عن مسخ التقدمية العربية وضلالها

2017-03-24:: face book

 

في وضعه الذي لا يحسد عليه يحتاج الاسد ونظامه باستمرار إلى منشطات ودعم معنوي يقنع به نفسه أنه لا يزال نظاما سياسيا ولا يزال هناك من يعتقد باحتمال بقائه. وفي هذا الاطار اعتاد النظام أن يستقبل وفودا غربية وعربية من القوى السياسية الساقطة في بلدانها، لالتقاط صورة تذكارية وإعلامية مع "الرئيس الصامد". وفي هذا الاطار استقبل في اليومين الماضيين وفدا تونسيا يضم ممثلين من احزاب : نداء تونس ـ جبهة الإنقاذ والجبهة الشعبية، وهو ائتلاف سياسي يساري وقومي وبيئي، ومشروع تونس، وهو حزب ليبرالي "تقدمي" والاتحاد الوطني الحر ، الذي عبر، كما تقول الأخبار، عن دعم هذه الأحزاب وما تمثله لسياسات الأسد وبارك ما يقون به من "أعمال بطولية" لنصرة القيم التقدمية والقضايا العربية.

وكما ذكرت صحيفة القدس في ٢٣ آذار ١٧،"تعكس هذه الزيارة المهينة للشعبين السوري والتونسي اتجاهاً لا يمكن إغفال قوّته في الشارع التونسي ويمكن تتبع جذوره داخل حكومة الترويكا التي حكمت تونس بعد الثورة، وكان أحد المعبّرين عنه وزير الداخلية التونسي الأسبق لطفي بن جدّو، الذي دخل عام 2013 السوق المفتوحة لتشويه الثورة السورية (والنساء التونسيات) عبر خرافة «جهاد النكاح» التي احتفل بها وقتها أيّما احتفال، وزاود بها على مناصري النظام السوري الطبيعيين من جماعة اليسار الستاليني والممانعة القومجية، وانسجم في ذلك مع وسائل الإعلام التونسية المؤيدة للنظام السوري والمروّجة لدعاياته ».
وكما تساءلت الصحيفة بحق، كيف يمكن لمشاركين في ثورة أسقطت زين العابدين بن علي بفضل موقف جيش تخلى عن رئيسه ورفض رفع السلاح على المتظاهرين، أن يتعاطفوا مع رئيس تشبث بالحكم، ورفض اي حوار مع شعبه، ولم يوفر وسيلة من وسائل القتل والابادة الجماعية والدمار لينتزع استسلامه؟

في ما وراء الفصام السياسي االنابع من الضياع في زحمة الايديولوجيات والمفاهيم الخاطئة للحداثة والتقدم والعلم والعلمانية، يكمن جوهر هذا السقوط القاسي لجزء من النخبة العربية، وليس التونسية فقط، في القطيعة الكاملة بينها وبين جمهور شعبها، واحتقارها لنفسها وتاريخها، وتحويلها مباديء التحرر الانساني الى أوثان تحرمها من فهم معاناة شعوبها وعذاباتها، وتمنعها من التعاطف معها، إن لم تبرر لها عداءها وكراهيتها لمجتمعاتها، أي لذاتها أيضا. هذا هو في نظري ثمن الاغتصاب والمسخ الثقافي الذي تعيشه قطاعات واسعة من نخبنا الحديثة. وهو ما يقربها من مسخ دمشق ويحرمها من رؤية إجرامه وجنونه.