجاج والرد عليها استعدادا للطوفان القادم فضل، لقصر نظر القائمين عليه، أن يستمر في التشديد على القوى الجديدة و إغلاق جميع المنافذ أمامها بما فيها تلك المنتديات الفكرية البسيطة وراهن على تعزيز الإجراءات الأمنية وتجهيز فرق التدخل السريعة. وروحنا المعنوية الفردية والجماعية أسوأ اليوم من أي فترة ماضية فقد فقدنا الايمان بقدرة نظامنا على مواجهة التحديات والرد على المشكلات المستعصية ولكننا لا نثق بأي قوة داخلية قادرة على التغيير والاصلاح وأصبح أكثرنا ينتظر رحمة ربانية أو يراهن على تدخل القوى الدولية لمساعدتنا على حسم أمورنا. إننا فاقدين للثقة بقادتنا وبأنفسنا معا ويائسين من قدرتنا على التعامل الايجابي مع أي قوى أخرى عربية أم أجنبية.

 

7- سورية المستقبل
لن نحصد إلا ما زرعناه

سورية المستقبل ليست سرا. أنها مرهونة بعمل السوريين وذكائهم وقدرتهم على التفاهم لفكفكة الفخ الذي نصبناه لأنفسنا في السنين الطويلة الماضية والذي نجد أنفسنا اليوم رهائنه وضحاياه في الوقت نفسه. وهذا الفخ هو الاستسلام والتسليم لقائد ملهم أو لحزب طليعي ثوري بمقاليد أمورنا وتحميله المسؤولية جميعا مكاننا، أي تخلي الحاكم والمحكوم فينا عن واجبه الوطني والمواطني، الاول نتيجة سوء استخدام المسؤولية والثاني نتيجة الاستقالة السياسية والانسحاب من الشأن العام وانطواء كل فرد على مصالحه الخاصة والشخصية حتى لم يبق هناك مكان لا لفكرة وطنية ولا لمسؤولية جماعية. وهذا هو السبب في خراب أهم ما لدينا ولدى أي مجتمع آخر على الأرض أي الوطنية كروح وكمؤسسات وكقوى سياسية وكخيارات استراتيجية. ولا مستقبل لنا ولسورية التي هي نحن إن لم ننجح في معالجة خراب الوطنية هذا وفي إعادة بناء ذاتنا أو وعينا ودولتنا ومؤسساتنا وقوانا السياسية وخياراتنا الاستراتيجية على أسس تسمح لجميع الأفراد بالمشاركة وتعزز شعورهم بالانتماء إلى جماعة واحدة متضامنة ومتعاونة تحكمها مباديء أخلاقية من عدالة ومساواة وحرية ولا تعيش نهبا للأهواء الخاصة وللمصالح الأنانية ولا تخضع لقانون القوة الغاشمة "الطبيعية". فإذا نجحنا في ذلك نتحول إلى طرف يمكنه التفاوض مع أطراف أخرى والتعاون معها من أجل تنمية إنسانية لا يمكن أن تكون اليوم إلا إقليمية. وإذا أخفقنا سنفقد الثقة أكثر بأنفسنا ويفقد الشركاء المحتملون أيضا الثقة بنا وبقدرتنا على العيش حسب معايير الحياة الإنسانية الطبيعية، وسنتحول إلى حقل تجارب ومنافسات بين جميع الأطراف العربية وغير العربية التي تستطيع أن تستفيد من الموقع الذي نعيش عليه لتحسين مواقعها وشروط مفاوضاتها الإقليمية والدولية. إن مستقبلنا رهن بقدرتنا على إعادة بناء ثقتنا نحن أولا بأنفسنا وإعادة بناء ثقة الآخرين بنا كمجتمع إنساني نشيط وفاعل ويستحق أن يكون شريكا موثوقا في حضارة تتجه أكثر فأكثر إلى تكون كونية. وأنا لا أشك لحظة في أنه من وراء الأنقاض التي نرتطم بها اليوم وتنهال على رؤوسنا مع انهيار النظام وبالرغم منها تختمر روح مقاومة لا تنفذ لكل أشكال واحتمالات الانحدار نحو البربرية التي فرضت علينا، وأن سورية حرة وديمقراطية ملك جميع أبناءها ومصدر اعتزازهم سوف تظره بأسرع مما نعتقد من تحت الأنقاض و لن تتأخر كثيرا قبل أن ترى النور.