دعوة الى حوار وطني

2013-12-18:: المدن

 

بالرغم من الضربات الموجعة التي يوجهها مقاتلو الحرية لميليشيات السلطة و المرتزقة الأجانب في ريف دمشق و بعض المناطق الاخرى، تمر ثورة الكرامة السورية بمرحلة صعبة و جديدة، نتيجة تجنب الدول و الأمم المتحدة القيام بواجباتها تجاه حماية الشعب السوري من حرب الابادة الجماعية، و ضعف الهياكل التنظيمية للمعارضة و الجيش الحر، و نقص الذخيرة و الامداد لدى الأغلبية العظمى من الكتائب المقاتلة، و دخول منظمة القاعدة على الخط لوضع الجيش الحر بين كماشة النظام الخائن لشعبه و أصحاب المشاريع و الأجندات الخاصة التي ليس لها علاقة بمشروع الشعب السوري التحرري و الوطني.

يعزز من مخاطر هذه المرحلة، الفتور الذي بدأ يدب في معسكر أصدقاء الشعب السوري الذي راهنا عليه خلال السنتين الماضيتين لتأمين الدعم السياسي و القانوني و العسكري، و الاختلاف المتنامي في وجهات نظر و توجهات العديد من أطرافه، نتيجة المنافسات السياسية الإقليمية و التطورات الدولية، مما يهدد تماسك هذا المعسكر و وحدته، و يؤثر على موقفه الموحد من دعم الثورة السورية.

أمام هذا الواقع الجديد، و تبدل الرهانات، و تفاقم التحديات، و تزايد المصاعب، تتغير الأفكار، و تتباين الرؤى، و تنمو أسباب الانقسام و التنازع و التنافس بين أطراف الشعب السوري الثائر، و تغيب البوصلة التي توجه الجميع نحو هدف واحد، يتماشى مع تحقيق مطالب الشعب و ضمان حقوقه الأساسية.
يضاف إلى ذلك التحدي الذي يمثله انحياز أصدقاء سورية و حلفاؤها إلى خيار الحل السياسي، و تخليهم عن فكرة الحسم العسكري، و بالتالي تحويل مؤتمر جنيف٢ إلى البند الاول و الحلقة الرئيسية في كل النشاط السياسي و الدبلوماسي و العسكري في جدول أعمال مواجهة الأزمة السورية.

لجميع هذه الأسباب، أصبح من المُلِح و العاجل اجتماع كافة القوى المعنية بتغيير نظام القتل و الدمار و بانتصار حقوق الشعب و ضمان مستقبل سورية و مستقبل أبنائها، حول طاولة حوار مستديرة، تضم كل أؤلئك الذين يعلنون انتماءهم إلى مشروع ثورة الكرامة و الحرية، و يرفضون استمرار النظام كما يرفضون الانحراف بالثورة عن أهدافها الحقيقية التي ضحى من أجلها مئات آلاف السوريين، بأرواحهم و أمنهم و أرزاقهم و ممتلكاتهم، من معارضة سياسية على مختلف أطيافها، و كتائب مقاتلة بكل تلويناتها الايديولوجية، و المكونات الاخرى من كوادر الدولة المنشقين، المدنيين و العسكريين، الذين ضحوا بكل ما لديهم أيضا لمناصرة ثورة شعبهم و القطع مع نظام العنف و الإجرام، بالإضافة إلى الشخصيات الوطنية و الدينية المعروفة بدعمها حقوق الشعب و كرامته و حرياته.

يهدف هذا الحوار، الذي ينبغي أن يبدأ في الأيام القليلة القادمة و ليس الأسابيع، إلى قطع الطريق على منحى التدهور السياسي و التباين في الخيارات الفكرية و التباعد بين القوى المقاتلة، و تدارس المرحلة القادمة و مستحقاتها، و الاتفاق على قاعدة للعمل تنظم العلاقات بين جميع الأطراف المعنية بانتصار الثورة، و تنزع فتيل النزاعات في ما بينها، و تبني الأرضية المشتركة للعمل الوطني، على الصعيد الداخلي و الخارجي، و تنسيق العلاقات الوطنية و الدولة، و بلورة برنامج عمل و استراتيجيات متفق عليها من قبل الجميع للرد على استحقاقات المرحلة القادمة، سواء أتعلق الامر بتحديد الطريق، أو التفاهم على الأهداف المرحلية، أو بلورة أسلوب التعامل الوطني و الديمقراطي بين الأطراف، أو وضع التصور المشترك لسورية الجديدة التي كادت تفتقر إلى أي رؤية مشتركة بعد أن تبخر العقد الوطني الذي تم الاتفاق عليه في بداية الثورة، تحت ضغط العنف المنفلت و أنقاض المدن و القرى المدمرة بالحرب العدوانية، و بموازاة ذلك ما شهدته الساحة السورية من تحولات فكرية و سياسية خلال المرحلة الطويلة السابقة.

من موقعي المستقل تماما، فكرياً و سياسياً، و المنحاز لقضية واحدة هي استرجاع حقوق الشعب السوري و ضمان وحدته و مستقبله و وحدة وطننا و استقلاله و سيادته، أدعو جميع الأطراف المعنية، بصرف النظر عن اختياراتهم الايديولوجية، إلى الارتفاع إلى مستوى المسؤولية التاريخية، و الرد بالايجاب على دعوة الحوار الوطني، داخل صفوف معسكر الكرامة و الحرية، لترتيب أوضاع الثورة و تنظيم شؤونها و إدارتها، و تفكيك الألغام التي وضعت في طريقها، و إعادة صياغة جدول أعمالها و برنامجها و التوافق على الاستراتيجية الأمثل للانتصار في معركة الحرية و الكرامة و العدالة و المساواة القائمة.

لن نستطيع ان نواجه، مشتتين و مختلفين، متنازعين و متنافسين، مثلما أصبحنا الآن، أي استحقاق من استحقاقات المرحلة القادمة، و ليس استحقاق جنيف سوى واحد من بين استحقاقات عديدة تحتاج منا جميعاً إلى بذل جهد جدّي، من أجل التوصل إلى فهم مشترك للمخاطر و التحديات، و إلى بناء استراتيجية واضحة توحد الجهود و توجهها الوجهة السليمة التي تضمن تحقيق الأهداف النبيلة لشعبنا الحر الذي ضحى بالغالي و الرخيص من أجل نيل حريته و استقلاله و كرامته و استقلال بلده و سلامته.
المجد و الخلود لشهداء الحرية و النصر لسورية الأبية المكافحة.