وداعا للمفكر والمناضل الطيب التيزيني

2019-05-19:: موقع د.برهان غليون

ودعت حمص البارحة مفكرها الكبير الطيب تينزيني الذي وافته المنية عن عمر يناهز ال85 عاما في الوقت الذي لا تزال سورية تبكي بأكملها نتائج الكارثة التي قادتها إليها سياسات حكم أو احتلال، صرف جل وقته وموارد البلاد على تحصين نفسه ضد شعبه، وجعل من كراهية الفكر والمفكرين والايقاع بهم ثقافته الوحيدة. كان الطيب أكثر المثقفين ايمانا بضرورة العمل من داخل سورية، والأكثر تفاؤلا بقدرة القلم والفكر على المساهمة في معركة التغيير، التي وهب نفسه لها. التقاني، في نهاية عام 1969، قبل سفري إلى فرنسا، ونحن أبناء حي شعبي واحد، ليدعوني، ولم أكن قد أصدرت أي كتاب بعد، إلى التعاون معه في إصدار مجلة الشبيبة التي وعد هو برئاسة تحريرها. فاعتذرت منه وأشفقت عليه في الوقت نفسه بسبب ما بدا لي من تفاؤله المفرط، وطيبة نواياه، وهو ما ابتلينا به نحن الحماصنة على العموم ولا نزال. ورحلت بعد ذلك لألتقيه مرارا خلال ندوات متفرقة، خارج سورية، ثم في سورية نفسها بعد أن عدت للتردد عليها. ولم أتوقف بعد ذلك عن متابعة مسيرته الفكرية والسياسية التي كثيرا ما تقاطعت مع مسيرتي الشخصية.

لم يكن الطيب من أبرز المفكرين السوريين والعرب فحسب، ولكنه كان من أكثرهم اجتهادا في البحث عن وسائل تعزيز دور الفكر والنقاش الفكري والسياسي في تحقيق الإصلاح الذي كان يدرك، مثل الكثير من المفكرين والمثقفين السوريين الآخرين، أن غيابه سوف يقود البلاد نحو الكارثة.

في مسيرته الحافلة بالنشاط الفكري والسياسي كما في موته مثل الطيب التيزيني بامتياز ماساة الفكر والمفكرين في دولة قرر حاكموها أن تكون سياجا وسجنا لعموم شعبها بجميع طبقاته ومكوناته، ومسلخا بشريا لأفضل شبابها ومبدعيها.