من الثورة إلى الحرب الطائفية

2015-01-11:: face book

 

يسعى الروس وبعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، تحت تأثير اللوبيات العاملة لصالح ايران وروسيا ومافيا الأسد معا، إلى تشويه الحقائق، والادعاء بأن أصل الصراع هو حرب أهلية يتنازع فيها طرفان على تقاسم السلطة، وبالتالي يتساوى فيها الفريقان في المسؤولية عن الاقتتال وسفك الدماء والدمار. ويرسخ هذه النظرية التركيز على التناقضات أو المشاحنات الطائفية السنية الشيعية والعلوية. والحال أن أصل الصراع الدموي الراهن لا علاقة له بهذه التناقضات والمشاحنات، وإنما هو رفض السلطة الديكتاتورية والدموية الحاكمة في سورية الحوار بأي شكل مع حركات الاحتجاج السياسي السلمية، وإعلانها الحرب على شعبها، وقتل الألوف من أبنائه بشكل عشوائي وبدائي لردعه وإخضاعه بالعنف والقوة المجردة، والاصرار على هزيمته وتفضيلها تدمير بلادها وتشريد الملايين من شعبها والقضاء على شروط حياته على التنازل له والقبول حتى بالقليل من مطالبه الشرعية والعادلة. هذه هي المشكلة ولا يحلها تقاسم السلطة القائمة من معارضين وغير معارضين، ولا جمع المعارضة وقتلة النظام على مائدة حوار واحدة، مهما كانت عريضة ومغرية وكائنا من كان المضيف. لا أمل في أي مسعى للحل من دون الإقرار الأول بضرورة وضع حد لنظام الديكتاتورية والعنف الدموي، والتسليم بفساده، والقبول بوقف الحرب ونقل السلطة ولو تدريجيا وبطريقة مدروسة ومتفق عليها، وهذا هو هدف المفاوضات، للشعب. عندئذ يمكن للسوريين أن ينعموا بالأمن، وأن يكرسوا كل قواهم وإمكاناتهم وإبداعهم لإعادة بناء وطنهم المنكوب والوقوف في وجه الارهاب والاحتلال.

 

هذا يعني أن الانتقال السياسي ليس موضوعا للتفاوض والحوار. موضوع التفاوض والحوار هو الصيغ الأسلم والأفضل والأكثر امانا وتوفيرا للدماء السورية لتحقيق هدف الشعب بالانتقال إلى نظام جديد يضمن كرامة السوريين وحرياتهم وحقوقهم الأساسية المتساوية وفي مقدمها حكم القانون. وهذا ما يضمن، فوق ذلك، وحدة الشعب والبلاد.

 

هذه هي نقطة الخلاف الرئيسية بين من يقولون بأن أصل الصراع هو مواجهة السلطة الحاكمة لثورة شعبية بالحديد والنار، وهذا ما لا يمكن لأحد إنكاره بعد سنوات أربع من القصف الهمجي اليومي على المدن والقرى والأحياء، وأؤلئك الذين يدعون بان الأمر هو صراع اهلي طائفي بين سنة وعلوية. في الحالة الأولى هناك حل واضح، هو النزول عند إرادة الشعب واحترام حقوقه في اختيار ممثليه بحرية،  وفي الحالة الثانية لن يكون هناك مخرج من الحرب سوى بحسم المعركة من قبل طرف وفرض الخضوع والاستسلام على الطرف الآخر أو التدخل الخارجي والتقسيم. وهذا ما هو حاصل حتى الآن، وما هو واضح في تصميم النظام المستمر على حسم النزاع بانتصار عسكري، وفتح البلاد أمام التدخل الايراني واسع النطاق لضمان استمرار حلمه المجنون بنصر لن يحصل عليه مهما فعل، ولن يكون مآل التمسك به سوى تكريس الاحتلال الأجنبي للبلاد. قد يعتقد البعض أن من الممكن الخروج من هذه المواجهة بالضحك على المعارضة وإقناعها بزيادة حصة "الطائفة" المحرومة في النظام، أي برشوة المعارضة لقاء اصطفافها إلى جانب خيار ترميم الديكتاتورية بدل الوفاء لمطالب الشعب. لكن النتيجة ستكون لفظ الشعب للمعارضة واستمرار القتال.

 

باختصار لم يعد من الممكن بعد أربع سنوات من العنف ودمار البلاد وتهجير الملايين من أبنائها الحديث عن تقاسم السلطة أو تعديل موازينها أو إجراء تعديلات وإصلاحات في طريقة ممارسة الديكتاتورية والعنصرية الاجتماعية والسياسية لوقف النزاع. هذا يعني ببساطة الاستسلام واغتيال ثورة الشعب ويعني خيانة المعارضة لتضحياته ودماء أبنائه، وتبرئة القاتل، وتجريم الضحية، لقاء إدماج حفنة من الوصوليين في حاشية النظام ورئيسه، ومشاركتهم في مأدبة التهام لحم السوريين آمالهم.

 

على هامش الصراع الرئيسي والمحوري بين النظام الدموي والشعب الثائر، نشأت بالتأكيد نزاعات وتوترات وعمليات انتقام بين الطوائف، لكنها كانت ولا تزال مرتبطة بالصراع الرئيسي وتابعة له، ولن تجد حلها إلا في تغيير النظام الذي استخدم التمييز والتقسيم الطائفي والاتني والاجتماعي ليشتت المجتمع ويحرمه من الوعي الجمعي ووحدة الارادة والقدرة على الفعل. وهذا هو أصل الاعتقاد السليم في أن نظاما ديمقراطيا يساوي بين الجميع، ويعطي لكل فرد الحق ذاته، ويفرض عليه نفس الواجبات، هو وحده القادر على تجفيف مصادر النزاع وإعادة توحيد الشعب على أرضية التنوع الاتني والمذهبي والديني والاجتماعي، وبالرغم منها، كما هو الحال في كل المجتمعات.